وصلت موجة ارتفاع الأسعار في تركيا الأيام الحالية إلى مستويات غير مسبوقة جعلت من الصعب على الأتراك تغطية نفقاتهم اليومية، ما دفع نواب حزب اليسار الأخضر إلى تنظيم مسيرة في العاصمة أنقرة؛ احتجاجاً على تلك الصعوبات المعيشية، مؤكدين أنهم لن يلتزموا الصمت إزاء هذا الوضع المذري.
وفي مؤشر على الوضع الاقتصادي الصعب قرر أردوغان الجمعة إقالة النواب الثلاثة لمحافظ البنك المركزي التركي وتعيين ثلاثة جدد، في وقت صرحت حفيظة غاية أركان محافظة البنك بأن البنك سيعزز سياسات التشديد النقدي تدريجياً إلى حين تحقيق تحسن ملحوظ بشأن معدل التضخم.
لا صمت أمام ارتفاع الأسعار
وسار نواب حزب اليسار الأخضر على الأقدام من البرلمان إلى مبنى وزارة المالية في أنقرة؛ للاحتجاج على ارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد، ورفعوا لافتات تنتقد الحكومة بسبب زياداتها في الأسعار، مشددين على أنهم لن يلتزموا الصمت، وكان ذلك قبيل جلسة استثنائية كانت ستعقد في البرلمان لمناقشة الأوضاع الاقتصادية، وفق ما نقلت صحيفة “توركيش مينيت” التركية.
وقال ساروهان أوروتش نائب رئيس المجموعة البرلمانية لحزب اليسار الأخضر إن أردوغان هو المسؤول عن تعطيل الإجراءات التي من شأنها إحداث التوازن في الاقتصاد، وتركيز الإنفاق فقط في المرحلة التي سبقت انتخابات مايو الماضي، في إشارة منه إلى استغلال الرئيس التركي موارد الدولة للفوز بالانتخابات حتى لو كان ذلك على حساب الاقتصاد.
وقال “أوروتش” إن أردوغان وحزبه العدالة والتنمية تسببوا في تحويل الاقتصاد إلى مجرد حطام، ويحاولون الآن التعامل مع هذا الوضع عبر رفع الأسعار، في إشارة منه كذلك إلى اتجاه الحكومة بشكل غير مسبوق إلى رفع الأسعار بعد نجاح أردوغان في الفوز بالولاية الرئاسية الثالثة يوم 28 مايو الماضي.
أوضاع اقتصادية صعبة
وتشير الأرقام المعلنة رسمياً من قبل السلطات التركية إلى أن معدل التضخم في البلاد خلال شهر يونيو المنصرم كان 38.21%، إلا أن هناك دراسات مستقلة أجراها اقتصاديون مستقلون أكدت أن معدل التضخم أضعاف هذا الرقم بنحو 108.6% خلال شهر يونيو بارتفاع عن شهر مايو الذي كان فيه معدل التضخم 105.2% وفق دراستهم.
وفقدت الليرة التركية أكثر من 30% من قيمتها منذ بداية هذا العام لتصل إلى 26.9 مقابل الدولار الأمريكي، ويأتي هذا في ظل ارتفاع معدلات البطالة، واتهامات للرئيس التركي بسوء إدارة الاقتصاد وإفراغ خزائن الدولة، وسط مناخ سياسي رسخ لحكم الرجل الأوحد على نحو أفقد المستثمرين الثقة في الاقتصاد التركي.
توقعات بتدهور مستمر
في هذا السياق، يقول حسين عمر الكاتب والباحث السياسي في بروكسل إنه مع وجود نسبة تضخم عالية جداً لا يمكن لأردوغان وهو المتحكم الأول بالاقتصاد أن يحقق أية نتيجة، لقد حاول في السنة الماضية تطبيق خطط مهاتير محمد الماليزية في تركيا دون دراسة للواقع الماليزي حينها والواقع التركي الآن.
وأضاف “عمر”، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن هذا الأمر أدى إلى أن يصل حدود التضخم إلى أعلى المستويات العالمية وكذلك تدهور سعر صرف الليرة بوتائر عالية جداً، وهو ما أدى إلى ظهور فجوة عميقة بين القوة الشرائية للمواطنين والأسعار، وهو ما أدى بدوره إلى ضربة أخرى للاقتصاد المتهالك من الأساس.
