ملفات وقضايا عديدة لا تزال تقف عائقاً أمام أي خطوات نحو إيجاد حل للأزمة السورية، على رأسها قضية المفقودين والمغيبين قسرياً خلال الحرب، التي يبقى حلها أحد أبرز المطالب للمضي بمثل هذه الخطوات، وتتصدر أجندات أي اجتماعات أو مؤتمرات تعقد بشأن سوريا، على اعتبار أن هذا الحل يؤمل أن يكون بوابة لحلحلة ملفات أخرى وصولاً لإنهاء الأزمة.
فمنذ إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر حزيران/ مايو الماضي، عن إنشاء مؤسسة لإجلاء مصير المفقودين في سوريا على مدى اثني عشر عاماً من الأزمة، والسؤال الأساسي المطروح هو هل ستنجح هذه المؤسسة في مهامها الموكلة إليها والأهداف التي تأسست من أجلها، في ظل التعقيدات التي يشهدها المشهد السوري من حيث خضوع البلاد لسلطة أكثر من طرف، وتدخل دول وقوى إقليمية ودولية فيه.
حكومة دمشق ترفض وتندد
ورغم الترحيب الواسع بالقرار من قبل أطراف عديدة، إلا أن المخاوف تسود بأوساط السوريين من أن المؤسسة قد لا تنجح في الوصول إلى النتائج المرجوة، على اعتبار أن القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة تفتقد إلى الإلزامية، كما أنهم اختبروا على مدى سنوات الأزمة فشل جميع المبادرات التي طرحت في هذا الشأن وشؤون أخرى تتعلق بضحايا الصراع، ناهيك عن أن حكومة دمشق أعلنت منذ تأسيس المؤسسة رفضها لها، وقال مندوبها الدائم بالأمم المتحدة بسام صباغ إن الخطوة تدخل في الشأن الداخلي السوري وأنها آلية غامضة ولا تورد أي تعريف محدد لمصطلح المفقودين، يضاف إلى ذلك أن إمكانية إفساح المجال أمام عمل المؤسسة بالشمال والشمال الغربي من البلاد محل شك، في ظل سيطرة فصائل المعارضة المسلحة وهيئة تحرير الشام الإرهابية، والتي قد لا تنصاع لأي أوامر ولن تتعاون في هذا الشأن، وذلك رغم ترحيب “الائتلاف السوري” بالقرار ودعوته لربطه بملف الكشف عن المختفين قسرياً الذي ينص عليه القرار الأممي 2254 وبملف المحاسبة”.
عضو الأمانة العامة في المجلس السوري للتغيير المستشار حسن الحريري، قال في تصريحات لتارجيت: ” إنه وبعد أن امتنع النظام السوري عن الاستجابة للعديد من المطالبات الأممية بخصوص الكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرياً، وتجاهل الرد على أي استفسارات بهذا الخصوص ولم ينصاع للقرارات الدولية وآخرها القرار 2254 الذي نص في شق منه على إطلاق سراح المعتقلين كشق إنساني وفوق تفاوضي، من هنا لم يعد أمام الأسرة الدولية خيار سوى اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل استصدار مثل هذا القرار، بعد أن أقفلت أبواب مجلس الأمن الدولي بسبب الفيتو الروسي الصيني”.
الحريري، أضاف: “أنه أصبح واضحاً أن النظام لا يريد ولا ينوي التعاون مع الأسرة الدولية كونه متمرد على قرارات وقوانين هذه الأسرة ومتمترس بالقوة العسكرية والسياسية التي أمنتها له الدول الداعمة مثل روسيا والصين وإيران، ومن هنا كان خيار اللجوء للجمعية العامة”.
نجاح المؤسسة مرتبط بتعاون الأطراف
بدوره، يقول رئيس منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بسام الأحمد في تصريح تارجيت: “إن هذه الآلية ليست مرتبطة بالنظام فقط أي عند الحديث عن التعاون نتحدث عن تعاون جميع أطراف النزاع سواءً التي لها علاقة مع النظام الذي هو المسؤول عن العدد الأكبر من عمليات الاختفاء والفقد، أو أطراف أخرى هي قوى أمر واقع سواءً في شمال غرب أو شمال شرق البلاد، فالآلية المشكلة تشمل جميع المفقودين في كامل الجغرافيا السورية”
وأضاف الأحمد: “أنه يعتقد أن الآلية ستنجح إلا أن هذا النجاح سيكون محدود في حال عدم توفر الرغبة السياسية لدى الحكومة السورية أو الأطراف الأخرى، حيث من الممكن أن يتم التصارع فقط مثلاً على موضوع بناء قاعدة معلومات وكشف مصير بعض الأشخاص بناءً على تقاطع معلومات وشهادات معينة، لكن دون القدرة على الوصول إلى المقابر الجماعية، مشيراً إلى أن النجاح سيكون أكبر في حال كان هناك تواصل وتعاون من قبل أطراف النزاع السوري وهو الأمر الغير موجود حالياً”.
قرار إنشاء المؤسسة يأتي نتيجة ضغوط مكثفة مارستها عائلات المفقودين، إلى جانب منظمات حقوقية ومجتمع مدني لفتح هذا الملف والكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرا في سوريا، وجاء بالتزامن مع إعادة عدد من الدول العربية علاقاتها مع حكومة دمشق، التي توثق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مسؤوليتها عن نحو 86 بالمئة من المفقودين والمختفين في البلاد، ويبقى تعاونها مع المؤسسة أو فتح سجونها أمامها محل شك كبير خاصةً وأن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير إلزامية.
عضو المجلس الرئاسي في مجلس سوريا الديمقراطية إبراهيم الثلاج من جانبه، قال لـ”تارجيت”: “إنه عندما تكون هناك جهة تبدأ البحث في ملف المفقودين والمختفين والمغيبين في سوريا، فهذا الأمر محل ترحيب من قبل السوريين، لأنه يسلط الضوء على جزء مهم من المشكلة السورية تحول إلى ملف مأساوي، حيث أن هناك آلاف العوائل السورية تبحث وتنتظر الكشف عن مصير مفقوديها”، مضيفاً أن الأزمة السورية المستمرة منذ 2011 وما تخللها من دمار وصراع أفرزت الكثير من التبعات السلبية من قتل وتهجير واعتقال وتعذيب، كلها تحتاج إلى حل وتسليط الضوء عليها”.
يذكر، أنه تقدر منظمات حقوقية عدد المفقودين والمختفين قسرياً في سوريا منذ اندلاع الأزمة في آذار/ مارس عام ألفين وأحد عشر، بنحو مئة واثني عشر ألف شخص، بينهم أكثر من ثلاثة آلاف طفل وأكثر من ستة آلاف وستمئة امرأة، حيث تتهم قوات حكومة دمشق بالمسؤولية عن الغالبية العظمى منهم، إلى جانب الفصائل التابعة لتركيا في الشمال.