أكدت مصادر مطلعة لمنصة “تارجيت” الإعلامية أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سيتوجه إلى تركيا قبل نهاية يوليو الجاري لعقد لقاء قمة مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في إطار الخطوات المتواصلة لتطبيع العلاقات بين البلدين والتي انقطعت لنحو 10 سنوات بعد أن طردت “القاهرة” عام 2013 السفير التركي، رفضاً لتدخلات “أردوغان” في الشأن المصري ودعمه جماعة الإخوان التي صُنفت لاحقاً جماعة إرهابية في مصر.
وبحسب المصادر، فإن الزيارة تأتي بناء على دعوة من الرئيس التركي لنظيره المصري، وستكون يوم 27 يوليو الجاري في إطار جولة خارجية لـ”السيسي” الذي سيشارك في اجتماع روسي أفريقي بمدينة سان بطرسبورج الروسية ثم يتوجه بعدها إلى تركيا كأول قمة بين الرئيسين بشكل رسمي.
دبلوماسية القمة
في هذا السياق، يقول الدكتور بشير عبدالفتاح الخبير في العلاقات الدولية، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن زيارة الرئيس المصري إلى تركيا المرتقبة تأتي في سياق المساعي المتبادلة من قبل القاهرة وأنقرة لاستكمال تطبيع العلاقات بين البلدين، وقد تم من قبل اتخاذ خطوات على مستوى السفراء ووزراء الخارجية، ولكن تبقى دبلوماسية القمة أي لقاء الرئيسين السيسي وأردوغان كقمة رسمية للمرة الأولى.
وأوضح “عبدالفتاح” أن بداية لقاءات القمة جاءت من الرئيس عبدالفتاح السيسي بزيارته إلى تركيا وهذا يخضع لتقديرات فنية وسياسية وترتيبات بين البلدين، معرباً عن اعتقاده بأن تلك الزيارة ستوصف بالتاريخية، لأنها ستضع نهاية لجفاء مصري – تركي دام عشر سنوات، وتدشن لحقبة جديدة في العلاقات بين البلدين تقوم على التعاون في مختلف المناحي والمجالات على نحو سيجعلها بعد الزيارة تختلف عن ذي قبل على كافة الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاستراتيجية.
ويرى الخبير في الشأن التركي أن تلك الزيارة والتقارب المصري التركي سينعكس على الملفات الخلافية بين البلدين مثل الأزمتين السورية والليبية، ويُتوقع اتخاذ خطوات لحلحلة تلك الملفات وتقريب وجهات النظر؛ لأنه قبل ذلك لم تكن هناك علاقات بين البلدين باعتبارهما في حالة خصومة، وبالتالي الآن كل قنوات الحوار باتت مفتوحة، ومن ثمَ هناك إمكانية للتناقش والتفاوض والتوصل إلى نقاط وسط وتقريب وجهات النظر في مختلف الملفات العالقة.
وقد التقى الرئيسان المصري والتركي من قبل على هامش حفل افتتح بطولة كأس العالم 2022 في قطر وتصافحا وذلك للمرة الأولى منذ انتخاب السيسي رئيساً لمصر عام 2014، ثم جرت بينهما لاحقاً اتصالات هاتفية عقب أحداث الزلزال المدمرة التي ضربت تركيا وكذلك سوريا في فبراير، كما قدم الرئيس المصري التهنئة لـ”أردوغان” عقب فوزه بانتخابات الرئاسة التي جرت في مايو المنصرم.
تعديل اتفاقية أضنة
ويأتي تطبيع العلاقات المصرية – التركية في وقت يدور الحديث عن إمكانية تعديل اتفاقية أضنة وهي اتفاقية أمنية أبرمت في أكتوبر عام 1998 بين دمشق وأنقرة عبر الوساطة المصرية، والتي تتيح للقوات التركية التوغل داخل الأراضي السورية على مسافة 5 كيلومترات في إطار مزاعمها بوجود تهديدات أمنية تلصقها بالكرد.
وترغب “أنقرة” – مستغلة الوضع السوري المهترئ – في تعديل تلك الاتفاقية، بحيث يتاح لها إمكانية التوغل في العمق السوري لنحو 30 كيلومتر، وفق كثير من التقارير الغربية، في إطار المناقشات التي تدور لتطبيع العلاقات بين حكومة دمشق ونظام “أردوغان”، وقد نوقش هذا الأمر خلال اجتماع أستانا الأخير.
بدوره، يقول الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الأزمة السورية ستكون حاضرة في هذه الزيارة، وخصوصاً أن مصر بدأت تدلي بدلوها ويكون لها أفكاراً من الناحية السياسية بشأن الأزمة، كما أن تركيا أحد الأطراف الفاعلة في الأزمة، ولهذا ستكون هناك مناقشات لهذا الملف.
