اليسَاري الكُرْدِي لـ”تَارجِيت”: رُوسْيَا تَخنُقنا والتَّحالف اَلدوْلِي مُزْدَوِج المعايير شَمَال سُورْيَا
تأخذ قضية المعابر الإنسانية إلى الداخل السوري، حيزاً واسعاً من اهتمام السوريين، في ظل حاجة الكثير منهم إلى الرعاية الدولية، على اختلاف مساحة الأراضي السورية، لكن تدخل الأطراف الدولية والإقليمية، يحرم جزءاً من السوريين من تلك الرعاية والمساعدات، لصالح توجيهها إلى مناطق مُحددة من البلاد، تحظى برضى المُتدخلين بالشأن السوري.
فيما يدفع جزء واسع من السوريين، يُقدر عددهم بنحو 6 ملايين إنسان، من سكان أصليين ووافدين أو نازحين، إلى الشمال الشرقي، ضريبة عدم رضى قوى إقليمية أو دولية عنهم، من جهة، وصمت قوى دولية تعتبر حليفة لهم من جهة ثانية.
علاقات تركيا مع النصرة.. وإدخال المُساعدات لمناطقها
مُناسبة الحديث، تشدّيد مسؤول أممي في الرابع من يوليو الجاري، خلال زيارة مدينة سرمدا في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، على ضرورة تمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود لمدة عام، وتأكيده على أن لا بديل عنها لإغاثة ملايين السكّان الذين شرّدتهم الحرب، متجاهلاً في الوقت عينه، سوريين آخرين على الجانب الآخر من نهر الفرات.
وحول دخول مسؤولين من منظمة الأمم المتحدة إلى منطقة خاضعة لتنظيم إرهابي كـ”هيئة تحرير الشام\جبهة النصرة”، في سرمدا بإدلب، قال “محمد موسى”، الأمين العام للحزب اليساري الكردي في سوريا (P.Ç.K.S)، في حديث إلى “منصة تارجيت”: “بالنسبة للمعابر والتعامل مع الوضع السوري عموماً، سواء كان شمال غرب سوريا أو شمال شرق سوريا، وحتى مع النظام، هناك ازدواجية في المعايير بشكل غريب وعجيب”.
مُتابعاً: “يعني الأمم المتحدة والقوة الدولية المتنفذة، لديها الاستعداد الكامل للتعامل مع مناطق تُسيطر عليها المجاميع الإرهابية، وفي المقدمة منها جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام، أما بالنسبة إلى المناطق الأخرى، فهناك تحفظات”.
مُردفاً: “أعتقد أن ذلك يرتبط بالدرجة الأولى بمصالح الدول المُتنفذة، سواء كان على المستوى الإقليمي أو حتى على المستوى الدولي، فتركيا لديها دور بارز بالنسبة إلى التعامل مع شمال شرق سوريا أو ما يسمى بشرق الفرات، وتحدّ من أي شكل من أشكال التعاون أو إدخال المساعدات أو الإغاثات إلى هذه المنطقة”.
“أما بالنسبة المناطق الأخرى، فهناك أمر مختلف تماماً، وتعلمون جيداً بعلاقات الدولة التركية مع المجاميع التي تسيطر على شمال غرب سوريا، بما فيها جبهة النصرة، وبالتالي تتحفظ تركيا على إدخال مساعدات إلى شمال شرق سوريا، فيما تتعاون عندما يُقر إدخال المساعدات إلى شمال غرب سوريا”، يقول السياسي الكُردي.
مُستدركاً: “أما بالنسبة للنظام، ، فتدركون العلاقات الحميمية للاتحاد الروسي معه، حيث يُحاول بأي شكل من الأشكال تمرير أجندات النظام ودعم مواقفه ومساندته، وكما هو معروف للجميع، عندما تمت المحاولة لفتح المعابر إلى شمال شرق سوريا، وبالتحديد معبر تل كوجر، كان الفيتو الروسي بالمرصاد، وحتى النظام اعترض بقوة على فتح المعابر، واشترط أن يكون تحت سيطرته وبإدارته، رغم اقتراح الإدارة الذاتية تشكيل إدارة مشتركة بين الطرفين، لكنه رفض”.
