لم تمض سوى أيام قليلة على ما كشفت عنه وثائق لجنة المسائلة الدولية بشأن مبادرة نظام بشار الأسد لتشكيل مجموعات الشبيحة، حتى خرج تقرير لجنة التحقيق المستقلة المشكلة من قبل الأمم المتحدة والذي جاء ليفضح كيف تفننت حكومة دمشق في تعذيب كل من تراهم معارضين بهدف افتكاك الاعترافات منهم سواء بالتهم الملصقة لهم أو ما قد يرون أنها معلومات ضرورية.
وجاء إصدار التقرير على خلفية اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، حيث يغطي التقرير الفترة من يناير 2020 وحتى أبريل 2023، وقد وثق تقرير اللجنة دورب العذيب المختلفة، إلى جانب الاختفاء القسري معتمداً على 254 مقابلة بينها نحو 200 ممن تم تعذيبهم بالفعل أو كانوا شهوداً على أعمال تعذيب، إلى جانب أكثر من 40 مقابلة أخرى مع عاملين في المجال الطبي وأشخاص نجوا من التعذيب وعائلات بعض المحتجزين في سجون حكومة دمشق.
“الشبح” و”الدولاب”
وذكر تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة أن الاحتجاز كان يتم في مرافق تابعة للحكومة السورية، وكان يتم عزل المحتجزين لفترات طويلة عن العالم الخارجي بشكل تام، إذ أنه لا يسمح لهم بالتواصل مع أي من ذويهم، وهناك يتعرضون لدروب مختلفة من التعذيب والترهيب وسوء المعاملة لإجبارهم على الإدلاء بالاعترافات التي تريدها قوات الحكومة.
ومن بين ما رصده التقرير من وسائل للتعذيب، أن يتم تعليق الشخص من أحد أطرافه ولمدة طويلة وهذه الطريقة وفق روايات الشهود كان يطلق عليها “الشبح”، وكان هناك أسلوب آخر للتعذيب يسمى “الدولاب” حيث يتم طي الشخص ووضعه في أحد إطارات السيارات ولفترات طويلة.
وإلى جانب أسلوبي “الشبح والدولاب” كان الشخص يتعرض للضرب المبرح والذي كانت تستخدم فيه العصي وخراطيم المياه وأسلاك كهربائية وأدوات أخرى، وقد يتعرض الشخص للضرب فقط أو الضرب مع التعذيب بالشبح والدولاب، إلى جانب الصعق بالكهرباء والحرق في أجزاء مختلفة من الجسد والتعرض لاعتداءات جنسية، فضلا عن ضرب الأعضاء التناسلية.
يكشف التقرير كذلك عن تعرض المحتجزين لمعاملات غير إنسانية أخرى منها إدخالهم في زنازين مكتظة بأعداد كبيرة من المحتجزين، إلى جانب نقص مياه الشرب والطعام والقصور التام في أوجه الرعاية الصحية أو غيابها وعدم تقديم الخدمات الطبية والأدوية رغم انتشار الأمراض، الأمر الذي تسبب في حالات وفاة بين كثير من المحتجزين.
وفي إطار استعراضه للتعذيب الذي تقوم به سلطات دمشق، يركز التقرير على مديريات المخابرات الأربع الرئيسية التي يتم الإبلاغ عن التعذيب وسوء المعاملة في مرافق الاحتجاز بها وهي المخابرات العسكرية، ومخابرات القوات الجوية، والأمن السياسي، والمخابرات العامة، بالإضافة إلى إدارة الأمن الجنائي بالشرطة والسجون العسكرية.
ولكل من مديريات المخابرات الحكومية الأربع مقر في دمشق يتألف من عدة فروع مركزية وتدير فروعاً في جميع أنحاء البلاد، ويحتجزون معاً آلاف المعتقلين في حجزهم. ويسلط هذا التقرير الضوء على الانتهاكات في مراكز الاحتجاز على وجه الخصوص، بما في ذلك فرع المخابرات العسكرية 235 (المعروف أيضًا باسم فرع فلسطين) و261 في حمص و271 في خان شيخون بإدلب.
أيضاً التعذيب في فروع المخابرات الجوية في مطارات حرستا وحلب والمزة والكويرس، وفروع الأمن السياسي في الفاهية ودمشق وحمص، وفروع المخابرات العامة في حلب وخان شيخون في إدلب، وفرع الأمن الجنائي بحمص، والسجون العسكرية في صيدنايا وبلوني.
دور المجموعات المسلحة
ولا يزال التعذيب وسوء المعاملة من القضايا الخطيرة التي تثير القلق في أجزاء من سوريا تخضع لسيطرة الجماعات المسلحة غير الحكومية، لا سيما أولئك الذين يُعتقد أنهم يعارضون المجموعة المسيطرة على السلطة، كما أن أشكال التعذيب وأنماط الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري من قبل تلك الجماعات تشبه أيضاً تلك التي تمارسها حكومة دمشق.
ويوثق التقرير التعذيب والمعاملة السيئة من قبل ثلاث مجموعات مسلحة غير تابعة للدولة تسيطر على الأراضي وتحتجز المعتقلين والسجناء، وهي هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري، وفيما يتعلق بهيئة تحرير الشام، فإن المنشآت التي تم توثيق الانتهاكات فيها منذ عام 2020 تشمل مركزي احتجاز سرمدا وحريم، الفروع 107 و 77، بالإضافة إلى الفرع 33 في إدلب ومركز احتجاز ورد أنه ملحق بمحكمة في سرمدا.
