يواجه اللاجئون السوريون في دول الجوار خاصةً تركيا ولبنان حملات ممنهجة تنفذها السلطات هناك لترحيلهم إلى بلادهم، زادت وتيرتها خلال الأيام القليلة الماضية، وتم ترحيل الكثير منهم سواءً إلى المناطق السورية المحتلة أو تلك الخاضعة لسيطرة قوات حكومة دمشق، وذلك رغم التنديد الواسع من قبل منظمات حقوقية تعتبر أن الظروف في سوريا لا تزال غير ملائمة لعودتهم في ظل استمرار الصراع والمخاوف من تعرضهم للملاحقة والاعتقال والتعذيب.
المرصد السوري لحقوق الإنسان، أكد أن السلطات التركية رحلت ما يزيد على ألف لاجئ سوري إلى المناطق المحتلة بالشمال السوري منذ مطلع تموز/ يوليو الجاري، مشيراً إلى أن المرحلين يتم إجبارهم على توقيع أوراق “عودة طوعية” ويتم إسكانهم في منازل المهجرين قسراً أو بمستوطنات تم إنشاؤها لهذا الغرض سواءً في رأس العين/ سري كانيه أو تل أبيض/ كري سبي أو ريفي إعزاز وعفرين، وغالبيتهم لديهم بطاقة الإقامة التركية أو ما يعرف بـ”الكيملك”، تنفيذاً للخطة التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب أردوغان العام الماضي، القاضية بترحيل أكثر من مليون لاجئ سوري وتوطينهم في منازل المهجرين والمستوطنات التي تم بناءها في المنطقة، بدعم من “جمعيات” كويتية وقطرية وفلسطينية.
ترحيل، يتزامن مع موجة هجرية طوعية لسوريين من تركيا نحو الدول الأوروبية ومصر وإقليم كردستان، كشف عنها تقرير لصحيفة “القدس العربي”، قال نقلاً عن صحفي سوري مقيم بإسطنبول، إن بعض أصحاب رؤوس الأموال والأعمال السوريين بدأوا ببيع ممتلكاتهم ومغادرة تركيا بعد تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية ضدهم، مضيفاً أن تحالفات أردوغان السياسية بعد فوزه مع أحزاب قومية فرضت تشديداً أكبر على اللاجئين السوريين، في حين أكد ناشط في قضايا اللجوء السوري أن هجرة السوريين من تركيا بدأت بالفعل في ظل الخطاب الرسمي وممارسة السلطات بحقهم سياسة التضييق والملاحقة الأمنية في الطرقات والمحال التجارية والمنازل.
مساع تركية للتمدد في الأراضي السورية
وتقول الأكاديمية وعضوة اللجنة الدستورية السورية الدكتورة سميرة مبيض في هذا السياق خلال حديث لمنصة تارجيت: “إن كافة المواقف المتعلقة بترحيل اللاجئين السوريين تعتبر مُترابطة لكونها تتبنى فرضية انتصار “منظومة بشار الأسد” وتسعى لإعادة الأمور الى ما قبل عام ٢٠١١ أو لاستغلال التغيرات التي جرت على الأراضي السورية لصالح توسعها، وتلك مساعي مُستحيلة الحدوث على أية حال بحكم أن مسار التغيير في سوريا قد انطلق فعلياً وأي مقايضات سياسية لصالح بقاء السلطة الحالية ليست ذو جدوى.
وتضيف الدكتورة سميرة مبيض، ” أن محاولات الحكومة التركية للدفع باللاجئين السوريين لمناطق شمال غربي سوريا تعتبر جزءاً من مساعيها للتمدد ضمن الأراضي السورية لقاء مقايضة استمرارية المنظومة السلطوية الحالية وتفعيل اتفاقيات غير مشروعة أبرمتها أو قد تبرمها مع بشار الأسد وتتعلق بتخليه عن حقوق السوريين في الأقاليم الشمالية لقاء تجميد تركيا لأي حراك سياسي أو مدني فاعل يهدف لتحقيق التغيير الجذري في النظام السياسي في سوريا لدعم بناء الدولة السورية الحديثة”، مشيرةً إلى أن هذه المحاولات “تعتبر تهديداً مباشراً لحياة السوريين بحكم أن هذه المناطق تخضع لفصائل وتشكيلات سياسية تابعة للحكومة التركية والتي لا تتوانى عن اضطهاد وانتهاك حقوق السوريين المُطالبين باستقلال البلاد وحفظ أمن المدنيين وضمان الشروط المناسبة لحياتهم”.
تغيير ديمغرافي ممنهج
حملات الترحيل الممنهجة التي تنفذها السلطات التركية خلال هذه الفترة، تسلط الضوء على قضية غاية في الخطورة يجري العمل عليها في الشمال السوري، تتمثل في تغيير ديمغرافي ممنهج تنفذه تركيا والفصائل التابعة لها، عبر تهجير السكان الأصليين وتوطين سوريين من مناطق أخرى فيها يجري ترحيلهم من تركيا، حيث توثق منظمات حقوقية انخفاض نسبة الكرد بمنطقة عفرين من أكثر من تسعين بالمئة قبل الاحتلال إلى نحو ثلاثين بالمئة بعد ألفين وثمانية عشر.
