ضَابِط يَكشِف لـ”تَارجِيت”: ضَعْف المُعارضة والاسْتهْتار الدوْلِي سَبَبان لِإعادة لُبْنان اللَّاجئين السُّوريِّين
تستمر قصص ترحيل السوريين من الدول المُجاورة لسوريا، برسم المزيد من المآسي والمخاوف، التي تنقلها وجوههم الهائمة بحثاً عن ملجأ آمن، كما هو الحال في تركيا والعراق، إضافة إلى الأردن ولبنان.
وبالحديث تحديداً عن الوضع المُتردي للاجئين السوريين في الأخيرة، أي لبنان، تُشير المعلومات إلى توسع التضييق عليهم، وترحيل الكثير منهم قسراً، وهو ما أشار إليه المرصد السوري لحقوق الإنسان في الخامس عشر من يوليو الجاري، حيث أكد رامي عبد الرحمن، مدير المرصد، أن “الكثير من المناطق في لبنان تقوم بحملات التحريض العنصري ضد اللاجئين، ومن قبل بعض الإعلام اللبناني والسياسيين”، لافتاً إلى أنه “لا توجد في سوريا أي منطقة آمنة لكي يعود اللاجئون”، مُطالباً بأن “يُعامل اللاجئون السوريون في لبنان مُعاملة إنسانية”.
كما شدد على أهمية ألا تلقي “الحكومة اللبنانية، بفشلها السياسي على عاتق اللاجئين السوريين”، مُبيناً أن “الواقع المعيشي الذي يعيشه اللاجئون السوريون في لبنان كارثي، وهم يحتاجون لمساعدات مُستمرة ومقومات للحياة”، مُؤكداً أن “الخيار الأفضل، بأن يكون هناك حل سياسي في سوريا، كي لا تفرغ من سكانها، وبالتالي يكون تغييراً ديموغرافياً”.
لبنان ينتهك التزاماته
حديث مُدير المرصد، قديمٌ جديد، وبات مُكرراً بشكل دوري في لبنان، حيث سبق أن اتهمت مُنظمات دولية، السلطات اللبنانية بترحيل اللاجئين السوريين قسراً، وهو ما يُعرضهم للاعتقال والسجن والإجبار على التجنيد في صفوف قوات حكومة دمشق، بجانب عمليات تعذيب وتنكيل طالت العديد منهم، فيما لا يزال مصير جزء منهم مجهولاً، بعد اعتقاله من قبل أفرع دمشق المُخابراتية.
ذلك ما كانت قد ذهبت إليه منظمة “هيومن رايتس ووتش”، بتقرير في الخامس من يوليو الجاري، عندما قالت إن “الجيش اللبناني اعتقل تعسفياً ورحل آلاف السوريين، بينهم أطفال غير مصحوبين بذويهم، إلى سوريا بين أبريل ومايو 2023”.
وقال سوريون مرحلون للمنظمة، إن الجيش اللبناني تجاهل وضعهم كلاجئين أو مخاوفهم من تعرضهم للاضطهاد في حالة إعادتهم، فيما قال رجل إن “الجيش السوري” احتجزه تعسفياً، وعذبه، وجنده قسراً في قوات الاحتياط العسكرية السورية بعد ترحيله في أبريل، فيما قال شخص آخر قابلته هيومن رايتس ووتش إن “المخابرات العسكرية” السورية اعتقلته مع 12 شخصاً آخرين بعد ترحيلهم واحتجزتهم في “الفرع 235″، المعروف بـ “فرع فلسطين”، في دمشق، مؤكداً أنهم تعرضوا لتعذيب شديد، بما فيه الصعق بالكهرباء، والضرب بأنبوب ماء، والتعليق بالسقف من أيديهم.
وتنتهك عمليات الترحيل التزامات لبنان، بصفته طرفاً في “اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب”، وبموجب المبدأ في القانون الدولي العرفي القاضي بعدم الإعادة القسرية – عدم إعادة الأشخاص قسرا إلى بلدان يواجهون فيها خطراً واضحاً يتمثل في التعرض للتعذيب أو غيره من الاضطهاد، فيما ينتهك احتجاز الأطفال وإساءة معاملتهم، وتشتيت العائلات، وغيرها من الانتهاكات، التزامات لبنان الخاصة بحقوق الطفل، حسب منظمة هيومن رايتس ووتش.
الجيش اللبناني والمرجعيات الدينية
وللتعقيب على أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان، وما يتعرضون له من إعادة قسرية للداخل السوري، أكد “أحمد رحال” العميد السوري المًعارض، في حديث إلى “منصة تارجيت”، إن “تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش حول اعتقال الجيش اللبناني للسوريين بشكل تعسفي، أمر ليس بجديد، بل هو مستمر منذ سنوات، حتى قيام بعض رؤساء البلديات، بمنع الناس (السوريين) من الحركة، ومنعهم من التجول ليلاً، وفرض الممنوعات حتى على مَن لديه اذن عمل”.
مُضيفاً: “اليوم، يوجد جزء من الجيش اللبناني لا يتلقى أوامره من وزارة الدفاع ولا الحكومة اللبنانية، بل يتلقى أوامره من المرجعية الدينية الخاصة به، وأقصد جماعة ميشيل عون وجماعة حزب الله”، مُوضحاً: “هؤلاء مَن يضيقون على السوريين، بالإضافة الى من يتبع النهج الإيراني في لبنان، وكلنا نعلم أنه لا توجد دولة ولا يوجد قرار ولا حكم أو التزام في لبنان، وبالتالي ليس لديهم مُشكلة في مُخالفة شرعة القانون الدولي، أو أن يخالفوا قوانين الأمم المتحدة، مُقابل تنفيذ أوامر المرجعية”.
