تتنافس القوى العالمية على الساحة السورية، وتسعى كل منها لامتلاك بيضة القبان، المُتمثلة حالياً في المناطق الغنية بالثروات الباطنية والظاهرية، وتحديداً في شرق البلاد الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا
وكان لواشنطن وحدها اليد الطولى هناك، قبل انسحابها لصالح موسكو في أكتوبر العام 2019، إبان شن أنقرة ما سمي بـ”عملية نبع السلام”، والتي احتلت بموجبها شريطاً حدودياً سورياً مُمتداً من رأس العين إلى تل أبيض.
تنافس أمريكي روسي
لكن عقب أن استقرت خرائط النفوذ على شكلها الحالي في سوريا، إلى ثلاث مناطق رئيسية، أحدها خاضع لروس عبر حكومة دمشق، وثانيها خاضع لأنقرة عبر فصائل المعارضة السورية، وثالثها مُقرب من واشنطن عبر قوات سوريا الديمقراطية، بدا أن موسكو غير راضية تماماً عن حصتها، وعليه ظهرت مؤخراً مساعيها لمُناكفة واشنطن في مناطق نفوذها.
فوجهت موسكو، منذ بداية يوليو الجاري، العديد من الإشارات التي تدل على ذلك، إذ اتهم جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي في الثالث من يوليو، نائب قائد القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم)، جيمس ميلوي، بأنه يقود أنشطة تنظيم “الدولة الإسلامية”، في جنوب سوريا والعاصمة دمشق.
وفي اليوم التالي، أي في الرابع من يوليو، زعم المركز الروسي للمصالحة في سوريا، رصده 14 انتهاكاً لمذكرة أمن التحليقات من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وقال نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة، اللواء البحري أوليغغورينوف: “تستمر الانتهاكات الفظة لبروتوكولات تجنب الصدام والمذكرة الثنائية حول أمن التحليقات في سوريا من قبل ما يسمى بـ”التحالف الدولي” الذي تترأسه الولايات المتحدة، وهي تتسم بطابع متعمد ومنهجي”.
كما أعلن نائب رئيس مركز المصالحة الروسي، في الخامس من يوليو،عن مناورات روسية – سورية، للعمل المشترك للطيران والدفاع الجوي، فيما بدا أنها رسالة أخرى للأمريكيين، مفادها التحذير والتهديد بالمواجهة.
في حين رد الجانب الأمريكي على الاتهامات الروسية السابقة في السادس من يوليو، عندما أفاد الجنرال في القوات الجوية الأميركية اليكسوسغرينكويتش في بيان، بأن طائرات مقاتلة روسية عمدت إلى مضايقة ثلاث مسيّرات أميركية خلال مشاركتها في مهمة ضد المتطرفين في الأجواء السورية، وذكر الجنرال: “بينما كانت ثلاث طائرات مسيّرة أميركية من طراز “أم كيو-9″ تقوم بمهمة ضد أهداف لتنظيم داعش، بدأت ثلاث طائرات مقاتلات روسية بمضايقتها”.
اهتزاز تفاهمات كيري-لافروف
وحول احتمالات تصاعد النزاع بين الولايات المتحدة وروسيا داخل الحدود السورية، وما يسعى إليه الروس، وقدرتهم على تحجيم مواقع “التحالف الدولي”، تحدثت “منصة تارجيت”، إلى “يحيى العريضي”، الأكاديمي السوري المعارض، الذي أكد أن “تفاهمات “كيري”، وزير خارجية إدارة “أوباما” ووزير الخارجية الروسي “لافروف”، حول الوضع السياسي والعسكري في سوريا في حالة اهتزاز”.
مُشيراً إلى أن ذلك أتى بعد قرار /أمريكي-أوروبي/ غير معلن، (لكن يتجلى في المحافل الدولية) بخنق روسيا سياسياً واستنزافها وفضحها عسكرياً – إثر حربها على أوكرانيا.
وكشف المُعارض السوري أنه ورغم أن أمريكا صرحت مرات بسحب قواتها من سوريا، ورغم انسحابها من أفغانستان، إلا أن التواجد الروسي في سوريا يشكل أحد ساحات مُضايقة واستنزاف الروس، المنسجم مع الهدف الأمريكي الأوروبي أعلاه.