كما أشار “محمد موسى” إلى أن “الاتحاد الروسي يضغط دائماً باتجاه خنق تلك المناطق (شمال وشرق سوريا)، مُتعاوناً مع النظام ومع تركيا ومع إيران، بمعنى أن رباعي أستانا دائما مُتحفظ على أي انفتاح باتجاه مناطق الشمال والشرق، ولذلك فإن العملية مرتبطة بأجندات ومصالح تلك الدول، ليس إلا”.
لماذا لا تنظر الأمم المتحدة بعين واحدة إلى مُختلف المناطق السورية؟
أجاب الأمين العام للحزب اليساري الكردي في سوريا على ذلك الاستفسار لـ”تارجيت” بالقول: “الأمم المتحدة ليست قوة تنفيذية بقدر ما أنها قوة قد تشرعن أو تقر شيءً ما بخصوص هذه المنطقة أو تلك، ولكن الدول المُهيمنة على الأمم المتحدة، وبشكل خاص الاتحاد الروسي، في سوريا، دائماً بالمرصاد لمواجهة أي قرار للانفتاح على مناطق شمال شرق سوريا، وسوريا عموماً هي ضحية صراع دولي إقليمي، يُحاول فيها الجميع أن يُمرر أجنداته ومصالحه على حساب الشعب السوري بمكوناته المختلفة”.
وانتهى في العاشر من يوليو الجاري، تفويض منحه مجلس الأمن للعمل بآلية إدخال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا لمدة ستة أشهر، من دون المرور بمناطق سيطرة حكومة دمشق، حيث كان قد سمح مجلس الأمن، في العام 2014، بعبور المساعدات عبر أربع نقاط حدودية، لكنه ما لبث أن قلّصها تباعاً، بضغوط من موسكو وبكين، حليفتي دمشق، لتقتصر على معبر باب الهوى الواقع عند الحدود بين سوريا وتركيا.
فيما كانت قد قدمت روسيا في السابع من يوليو، اقتراحاً لتمديد موافقة مجلس الأمن الدولي على تسليم المساعدات إلى شمال غرب سوريا من تركيا، لمدة ستة أشهر، لتحيي بذلك معركة مزمنة مع الولايات المتحدة وحلفائها، الذين يريدون تجديدها لمدة 12 شهراً، فيما استبقت حكومة دمشق عملية التصويت، بإعلان رفضها للمقترح الغربي بتمديد الآلية لمدة 12 شهراً، مُؤكدةً رفضها إدراج معبري باب السلامة والراعي ضمن المشاورات.
وقالت صحيفة “الوطن” السورية، إن حكومة دمشق، موافقة على تمديد التفويض لإدخال المساعدات من معبر باب الهوى لكن لمدة 6 أشهر فقط، وذلك انسجاماً مع المقترح المضاد الذي تقدمت به روسيا في مجلس الأمن.
كما نقلت الصحيفة اشتراط النظام تضمين القرار الأممي، “تحسين” مسودة القرار لجهة “تعزيز مشاريع التعافي المبكر والتأكيد على تفعيل آلية إدخال المساعدات عبر الخطوط من مناطق سيطرة النظام”، إضافة إلى “إيجاد حلول مستدامة للوضع الإنساني في سوريا”.
وحيال إصرار دمشق على تمرير المساعدات لـ6 أشهر حصراً عوضاً عن العام، وما يعنيه ذلك، بيّن السياسي الكُردي أن “القرار ليس صادراً من سلطات النظام، بقدر ما هو مُتفق عليه من قبل القوى المتحالفة معه، سواء كان الاتحاد الروسي أو إيران أو حتى تركيا”، مُتابعاً: “كل ما في الأمر، أن النظام لا يريد أن يُمدد لأن المُتغيرات المُوجودة على الساحة السورية مُتسارعة تماماً، والستة أشهر لأنه قد يحصل شيء ما أو تطور بعد انقضائها”.
