تحولت تركيا مؤخراً إلى جمر أحمر يكوي السوريين أينما التقت معهم، أي ليس في الداخل التركي فقط، بل حتى في الداخل السوري، فلوحظ تصاعد نبرة العداء للاجئين السوريين، ونفذت ولا تزال بحقهم حملات ترحيل مُمنهجة، تحت مزاعم العودة الطوعية، التي تتم إلى مناطق لا ينتمي لها المرحلون، في شمال غرب سوريا، حيث تعرفها تركيا بالمنطقة الآمنة، رغم أن النهار لا يمكن أن يمر عليها، دون عمليات سطو مسلح وقتل وتفخيخ واعتداءات، ضاق بها السكان المحليون ذرعاً.
ولم يقتصر الأمر على ترحيل اللاجئين، بل أوصدت الأبواب التركية في وجه السوريين، حتى المصابون منهم بالسرطان، قبل أن يُعاد فتحها بعد الحديث عن تدخل قيادات عربية خليجية، لصالح عبورهم وتداويهم.
المُمارسات التركية ضد اللاجئين
بالصدد، أكد المرصد السوري في الحادي عشر من يوليو، ترحيل السلطات التركية، 200 لاجئ سوري، بينهم سيدات وأطفال من داخل أراضيها باتجاه الداخل السوري، عبر معبر باب السلامة بريف إعزاز الشمالي، بهدف توطينهم في المجمعات السكنية التي أنشأتها خلال فترات زمنية متفاوتة.
كذلك، شدد المرصد أنه تجري عمليات الترحيل القسري إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها ضمن منطقتي “درع الفرات” وغصن الزيتون” في الشمال السوري، بالإضافة إلى منطقة “نبع السلام” بريف الحسكة، لاستكمال مشروعها الهادف إلى تغير ديمغرافية المنطقة، بعد تهجير ثلث سكانها الأصليين.
كما تأتي عمليات الترحيل القسري بحجة عدم وجود أوراق ثبوتية لديهم، بينما من ضمن الذين جرى ترحيلهم هم من حاملي الهوية التركية “كيملك”، وكل ذلك وفقاً للمرصد.
الذي ذكر أيضاً في السادس عشر من يوليو، بأنه “وانطلاقاً من دوره كمؤسسة حقوقية واكبة عمليات الترحيل القسري التي نفذتها السلطات التركية بحق اللاجئين السوريين منذ مطلع شهر تموز/يوليو، فقد وثقت ترحيل 956 لاجئاً بشكل قسري من عدة معابر حدودية بين سوريا وتركيا غالبيتهم يحمل الأوراق الثبوتية وبطاقة الحماية المؤقتة “الكيملك”، دون أي مبررات لترحيلهم”.
التمكين للمكون التركماني
وبجانب ترحيل اللاجئين السوريين، يبدو أن أنقرة تسعى إلى تمكين المكون التركماني من حكم مناطق شمال غرب سوريا، على اعتبار أنهم الأكثر ولاءً لها، ولثقتها بأنهم لن يطعنوا بها، مهما تضاربت السياسات، وعقدت الصفقات، بالأخص مع الحديث عن التطبيع بين أنقرة ودمشق، بواسطة موسكو، والذي سيكون حكماً على حساب المُعارضة السورية.
وفي السياق، قالت مصادر إخبارية، إن فصائل عربية ضمن “الجيش الوطني السوري”، رفضت طلباً تركياً، بإخلاء نقاط وحواجز عسكرية في ريف أعزاز، لصالح فصائل تركمانية ضمن تشكيلات ذلك “الجيش”، بحجة وجود خروقات أمنية في قطاعهم.
وبالحديث عن الجيش التركي، فقد واصل الأخير استهتاره بحياة السوريين في المناطق التي يحتلها من شمال غرب سوريا، فقتل شاباً عشرينياً، في الثامن عشر من يوليو، دهساً بمدرعة في قرية كفيفة جنوب تل أبيض، وأكملت سيرها دون التوقف لإسعاف الشاب، ما زاد من الغضب الشعبي الذي تعيشه المنطقة، أمام الاستهتار بأرواح المدنيين.