وتشمل منشآت الجيش الوطني التي تم توثيق مثل هذه الانتهاكات فيها منذ عام 2020 سجوناً ومنشآت مؤقتة تديرها فصائل فردية من الجيش الوطني بما في ذلك سليمان شاه وحمزة والسلطان مراد وأحرار الشام وأحرار الشرقية وفيلق الشام ومحمد الفاتح، فضلاً عن المرافق التي يديرها الجيش والشرطة المدنية في الجيش الوطني.
المرأة والعائدون من الخارج
وأشار التقرير كذلك إلى سواء المعاملة التي يتعرض لها السوريين الذين يعودون من الخارج، ويعد هذا خطر مثير للقلق بشكل خاص؛ نظراً للضغط المتزايد على اللاجئين وطالبي اللجوء السوريين للعودة من البلدان المجاورة وأماكن أخرى.
وتسعى كثير من الدول إلى إعادة اللاجئين السوريين مرة أخرى إلى بلادهم لا سيما تركيا ولبنان والأردن تحت مزاعم بوجود ضغوط اقتصادية في تلك الدول، إلا أن كثير من المنظمات الدولية وكذلك الدول تحذر من خطورة تلك الخطوة، كونها تحمل مخاطرة بأرواح هؤلاء وإمكانية تعرض كثيرين منهم لأعمال انتقامية، ومن ثم لا بد من حلول للأزمة السورية قبل إعادتهم.
ووجدت اللجنة سابقاً، وفق التقرير، أن عديد من النساء والفتيات تعرضن أيضا لأنواع مختلفة من العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والتهديد بالاغتصاب والتعذيب الجنسي والإساءة والإذلال، وقد اعتقلت سيدة من شمال سوريا عام 2020، واحتجزت في فرع المخابرات الجوية بمطار كويرس العسكري، وسُئلت أثناء التحقيق عن أقاربها – أبناء عمومتها وأعمامها – وطلب منها الاعتراف بدورها، وتعرضت للاعتداء من قبل المحقق والذي كان يلكمها وحاول الاعتداء عليها، حتى فقدت الوعي لتجد نفسها تنزف.
وتقول الضحية إنها لم تعرف ما إذا كانوا قد اعتدوا عليها جنسياً أم إذا كان هذا النزيف نتيجة خوف شديد، وحتى بعد أن دفعت عائلتها آلاف الدولارات وأفرج عنها، ظل المحقق يراسلها ويهددها باغتصابها، ورغم أنها هربت من البلاد بعد ذلك، قالت إنها لا تزال متأثرة بتجربتها نفسياً وجسدياً.
وقالت امرأة أخرى احتُجزت لشهور في فرع المخابرات العسكرية في حمص في 2022-2023 إنه قبل خمسة أيام من إطلاق سراحها، حاول الحارس الاعتداء عليها جنسياً، وقد تم نقلها إلى خارج الزنزانة، معصوبة العينين، ووضع كيس بلاستيكي فوق رأسها، وشعرت أن شخصًا ما “يضايقها” جنسياً ولكن بعد أن قاومت، توقف، وبدلاً من ذلك، ضربها بشدة بكابل في جميع أنحاء جسدها.
وقالت امرأة ثالثة، احتجزتها المخابرات العامة في دمشق عام 2021 إنها سمعت تهديدات بالاغتصاب أثناء الاعتقال، لكنه لم يتم اغتصابها، إلا أنها جُردت من ملابسها وكُبلت يديها وضُربت بالعصي والكابلات من قبل أربع حارسات ومحققين أمام معتقلات أخريات كن يبكين.
الاغتصاب والعنف الجنسي ضد الذكور
ووثقت اللجنة الدولية أعمال الاغتصاب والعنف الجنسي التي كانت تطال المحتجزين، والتي لم تقتصر على النساء فقط بل كان يتعرض لها الرجال ومراهقون وأطفال، إذ روى أحد المعتقلين أنه كان يتم الاعتداء عليه جنسياً عبر إدخال عصا في فتحة شرجه أو قطع زجاجية في إطار تعذيبه والعمل على إفقاده شرفه.
وذكر معتقل آخر أنه شاهد في أحد السجون إجبار لمعتقلين أصغر سناً على اغتصاب معتقلين أكبر سناً، كما أبلغ معتقلون آخرون عن تعرضهم للإذلال الجنسي من ذلك ما وقع بأحد الضحايا في فرع المخابرات الجوية بحمص، إذ كان يتم الاعتداء على الأعضاء التناسلية، كما استخدموا قضباناً حديدية في الإساءات الجنسية التي تعرض لها.
وقال أطباء عالجوا محتجزين إن غالبية المحتجزين من الذكور في سجون الحكومة السورية تعرضوا لمختلف أشكال العنف الجنسي بما في ذلك الاغتصاب أو العنف الجنسي أو التهديد بالعنف الجنسي، وبعض هؤلاء تم تشويه أعضائهم الجنسية، كما تلاحظ أن بعض الحالات أصيبوا بفيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز” ومرض الزهري في السجون.