وسط صمت دولي.. تركيا تواصل بناء المستوطنات بالشمال السوري

الانتهاكات التركية في المناطق المحتلة بالشمال السوري مسلسل تطول حلقاته بما في ذلك الاختطاف وتهجير السكان الأصليين وبناء المستوطنات لتوطين عوائل من مناطق سورية أخرى وعوائل عناصر الفصائل التابعة لتركيا، وما يتخلل ذلك من تغيير التركيبة السكانية وتغيير ديمغرافية المنطقة والسيطرة على الأراضي واقتلاع الأشجار المثمرة والمعمرة.

آخر فصول الاستيطان، مستوطنة جديدة في ريف عفرين شمال غربي البلاد، بدأ الاحتلال بناءها بدعم من “جمعيات خيرية” تتبع لجماعة الإخوان، في قرية “ماتينا” التابعة لناحية شرا، بعد قطع المئات من أشجار الزيتون، وفق ما أكدت مصادر محلية التي قالت إن المستوطنة الجديدة تتضمن مئة وخمسين منزلاً، من المتوقع أن يتم إسكان عوائل العناصر التابعة لتركيا فيها.

يأتي ذلك بعد أقل من أسبوع على بدء الاحتلال التركي ببناء ثلاث مستوطنات جديدة في المنطقة الواقعة بين قريتي “كفرومة وقرتقلاق صغير” التابعتين لناحية شران بريف عفرين، بعد اقتلاع المئات من أشجار الزيتون والأشجار الحراجية، وبدعم من “جمعيات” كويتية تعمل تحت ستار العمل الإنساني، بهدف توطين مستوطنين من مناطق أخرى وعوائل عناصر الفصائل فيها، وذلك بعد أيام على بناء مستوطنة في قرية “ترندة” بريف عفرين تضم خمسمئة وحدة سكنية بدعم من “جمعيات” قطرية، بالتزامن مع بدء السلطات التركية عمليات ترحيل قسري لآلاف السوريين إلى المناطق المحتلة بالشمال السوري.

تغيير ديمغرافي

المتحدث باسم منظمة عفرين لحقوق الإنسان إبراهيم شيخو، قال في حديث لمنصة تارجيت: “إن الاحتلال التركي يواصل سياساته في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية عبر ممارسة المزيد من الانتهاكات وخاصةً في مجال التغيير الديمغرافي، حيث رأينا في الآونة الأخيرة أن المستوطنين وعوائل المسلحين بمساعدة سلطات الاحتلال التركي ودعم منظمات خليجية خاصةً كويتية وقطرية بدأوا بناء مستوطنة أخرى في قرية “متينة” التابعة لناحية شران على أنقاض المقبرة القديمة دون مراعاة حرمة الموتى وشعور ذويهم وبناء حمامات في هذه المناطق وبلغ عدد المنازل هناك أكثر من 125 منزلاً، وقبل ذلك تم التحضير لمستوطنتين في قرية “كفرومة” وبالتالي تحولت عفرين لمكان لبناء المستوطنات على غرار المستوطنات التي تبنيها السلطات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، لكن للأسف الفلسطينيين أنفسهم يشاركون سلطات الاحتلال التركي بهذه الممارسات”.

وكان “المجلس المحلي” التابع لتركيا بعفرين، قد أعلن في أيار/ مايو الماضي، افتتاح مستوطنة جديدة تحت اسم “الأمل2” قرب مركز مدينة عفرين، تضم خمسمئة وحدة سكنية بدعم وتمويل من “الهيئة العالمية للإغاثة والتنمية”، قبل أن تعلن تركيا في حزيران/ يونيو الماضي، افتتاح مستوطنة بريف جرابلس شرقي حلب، بدعم من “جمعيات” قطرية وفلسطينية.