التحالف الدولي يتعامل بازدواجية
ويُشكل التزام التحالف الدولي، الأمريكيين والأوروبيين، للصمت حيال إغلاق المعابر، علامات استفهام لدى الشارع المحلي في الشمال والشرق من سوريا، والذي يبدو مُمتعضاً من ذلك الصمت الأقرب إلى الرضى، والموافقة الضمنية على الحصار الإنساني والإغاثي، فيما شدد السياسي الكُردي “محمد موسى” على أن “لتركيا دور بارز في إغلاق المعابر مع شمال وشرق سوريا”.
مُستكملاً: “أعتقد أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يتعامل بازدواجية مع الوضع القائم في شمال شرق سوريا وتركيا، تعلمون جيداً أن تركيا حليفة للولايات المتحدة والتحالف الغربي عموماً، وهي عضو في الناتو، وقد جرت تسويات في الاجتماع الأخير للناتو، بجانب الاجتماع بين الرئيس الأمريكي والرئيس أردوغان، ولجملة تلك التسويات، لا يُحاول التحالف الغربي إزعاج تركيا، بأي شكل من الأشكال، لعدم دفعها باتجاه الاتحاد الروسي”.
كما لفت “محمد موسى” إلى توجه تركيا بشكل قوي للاتحاد الروسي في العامين الأخيرين، واستدرك: “لكن يبدو أنها بدأت بعد الانتخابات الأخيرة، وإعادة انتخاب اردوغان، بإعادة النظر في سياساتها، ومُحاولة تسوية وضعها مع التحالف الغربي، وكذلك مع الناتو، مُقابل بعض الإغراءات التي وفرتها لها الدول الغربية، كطائرات f16، إضافة لمسائل أخرى”.
مُستنتجاً: “لذلك، لا يريد التحالف الغربي أن يفقد تركيا ويدفعها باتجاه الاتحاد الروسي، خاصة بعد الصراع على أوكرانيا والحرب الدائرة هناك، إضافة لعدم رغبة التحالف بفقدان من يسميهم حلفاؤه المحلين في شمال شرق سوريا”.
“يُحاول الأمريكيون وحلفاؤهم، تحقيق التوازن المضبوط بشكل لا يفقد فيه حليفه الرئيسي والأساسي والتاريخي، وهو الدولة التركية، إضافة إلى حليفه المحلي كما يدعون، الذي بات يتعامل معه منذ سنوات عديدة، في مواجهة الإرهاب، وهذه المنطقة (شمال شرق سوريا)، تشكل حالياً موطئ القدم بالنسبة لأمريكا وحلفاءها”، يوضح الأمين العام للحزب اليساري الكُردي في سوريا، لـ”تارجيت”.
ويختتم لـ”تارجيت” بالقول: “لا أعتقد أن هناك مكاناً آخر أو أرضية أخرى يمكن لأمريكا وحلفاءها، أن تتحرك منها لمُواجهة إيران والاتحاد الروسي، كل هذه الأمور تدفع أمريكا وحلفاءها باتجاه تحقيق توازن مُعين بين حليفين مُتناقضين (تركيا والإدارة الذاتية)، رغم أن أنقرة تستعدي بشكل سافر الطرف الآخر، وهو الإدارة الذاتية الديمقراطية، في شمال شرق سوريا”.
ليستمر معها السكان في مناطق الشمال والشرق من سوريا، بدفع ضريبة الجيرة التركية، حرماناً من المُساعدات، كأبسط حق، وأقل تعويض عن صراع القوى الدولية على أرضهم، التي لم يبق لهم فيها لا ناقة ولا جمل.