مُتابعاً لـ”تارجيت”: “من هنا فُك الحصار عن مخيم الركبان رغماً عن روسيا؛ والذي أخذ بطريقه التضييق على إيران وميليشياتها، في إحداث الثغرة بطريقها البري عبر العراق باتجاه سوريا ولبنان، أي قطع ما سُمّي بـ”الهلال الشيعي”.
كما لم يستبعد العريضي أن “يتّصل القطاع الشمالي الشرقي السوري بالتنف، مروراً بالمثلث السوري العراقي الأردني وصولاً للجنوب، أي (السويداء، درعا القنيطرة”، مُرجعاً الاستنفار والتحركات الروسية الإيرانية الأسدية، إلى كونها هجوماً على الهجوم؛ على مبدأ “خير وسيلة للدفاع هي الهجوم”.
المحور الروسي ودعم الجماعات والأنظمة المارقة
في الصدد، قال “د.رزگار قاسم”، مُمثل “مجلس سوريا الديمقراطية” في المانيا، في الصدد لمنصة تارجيت: “بالتأكيد هذه ليست المرة الأولى بما يتعلق بخروقات لما تسمى بمناطق النفوذ من كلا الطرفين، غير أن المسألة لا تختصر بتلك التفاهمات ما بين الأمريكان والروس أو ما تسمى بتفاهمات (لافروف-كيري) والتي تمت ما بين وزيري خارجية كلاً من أمريكا وروسيا، قبل الحرب الروسية-الأوكرانية، إذ أن التطورات بعد هذه الحرب أخذت منحى آخر، من توسيع مناطق الصراع، ومحاورها الأساسية هي سوريا وأوكرانيا”.
مُردفاً: “الروس مُتحالفون مع إيران والنظام السوري، ومُتفاهمون مع تركيا، ويشتركون في مشروع تم الاتفاق عليه فيما بين الأطراف الأربعة، أو ما يسمى بمحور آستانا، يستهدف ضرب إرادة الشعوب في المنطقة، بدعم المجاميع الإرهابية، لكبح التغييرات التي طرأت على المنطقة بدعم التحالف الدولي الذي يقوده الأمريكان”.
“يسعى المحور الروسي (الآستانة)، إلى تحجيم دور التحالف الدولي في سوريا، من خلال دعم الجماعات والأنظمة المارقة في المنطقة، وهذا ما يصعب تحقيقه، لانسجام مشروع التحالف الدولي أكثر مع مطامح شعوب المنطقة”، وفق الدكتور “رزكار قاسم”.
حرب أقوى قادمة
كما أشار مُمثل “مجلس سوريا الديمقراطية” في ألمانيا، إلى أن “التطورات الجارية والصراع القائم، لن يختصر على الساحة السورية فقط، حيث ستأخذ بعداً دولياً سيتجاوز محوري الحرب السورية والأوكرانية، وستتصاعد يوماً بعد يوم، وكل المؤشرات تدل على المواجهة القريبة فيما بينهم، خاصةً في سوريا”.
مُخمناً: “لا أستبعد قيام حرب أقوى فيها، سنشهد خلالها تطورات كبيرة على المدى القريب، بهدف إجهاض الروس وحلفائهم هناك، إلى جانب إجهاض قوتها في أوكرانيا كذلك”، ومُتابعاً: “الأمر هنا لا يتعلق بالروس فقط، بل إيران أيضاً، المستهدفة ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد، للأسف سوريا ستشهد حرب أقوى أكثر مما عانته خلال عقد وأكثر من الزمن”.
وعلى صعيد مُتصل، شهدت في الثامن من يوليو، خطوط التماس بين مناطق سيطرة حكومة دمشق من طرف، والجيش الأمريكي وقوات سوريا الديمقراطية من طرف آخر، في ريف محافظة دير الزور شرقي سوريا، حالة من الاستنفار العسكري والأمني على طول ضفاف نهر الفرات، وسط تحليق مكثف للطيران الحربي الأمريكي، وذلك وفق وكالة سبوتنيك الروسية، وهو ما شكل إشارة جديدة إلى تصعيد محتمل من موسكو وطهران ضد واشنطن، على الأراضي السورية.
وهو ما ذهبت إليه القيادة الأمريكية، حيث قالت وزارة الدفاع (البنتاغون)، في الرابع عشر من يوليو، في تصريحات بأن “تقديراته بأن روسيا وإيران وسوريا تريد من الولايات المتحدة ترك المنطقة” في إشارة إلى التنف، كما أكدت الولايات المتحدة أنها لا تسعى للتصعيد أو المواجهة مع روسيا في سوريا، مشيرة إلى أن هناك تصاعداً في نشاط الروس بسوريا، مع وجود مناوشات منذ مارس الماضي.