ارتباط الاستيطان بالترحيل القسري للاجئين

وتتزامن عمليات بناء المستوطنات بالشمال السوري التي بلغ عددها نحو ثلاثين منذ احتلال عفرين عام ألفين وثمانية عشر، مع عمليات الترحيل المتزايدة ضد اللاجئين السوريين من تركيا، تنفيذاً لخطة أعلن عنها الرئيس التركي رجب أردوغان العام الماضي، تتضمن ترحيل مليون لاجئ سوري وتوطينهم بالمناطق المحتلة، ما يسلط الضوء مجدداً على خطط التغيير الديمغرافي التي تستهدف المنطقة، والتي بدأت معالمها تظهر بشكل جلي مع انخفاض نسبة الكرد من أكثر من تسعين بالمئة في منطقة عفرين قبل الاحتلال إلى نحو ثلاثين بالمئة بعد احتلالها، وما يتبع هذه السياسة من انتهاكات بحق السكان الأصليين.

سياسة اختطاف ممنهجة

بناء المستوطنات بعفرين، يوازيه استمرار سياسة اختطاف المدنيين من السكان الأصليين هناك من قبل الفصائل التابعة لتركيا، والتي تقول منظمات حقوقية وناشطون إنها تندرج في إطار مخططات تغيير التركيبة السكانية أيضاً، التي باتت هدفاً واضحاً لتركيا عبر عنه مسؤوليها مراراً عبر التمسك بما يعرف بـ”الميثاق الملي” وما يسمونه بالمناطق التركمانية في سوريا والعراق، بموازاة محاولة التخلص من اللاجئين السوريين الذين باتوا يشكلون عبئاً على تركيا في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعانيها، وتحميل الأتراك لهم الجزء الأكبر من المسؤولية عن هذه الأزمة.

ويضيف شيخو: “إن سياسات الاختطاف والاعتقال للقاصرين والأطفال وجرائم الاغتصاب وغيرها من ممارسات يندى له جبين الإنسانية مستمرة، أبرزها اغتصاب فتاة بعمر ثلاثة عشر عاماً بقرية “جويق” على يد مسلح في فصيل “الحمزات” أصبح لاحقاً مسلحاً في فصيل “الزنكي”، مشيراً إلى أنه تم تسجيل أكثر من 136 حالة انتحار في منطقة عفرين خلال عام ونصف، ما يؤشر على تزايد وتيرة الانتهاكات التي تنذر بتصاعد أكثر ولا نية لسلطات الاحتلال التركي بوضع حد لها، واستخدام هذه السياسة لتحقيق التغيير الديمغرافي وتهجير السكان الأصليين وتوطين العرب والتركمان والفلسطينيين مكانهم وتغيير التركيبة السكانية حيث تحول الكرد من أكثرية هناك إلى أقلية لا صوت لهم، وإنه في حال استمرار الحال على ما هو عليه فهذا ينذر بتحويل عفرين إلى  منطقة أخرى غرار لواء إسكندرون وغيرها من المناطق التي تم احتلالها ومسح الهوية الكردية لهذه المنطقة”.

وتقول تقارير حقوقية، إنه إلى جانب الأسباب آنفة الذكر، فإن الفصائل التابعة لتركيا تتخذ من سياسة اختطاف المدنيين وسيلة للكسب المادي، عبر الحصول على فدى مالية بآلاف الدولارات من ذوي المختطفين لقاء الإفراج عنهم، واختراع التهم والحجج بشكل متكرر لاختطاف المزيد، حيث كشف مختطفون تم الإفراج عنهم أن الأمر أشبه بعمليات الإتجار بالبشر، حيث توجد شبكات مرتبطة ببعضها تتبع لتلك الفصائل، كما وثقت منظمة عفرين لحقوق الإنسان منذ عام ألفين وعشرين مقتل نحو عشرة مختطفين رغم الحصول على الفدى المالية، في حين وثق مركز توثيق الانتهاكات بشمال وشرق سوريا، اختطاف نحو تسعة آلاف مدني منذ بدء الاحتلال التركي بالشمال السوري، أفرج عن قرابة 6635 فيما لا يزال مصير الآخرين مفقوداً، وسط عمليات اقتتال بين الفصائل بين الحين والآخر على السيطرة ومناطق النفوذ.

قد يعجبك ايضا