وتحدث “إسماعيل”، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، عن إمكانية أن تلعب مصر مجدداً دوراً في تعديل اتفاقية أضنة المبرمة بين دمشق وأنقرة، وقال إن الأمر يعتمد على مدى قابلية وجود مصر كوسيط في الموضوع وقبول تركيا أن يكون لـ”القاهرة” دور في هذا الأمر، معرباً عن اعتقاده أن القاهرة يمكنها أن تلعب بالفعل هذا الدور ولكن مستقبلاً، وليس بالتأكيد خلال زيارة الرئيس المصري المقبلة إلى “أنقرة”.
جذور الخلاف المصري التركي
وعقب إطاحة الجيش المصري بقيادة السيسي بجماعة الإخوان الموالية لتركيا من الحكم مدعوماً باحتجاجات شعبية واسعة فيما عُرف بـ”ثورة 30 يونيو”، شن الرئيس التركي هجوماً ضارياً، وقاد حملة دولية ضد الإدارة الجديدة وقتها في القاهرة عام 2013 بداعي الانقلاب على الحكومة الشرعية، كما استضاف النظام التركي العناصر الهاربة من أعضاء الجماعة وحلفائها ووفر لهم الملاذ الآمن، فضلاً عن المنابر الإعلامية التي كانت تهاجم النظام المصري ليلاً ونهاراً.
وأمام تلك التدخلات قررت مصر طرد السفير التركي وقطع العلاقات الدبلوماسية مع أنقرة، وقد انعكس هذا الوضع على الأوضاع في كثير من الأزمات وخصوصاً سوريا وليبيا، وقد قاومت “القاهرة” بشراسة التدخلات التركية في البلدين وكذلك في العراق، والتي ترى أنها تشكل تهديداً كبيراً ليس للأمن القومي المصري فقط بل الأمن القومي العربي ككل، معربة مراراً وتكراراً عن رفضها الأجندة التركية التوسعية القائمة على دعم الجماعات الإرهابية.
لكن في إطار إعادة ترتيب خريطة التفاعلات في منطقة الشرق الأوسط، أتى التقارب بين البلدين بعد أن قامت تركيا بعدة إجراءات منها وقف بعض المنابر الإعلامية الإخوانية التي كانت تبث من أراضيها، وطرد بعض أعضاء الجماعة، وسط توقعات بأن يتم طرد مزيد من هؤلاء وربما تسليم بعضهم إلى القاهرة، خصوصاً وأن كثيراً منهم مطلوب في قضايا تتعلق بالإرهاب.
هندسة الإقليم
ويرى الدكتور أيمن سمير الخبير في العلاقات الدولية أن زيارة الرئيس المصري إلى تركيا تأتي في إطار الهندسة الإقليمية الجديدة بالشرق الأوسط، التي تقوم على فكرة تهدئة الصراعات في المنطقة واستعادة العلاقات بين الدول الفاعلة والإقليمية، مدللاً على ذلك باتفاق 25 مارس الماضي الذي أعاد العلاقات بين السعودية وإيران، وهذا الأمر سينعكس على مجمل العلاقات بين دول المنطقة بما في ذلك مصر وتركيا ومستقبلاً بين سوريا وتركيا.
وأكد “سمير”، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن الزيارة توفر فرصة وبيئة جدية لحل الخلافات والملفات العالقة بين البلدين، فعلى مدار العامين الماضيين كانت تلك الملفات يتم التعامل معها بالتتالي، فالبداية كانت في حل الخلافات البينية التي تخص العلاقات المباشرة وصولاً إلى عودة السفراء.
وأضاف أن مصر وتركيا يسيران وفق منهج التوازي في حل الخلافات؛ أي أن إعادة العلاقات بين البلدين والوصول إلى مستوى عقد لقاءات قمة من شأنه توفير بيئة لحل القضايا المختلفة والتي كانت مؤجلة مؤقتاً، مثل الأوضاع في ليبيا وسوريا والعراق ووضع جماعة الإخوان، وبالتالي كل هذه الملفات يمكن حلها في إطار المساحة المشتركة التي تم خلقها من تطبيع العلاقات بين الدولتين.
جدير بالذكر أنه رغم الخلافات الكبيرة التي كانت بين مصر وتركيا إلا أن الجانب الاقتصادي لم يتأثر بها، حيث نمت معدلات التبادل التجاري بين البلدين ووصلت إلى مستويات قياسية على مدار السنوات الماضية، وهناك من يرى أن انتهاء كثير من الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين كان دافعاً رئيسياً للنظام التركي لفتح قنوات اتصال وصولاً إلى التطبيع مع القاهرة لتجديد تلك الاتفاقيات، في ظل المشكلات الكثيرة التي تواجه الاقتصاد التركي.