كذلك تحدث مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية(البنتاغون)، عما وصفه بتزايد “العدوان” الروسي وتنامي علاقاتها (روسيا) مع إيران في سوريا، مبيناً إن واشنطن تدرس خيارات الرد على ذلك، وقال إن الولايات المتحدة تدرس عدداً من الخيارات العسكرية لمواجهة “العدوان الروسي المتزايد” في سماء سوريا، الأمر الذي أدى إلى تعقيد الجهود لضرب قيادي في “داعش”، وأشار إلى إن الولايات المتحدة “لن تتنازل عن أي منطقة وستواصل الطيران في الجزء الغربي من البلاد في مهام ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، بحسب ما ذكرته وكالة اسوشيتد برس.
تحرر الشعُوب يُعارض نظامي (إيران وتركيا )
وبالحديث عن إيران، والأنباء عن تعزيز الفصائل الموالية لها، نقاط تمركزها على طول شريط نهر الفرات بريف دير الزور شرقي سوريا، فقد لفت “رزكار قاسم” لـ”تارجيت” إلى أن “محور آستانة هو محور الشر، كونه يُعادي تطلعات شعوب المنطقة في الحرية، وطهران وأنقرة يدركون ذلك جيداً، كون هذه الأنظمة ديكتاتورية، قمعية ضد شعوب المنطقة، لذا جاء دعمهم للنظام في سوريا، لإدراكهم التام بأن تحقيق الشعوب السورية حرياتها، سيكون تهديداً لفاشيتهم وسياساتهم القائمة على إنكار الشعوب وحرياتها”.
مُستكملاً: “أثبتت الاثني عشرة عاماً التي شهدتها سوريا، وأحداثها والأزمة التي تعيشها لليوم، مدى دعم الأتراك والإيرانيين والروس للنظام السوري، ومدى خوف محور(الآستانة) من التطورات القادمة، فلم يدخروا جهداً إلا وقدموه للنظام السوري، خشية تحرر الشعوب هناك، ما سينعكس إيجاباً على الشعوب التي تُعاني الظلم في تلك البلدان المُصطنعة (تركيا-إيران)”، مُستنتجاً: “لذا نرى كيف يركزون على تجنيد بعض العشائر والبعض من أبناء المناطق السورية، لتنفيذ أجنداتهم كأدوات ضد الحراك الثوري في سوريا”.
وحيال الحديث أخيراً عن خطة للتحالف الدولي لوصل مناطق “قسد” مع قاعدة “التنف”، التي يرعاها التحالف الدولي أيضاً، تحت مسمى “جيش سوريا الحرة”، أوضح مُمثل “مجلس سوريا الديمقراطية”، أن “للإيرانيين والروس وتركيا مصالح مشتركة في مُختلف المناطق السورية، فروسيا تدعم مشروعي العثمنة التركية والتشييع الإيراني، ولكل من هذين المشروعين، ممر على حساب الجغرافية السورية، ما يصطدم بمشروع التحالف الدولي وشعوب المنطقة التواقة للحرية، ما سيؤدي إلى المواجهة الحقيقة على المدى القريب”.
مُختتماً بالقول: “لكلٍ مشروعه، غير أن التطورات المُتسارعة في المنطقة، والتي ستؤدي إلى احتدام الصراع، ستُحدد الخارطة المُستقبلية التي يجب أن تكون لصالح المناطق التي تتقاطع مصالحها مع بعضها البعض، فالسويداء لها حراكها الذي يرفض النظام، وكذلك الجنوب السوري بشكل عام، مع المناطق الحدودية سواء التنف أو غيرها، ما يقودنا إلى ربط المناطق التي تتقاطع المصالح فيما بينها”.
ليكون معها توقّع مُمثل “مسد” للحرب الأقوى في قادم الأيام، نذير شؤمٍ على السلطة الحاكمة في دمشق، كونها إن وقعت، ستجعلها دمشق في مواجهة مباشرة مع التحالف الدولي والسوريين التواقين للخلاص من حكم جلاوزتها، بالأخص أنها ستقطع ممر الإمداد القادم من طهران، والواصل إلى الضاحية الجنوبية في بيروت.