وقد ارتفعت أصوات بعض النشطاء السوريين في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، رفضاً للممارسات العنصرية التي تطال مواطنيهم في الداخل التركي، أو حتى على الأراضي السورية، لكن لم يكن من فصائل المعارضة السورية إلا أن اعتقلت هؤلاء، ومنهم في إعزاز، المحامي “عصام الخطيب”، الذي نشر مقطعاً مصوراً على صفحته في تطبيق التلغرام، انتقد فيها اعتداءات الجيش التركي على المواطنين السوريين، وذلك عقب انتشار مقطع مصور في العشرين من يوليو، على مواقع التواصل الاجتماعي، لحرس الحدود التركي (الجندرما)، وهم يقومون بتعذيب مجموعة من السوريين بطرق وحشية، خلال محاولتهم عبور الحدود.
ولعل المُضحك المُبكي للكثير من السوريين، أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، توقّع في الواحد والعشرين من يوليو، زيادة عودة اللاجئين إلى سوريا، مع تقدم مشروع بناء منازل الطوب الذي تدعمه قطر في الشمال السوري، والذي يعني فيما يعنيه، ترسيخ مشروع التغيير الديموغرافي، الذي ساهمت فيه كل من تركيا وإيران، عبر دعمهما المشترك للخطاب الطائفي المتطرف، ما حرف مسار الانتفاضة الشعبية للسوريين عن مسارها، وحولها إلى حرب أهلية، خسر فيها الجميع، حقوقهم وأحلامهم.
أنقرة والعرب الرافضون للتتريك
وللتعقيب عن جملة المُعطيات أعلاه، تحدثت “منصة تارجيت”، إلى “إياد الخطيب”، عضو المجلس العام لـ”حزب سوريا المستقبل”، والذي أكد حول ترحيل السلطات التركية للسوريين من أراضيها بأن “السياسات التركية لترحيل اللاجئين، تُبنى على استكمال عمليات التغيير الديموغرافي الذي بدأته في الشمال السوري”.
مُردفاً: “تعمد تركيا إلى توطين أكبر عدد ممكن من اللاجئين في عفرين والمناطق المحيطة بها، وهذا يعتبر عمليات توطين وإنشاء مستوطنات جديدة على حساب السكان الأصليين في المنطقة، فيما تُجبر عمليات الترحيل القسري، اللاجئ على تأسيس حياة وعمل جديد ضمن المناطق المذكورة، كنوع من الاستيطان، وبناء حياة في مناطق جديدة بالنسبة له، لا ينتمي لها بالأصل”.
أما بخصوص الحديث عن أوامر تركية، لفصائل عربية ضمن “الجيش الوطني السوري” لإخلاء نقاطهم شمال حلب، لصالح فصائل تركمانية، وإن كانت تسعى أنقرة لتسليم المناطق التي يحتلها من سوريا للتركمان حصراً، فقد ذكر “الخطيب” لـ”تارجيت”، إن “تسليم القيادة للعناصر التركمانية ليس بشيء جديد، وهذه السياسة اتبعتها تركيا منذ زمن طويل، مع بداية دعمها المشروط لفصائل المعارضة، حيث تضع السلطات التركية كامل ثقتها بالعناصر التركمانية، وهذه السياسة هدفها ربط هذه المناطق بقوات الاحتلال بشكل أكبر، من حيث اللغة والعرق”.
مستكملاً: “إضافة لهذا، لا تثق قوات الاحتلال بالقيادات العربية ثقة مُطلقة، لأن الحاضنة الشعبية العربية ترفض سياسات التتريك المفروضة، وهناك ضغط شعبي كبير على القيادات العربية، حيث يُطالب الأهالي بفصل مسار الثورة عن المصالح التركية التي دمرتها وحولت الفصائل إلى مرتزقة مسلوبي الإرادة، وهذا برأي الكثير من النشطاء السياسيين في المناطق المحتلة”.
