تشهد محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، الخاضعة لسيطرة تنظيم “هيئة تحرير الشام\جبهة النصرة”، منذ بداية شهر يوليو الجاري، عمليات أمنية، اعتقالات ودهم واسعة للمخيمات، في وقت تعيش فيه البلاد عموما، أوضاعاً مأساوية، عقب أكثر من عقد من الحرب المستعرة.
اعتقال مُحطي هيبة الهيئة!
وفي الصدد، أشار ناشطون في إدلب، بتاريخ الثاني من يوليو، إلى شن الهيئة لحملة دهم واعتقالات ضد سكان في مدينة أريحا جنوبي إدلب، على خلفية عبارات جدارية وورقية مناهضة للهيئة وقائدها أبو محمد الجولاني، ووفق مصادر صحفية، فإن الحملة تمت بإشراف أبو ماريا القحطاني مسؤول الأمنية في الهيئة، وذلك بتهمة ضرب الأمن الداخلي والحط من هيبة الهيئة، وهي تهمة مُشابهة لأخرى، كانت تستخدمها السلطة في دمشق، للنيل من معارضيها، تحت مسمى آخر هو “وهن نفسية الأمة”.
ويبدو أن التضعضع في إدلب، يعود في جزء منه إلى تردي الوضع المعيشي مع تهاوي الليرة التركية، بالتوازي مع الاعتقالات التعسفية والقبضة الأمنية.
وعاد جهاز الأمن العام التابع للهيئة في الخامس من يوليو، ليشن حملة دهم واعتقالات، شملت 6 أشخاص، في مخيم الرحمة قرب بلدة دير حسان، بينهم قاصر بعمر الـ 15 عاماً، بتهمة تهديد الأمن المحلي والتحريض، كما داهم عناصر الهيئة في الحادي عشر من يوليو، مخيم كللي بريف إدلب الشمالي واعتقلت نحو 29 شخصاً من بينهم 10 سيدات، بتهمة التحريض ضد الهيئة عبر المظاهرات والاحتجاجات المناهضة، حيث منعت الهيئة بداية خروج السكان من المخيم لمدة ساعتين، ومن ثم شنت حملة الاعتقالات.
استهدافات داخل ادلب
إلا أن الجبهة الداخلية التي يسعى الجولاني إلى الحفاظ عليها، لا يبدو أنها ستبقى كذلك، مع حصول عمليات استهداف نجحت وأخرى فشلت، ضد متزعمي الهيئة، حيث قُتل في الرابع عشر من يوليو الجاري، “إبراهيم محمود العلي”، الملقب “أبو صهيب سرمدا”، وهو من أبرز مسؤولي الأمن في الهيئة، برصاص مجهولين وضعوا بجانب جثته راية كتب عليها” سرايا درع الثورة”، وهي تظهر للمرة الأولى، ولم يسبق أن شوهدت من قبل.
وفي اليوم التالي، أي في الخامس عشر من يوليو، أصيب “أبو جابر الديري”، مسؤول الدوريات الأمنية في الهيئة، بمنطقة جسر الشغور غرب ادلب، برصاص مجهولين، حيث تم استهدافه برشاشات متوسطة أثناء مروره بعربته العسكرية، ما ادى لإصابته بجروح متفاوتة.
وتعقيباً على الأحداث الأخيرة في إدلب، وإمكانية اعتبارها بدايةً للانتفاضة على الجولاني، قال المُعارض السوري كمال اللبواني، في تصريح خاص لـ”منصة تارجيت”: “لا أتوقع قيام انتفاضة ضد الجولاني في الوقت القريب، القمع الفظيع، والتحكم بالبشر ورجال الدين عوامل فعالة، كما أن أوضاع بقية المناطق أسوأ من مناطق حكومة الإنقاذ”.
وبخصوص ما إذ كانت ستتمكن النصرة عبر الاعتقالات من كبح المظاهرات المناهضة لها وكم أفواه المعارضين لسياستها، أجاب المعارض السوري بكلمة “نعم”، ولفت اللبواني إلى أن الهيئة “لديها قدرات قمعية غير محدودة، ومستعدة لارتكاب كل أنواع الجرائم مثل نظام الأسد وداعش”.
إعادة السوريين للعبودية
وحول حوادث تعرض المسؤولين العسكريين في “هيئة تحرير الشام” لرصاص “سرايا درع الثورة”، ومَن من الممكن أن يكون ورائها، “قلل” اللبواني من أهمية ذلك، واعتبر أنها “عمليات ثأر وانتقام على أساس عصبوي أو عشائري، وليست مقاومة سياسية منظمة”، كما فند وجود رابط بين التظاهرات في إدلب، والمجموعة التي نفذت الاغتيال والاستهداف بالقول: “لا رابط بينها، فالتظاهر السلمي المحدود يختلف جذرياً عن العمل العسكري السري”.
وأخيراً، حيال إمكانية أن تسلم الهيئة المناطق الخاضعة لها في إدلب لحكومة دمشق، خاصة في ظل محاولات التطبيع بين دمشق وأنقرة، لم يستبعد المعارض السوري كمال اللبواني ذلك الاحتمال، قائلاً: “النصرة منظمة وظيفية تقوم بالدور المرسوم لها، وقياداتها عملية للكثير من استخبارات الدول، سلوكها محكوم بالدول النافذة فيها، والصراعات الداخلية فيها هي صراعات بين الدول”، مُستدركاً: “أقصد عملاء الدول يعبرون عن صراعات مشغليهم”.
مُستخلصاً نتيجة في نهاية حديثه لـ”تارجيت” بالقول: “النصرة والائتلاف وهيئة التفاوض والحكومات والجيش الوطني، كلهم أدوات للسيطرة على الشعب السوري وإعادته لحظيرة العبودية”.
ورغم أن احتمالات تمكن “هيئة تحرير الشام” من قمع الأصوات المُعارضة، أكبر من احتمالات أن تستطيع حناجر المتظاهرين صنع التغيير في إدلب، لكن المفاجآت التي عايشها السوريين خلال سنوات الحرب، جعلتهم يدركون أن كثيراً من الوقائع التي اعتبروها يوماً راسخة، تبددت واندثرت، عندما اجتمعت مصالح القوى العالمية المتدخلة في الصراع السوري، وهو ما يبدو أن السلطة الراهنة في إدلب، ستلاقيه في نهاية المطاف.