وأعاد الضابط السوري المُنشق عن قوات حكومة دمشق، منذ العام 2012، إبان اندلاع انتفاضة شعبية في سوريا، “غياب الصوت الأممي” عن الانتهاكات بحق اللاجئين السوريين في لبنان، إلى “الفساد أو الاستهتار”، قائلاً: “الأمم المتحدة بمرجعياتها وقوانينها والفساد الذي ينتشر فيها، حيث وجدنا في دمشق مثلاً، أن مُعظم من تتعاقد معهم الأمم المتحدة كمؤسسات أو شركات في موضوع الإغاثة، هم أبناء مسؤولين بالمُخابرات أو بنظام الحكم في سوريا، وكُشفت مُؤخراً صفقات فساد كبيرة جداً، وبالتالي حتى في لبنان، الصوت الاممي غائب أما بسبب الفساد أو الاستهتار، وهذا أمر اعتاد عليه السوريون، ليس في لبنان فقط، بل في كل مكان يوجد فيه السوري مع الاسف الشديد”.
قرار إعدام السوريين ساري المفعول
وبخصوص تعذيب السلطات الأمنية السورية وأفرعها المخابراتية، للاجئين العائدين قسراً، وما يُشير إليه ذلك من استمرار تعامل سلطة دمشق مع السوريين بعقليتها الأمنية المعروفة، أشار “أحمد رحال”: “هذا الموضوع ليس مرحلياً عند نظام الأسد، هذا قرار منذ العام 2011، ضد كل من خرج على نظام الأسد، وكل من طالب بالحرية، وكل من طالب بالكرامة، وكل من طالب بالدولة المدنية، قرار بالإعدام أخذه الأسد حتى لو اضطر إلى إعدام الشعب السوري”.
مستذكراً: “ماهر الأسد قال إنهم استلموا سوريا، وعدد سكانها 7 ملايين، واليوم هم 24 مليوناً، سنعيدهم للعدد 7 ملايين، أي أنه مُستعد لقتل 17 مليوناً، وليس لديهم مشكلة، لا هو ولا بشار الأسد أو أسماء الأسد أو كل الأجهزة الأمنية التي تعمل لديهم، أو المرتزقة الذين جلبوهم من حزب الله، وإيران لزينبيون وفاطميون، إلى تعاونهم المُستمر مع داعش والنصرة، فثقافة القتل مُوجودة لدى اتباعهم، وهي ثقافة الموت”.
لكنه استدرك بالإشارة إلى عاملين أساسيين أيضاً، كان لهما دور باستمرار السلطة بعقليتها الأمينة، “الأولى، ضعف المعارضة وعدم قدرتها على نقل الصور الحقيقية لأصحاب القرار الدولي، والثانية، الإهمال الدولي”، وبيّن “رحال” لـ”تارجيت”: “هل يُعقل بعد 12 عاماً من الثورة السورية، ومئات الآلاف من الوثائق، وعشرات الأطنان من المعلومات، التي أصبحت في عهدة الأوروبيين والأميركيين والأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهناك من يُطبع مع الأسد، ومن يتحدث عن حلّ بوجود الأسد”.
مُستغرباً: “هل هناك جريمة أكثر من ذلك، وهل يحتاج المجتمع الدولي إلى أدلة كي يقول إن بشار الأسد مُجرم، أو تاجر كبتاجون، أو يُهدد الاستقرار في المنطقة، ورغم ذلك ليس هناك أي دعم للسوريين، بل على العكس، يدفعون بالسوريين للعودة، رغم علمهم أن العودة تعني مقتلهم، ليجري إعادتهم من تركيا ومن الأردن ومن لبنان، وحتى بعض الدول الأوروبية، أصبحت تقول إن دمشق آمنة”.
وختم الضابط السوري المُعارض حديثه لـ”تارجيت” بالقول: ” طالما المجتمع الدولي مُتهاون لهذه الدرجة، ولأن من أمن العقاب أساء الأدب، فإن ترحيل السوريين والتضييق عليهم من قبل الحكومة اللبنانية وكل المتولين لأمور اللاجئين السوريين في أكثر من دولة، أمر وارد، بسبب غياب جهة تُحاسب أو تُعاقب، فيما يبدو أن الدم السوري رخيص”.
ليكون معها مصير السوريين المُعادين إلى الداخل السوري من لبنان وغيرها، مجهولاً ومحكوماً بقدرة هؤلاء على الفرار من المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق، التي تُلاحق كل السوريين لأسباب لا يمكن حصرها من السياسة، للتجنيد الإجباري، للاعتقال الكيفي بغية الابتزاز وتحصيل الفدى المالية، نحو مناطق أخرى ضمن الأراضي السورية، قد تشكل لهم فسحة أمل، كتلك الخاضعة لـ”الإدارة الذاتية” في شمال وشرق البلاد، والتي أعلنت عن ترحيبها باستقبال السوريين المُعادين من لبنان، بشكل مُؤقت، حتى الوصول إلى حل سياسي يشمل كل الأراضي السورية.