وتأتي عمليات الترحيل، رغم عدم إحراز تقدم يذكر في مسار التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق، حيث أن هذا الملف كان من أبرز الملفات الحاضرة في المسار، إذ تصر السلطات التركية على المضي فيه واعتباره إلى جانب بعض الملفات الأخرى بينها ما تسميه “محاربة الإرهاب”، خطوات متقدمة يجب تحقيقها، في حين تطالب دمشق بجدولة الانسحاب التركي من الأراضي السورية ووقف دعم أنقرة للفصائل المسلحة قبل المضي في الخطوات الأخرى، ما يطرح تساؤلات حول صفقات واتفاقات سرية تم التوصل إليها بين الأطراف الفاعلة بالأزمة السورية، يدفع ثمنها المدنيون.
خطة حكومية لبنانية لترحيل السوريين
وعلى الجانب اللبناني، ورغم تنحي وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عبدالله بوحبيب عن رئاسة اللجنة المكلفة ببحث ملف ترحيل اللاجئين السوريين مع حكومة دمشق، أعلنت الحكومة اللبنانية مضيها في خطة الترحيل وأنها ستتم على مراحل بالتنسيق مع دمشق، وذلك رغم تصويت البرلمان الأوروبي قبل أيام بأغلبية ساحقة لصالح قرار يدعم إبقاء اللاجئين السوريين في لبنان، واعتبار عمليات ترحيلهم غير قانونية وأن الظروف في بلادهم غير مواتية للعودة.
وكان وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عصام شرف الدين، قد كشف في تصريحات إعلامية قبل أيام أن الخطوات العملية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ستبدأ قريباً، مبيناً أنه سيتم ترحيل 180 ألف لاجئ إلى مناطق حكومة دمشق كمرحلة أولى، ومن ثم ترحيل 15 ألف لاجئ شهرياً لاحقاً، وذلك رغم تأكيد منظمات حقوقية وجود مخاطر تهدد الكثير من اللاجئين في حال ترحيلهم قسراً، من حيث احتمالية تعرضهم للانتهاكات والملاحقات والسجن من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق.
وبحسب الدكتورة سميرة مبيض، “فإنه فيما يتعلق بالحكومة اللبنانية فالاستخدام الأبرز لقضية اللجوء السوري يهدف لتشتيت الانتباه عما تسببت به المنظومة الحالية من دمار وفشل في كافة مفاصل الدولة اللبنانية، ومن ثم هي مساع لدعم “وهم الانتصار الذي يتبجح به بشار الأسد وداعموه” والتحاق بمساعي التطبيع التي قادتها عدة دول بالمنطقة، ويعتبر موقف الاتحاد الأوروبي بهذا السياق أقرب للواقعية بحكم أن إعادة اللاجئين السوريين دون وجود ظروف آمنة لحياتهم يتضمن حمل مسؤولية ما سيتعرضون له لاحقاً من انتهاكات في المناطق الخاضعة لسيطرة “منظومة الأسد”.
وبموازاة هذه الحملات، أظهر العراق مؤخراً توجهاً في هذا الاتجاه، حيث كشفت مصادر أمنية عراقية أن السلطات سلّمت لحكومة دمشق ثلاثة لاجئين سوريين كرد كانوا معتقلين في العاصمة بغداد منذ أربعة أشهر بحجة مخالفة قوانين الإقامة بالعراق، ما يثير المخاوف من توجه العراق لتنفيذ حملات ممنهجة ضد السوريين على غرار تركيا ولبنان، خاصةً بعد الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى دمشق، واحتمالية عقد صفقات في هذا الشأن.
وتوضح الدكتورة سميرة مبيض، “أنه يبدو جلياً مما سبق أن مسار التغيير الذي انطلق في الشرق الأوسط قائم ويتوجب على السوريين الدفع بتحقيق مصالحهم ضمن هذا المسار بمواجهة التجاذبات الساعية للتغول على أراضيهم ومواردهم والتصدي بقوة وثبات لكل ما يبتعد عن مسار تأسيس دولتهم الحديثة كما تستحقها الأجيال القادمة”.
ملف اللاجئين السوريين هو واحد من بين عدة ملفات تحتاج إلى حل جذري، يتمثل بتأمين عودة آمنة لهم إلى مناطقهم التي هجروا منها سواءً في غوطة دمشق أو درعا أو حمص أو عفرين ورأس العين وتل أبيض وغيرها، وليس السعي لتوطين نازحين في منازل آخرين جرى تهجيرهم عن ديارهم وإحداث تغيير ديمغرافي وتغيير التركيبة السكانية على مستوى مناطق سوريا وكما يحدث في شمال البلاد، إلا أن هذا المسار المطلوب يتطلب البدء بمفاوضات حل سياسي شامل للأزمة ككل وليس تجزئة ملفات الأزمة، كما يؤكد مراقبون للشأن السوري.