وقال حسين عمر أنه إذا استمر الرئيس التركي في سياسته الحالية سيكون هناك تدهور مستمر وصولاً إلى هروب كافة الرساميل، وهي حاليا تبحث عن أسواق مستقرة، بعيدة عن المخاطر، في وقت نرى أن الليرة التركية في حالة انهزام مستمر أمام العملات العالمية، معتبراً أن هذا الوضع يذكر بفترة آواخر التسعينيات حينها وصل الاقتصاد التركي إلى حافة الإفلاس، وهو ما يعانيه الآن ولا يمكن أن يكون هناك منقذ إلا إذا أعطى أردوغان ضمانة لاستقرار السوق.
وقف حروب أردوغان
ويعزو كثير من المتخصصين تراجع الاقتصاد التركي إلى سياسات أردوغان سواء داخلياً من خلال تدخلاته في السياسات النقدية وتمسكه بتخفيض سعر الفائدة بشكل متتال، وكذلك سياساته الخارجية التي أدخلت البلاد في حروب ومشكلات مع كثير من دول الجوار والدول الأوروبية.
ويرى الكاتب والباحث السياسي أن تحقيق الاستقرار في السوق التركية يأتي من خلال إنهاء الحروب الداخلية والخارجية والتصالح مع الشعب، لأن الحروب تلك تستهلك كثيراً من الخزانة التركية، لهذا ليس هناك حلول إلا العودة إلى عملية السلام الداخلية والانسحاب من سوريا والعراق وبقية الدول التي لها مرتزقة وعسكر موالين لتركيا فيها.
وأضاف “عمر”، في ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أنه إن فعل أردوغان ذلك حينها سيتحقق الاستقرار وستعود ثقة المستثمرين بالسوق التركية، لافتاً إلى أن الاقتصاد التركي سيعاني في العام القادم أكثر من الآن بكثير، بسبب الالتزامات بدفع الديون المترتبة وكذلك إيقاف روسيا منح الغاز المجاني كما الوضع الآن.
وأكد أنه ليس من المستغرب أن يصل الاقتصاد التركي إلى حافة الهاوية كما اليونان، التي كانت أوروبا منقذاً لها، لكنه يرى أنه إذا كانت اليونان كان لها منقذاً، فإن أردوغان لن يكون له منقذاً.
بيع الأصول التركية
وقد دفعت الأوضاع الاقتصادية المتردية أردوغان إلى إعادة النظر في بعض السياسات الخارجية، والتي يأتي أبرزها التودد لدول الخليج العربي بغرض جذب الاستثمارات، بعد نحو عقد من التوتر في العلاقات بينهما والتي وصلت في كثير من الأحيان إلى التلاسن والشتائم العلنية.
وذكرت تقارير صحفية عدة الأسبوع الماضي أن الرئيس التركي أردوغان ذهب في جولته الخليجية التي شملت قطر والإمارات والسعودية ولديه قائمة بالأصول التي تملكها الدولة التركية والتي يريد بيعها للمستثمرين الخليجيين، على أمل البحث عن مخرج لاقتصاد بلاده المتعثر.
ويقول تقرير لصحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، نشر الجمعة 28 يوليو، إن الإنفاقات الضخمة التي قام بها أردوغان قبل الانتخابات يُلقى باللوم عليها في إذكاء جماح التضخم في البلاد، إلى جانب استنزاف السياسة الخارجية للبلاد أمول الدولة على نحو يهدد بإحداث أزمة في ميزان المدفوعات.
ولفت التقرير إلى أن النظام التركي يتجه للتخلي عن كثير من سياساته التي اتبعها خلال الفترة الماضية بقيامه بتخفيض سعر الفائدة، وذلك على الرغم من التضخم الحاد، فبينما كانت تذهب دول العالم لرفع معدلات الفائدة كان أردوغان يتمسك بالتخفيض على نحو أربك الأوضاع الاقتصادية في البلاد.