وحيال استهتار الجيش التركي بحياة المواطنين السوريين، داخل سوريا وعلى حدودها، وإمكانية تحوّل الغضب الشعبي لانتفاضة ضد الوجود التركي في شمال غرب سوريا، أوضح عضو المجلس العام لـ”حزب سوريا المستقبل”، إن “حالة الخوف بين عناصر قوات الاحتلال تدفعهم للتصرف هكذا، حيث تخشى هذه القوات من النزول من العربات، ولا تسير إلا برفقة حماية من العناصر المرتزقة”.
الافتقار للتنظيم، الوعي والنضوج الفكري
مُتابعاً: “هناك حالة غضب وغليان شعبي كبيرة داخل المناطق المحتلة، ولكن في نفس الوقت، هناك قبضة أمنية واسعة من قبل قوات الاحتلال وعناصر المرتزقة، وترجمة هذا الغضب لثورة أو حراك شعبي يحتاج إلى تنظيم سليم ووعي سياسي ونضوج فكري، تفتقر له الكثير من المناطق المحتلة”.
وشدد الخطيب على أن “القناع التركي قد سقط منذ زمن بعيد في مناطق المعارضة”، في تعقيبه على توقّع الرئيس التركي، زيادة عودة اللاجئين إلى سوريا مع تقدم مشروع بناء منازل الطوب الذي تدعمه قطر في الشمال السوري، مشيراً: “أصبحت الشعوب تدرك حجم المؤامرة عليها، وأنهم أصبحوا ضحية للعبة المصالح التركية الروسية، ولكن في نفس الوقت من يتحكم بمناطق المعارضة هم حفنة من المرتزقة والقتلة، الذين يحكمونها بقبضة أمنية قوية، تمنع الشعوب من التعبير عن رأيها، خاصة بعد أن أدرك الكثير كذب أردوغان وتلاعبه بقضية اللاجئين، فقط ليكسب الانتخابات الرئاسية”.
واستدرك الخطيب: “السياسات العنصرية المُمارسة تُجاه اللاجئين، سياسات مُنظمة ومدروسة من قبل السلطات التركية، تُظهر الوجه الحقيقي للمُحتل، الذي لا تحرك مشاعره حتى القضايا الإنسانية، بما فيها أمراض الأطفال، لكن التحركات الشعبية في مناطق المُعارضة تحتاج إلى تنظيم ومرجعية فكرية وسياسية، لتصبح فاعلة وقادرة على تغيير المُعادلة على الأرض، أما حركات الاستعطاف والتضرع لقوات الاحتلال في سبيل إدخال المرضى، فهي لا تزيد السلطات التركية إلا تعنتاً”.
وختم عضو المجلس العام لـ”حزب سوريا المستقبل” حديثه لـ”تارجيت” بالقول: “السوريون في المناطق المُحتلة، استفاقوا منذ زمن، وأصبحوا يدركون حجم التآمر التركي، لكن وجود عناصر المرتزقة وعناصر الاستخبارات التركية في المنطقة، يُعقّد الوضع، إضافة إلى تحكم قوات الاحتلال بالمعابر الإنسانية والمنظمات الإنسانية العاملة هناك، حيث تفرض على عمل تلك المنظمات قيوداً وشروطاً بما فيها قطع الإغاثة عن جميع المناطق التي تخرج عن الطاعة، لذلك يحتاج العمل ضد قوات الاحتلال والمرتزقة إلى تنظيم ومرجعية سياسية، فكرية وحالة تضامنية من كافة المكونات”.
لتبدو بذلك المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، مسلوبة الإرادة، ومُقادة إلى مقصلها الحتمي في دمشق، بالتوافق مع أنقرة وموسكو، رغم أن التعويل لا يمكن أن ينقطع من الشعوب التي تسعى خلف حريتها، ليكون الفيصل في ذلك، انقلابها في الساعة الفارقة على كل منَ خطط للإيقاع بها، والسوريون يدركون حتماً في قرارة أنفسهم، من لهم ومن عليهم.