إيران تستخدم “سماسرة” لشراء عقارات في سوريا

منذ أن بدأت إيران تدخلها العسكري في سوريا دعماً لقوات حكومة دمشق في مواجهة فصائل المعارضة عام ألفين وثلاثة عشر، والتقارير تتوالى عن تكثيف نشاطها وتحركاتها من أجل توسيع وترسيخ نفوذها داخل الأراضي السورية، بدءاً من العاصمة دمشق وريفها مروراً بحمص وصولاً إلى ريف دير الزور أقصى شرقي البلاد على الحدود مع العراق.

 

تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط”، كشف أن الفصائل التابعة لإيران تستخدم “سماسرة” لشراء عقارات ومنازل لقادة إيرانيين في بلدة “حجيرة” بريف دمشق الجنوبي، مشيراً إلى أن أغلب المنازل التي يتم شراؤها يسكنها قادة هذه الفصائل من الجنسيات غير السورية، وذلك بعد أن تم إسكان أغلب المرحلين من بلدتي “كفريا والفوعة” بريف إدلب في المنطقة منذ عام ألفين وثمانية عشر.

 

وبحسب التقرير، فإنه وعلى الرغم من اختفاء مشهد الانتشار العلني بالزي العسكري لقادة وعناصر الفصائل التابعة لإيران في دمشق وريفها منذ شهور خوفاً من الاستهدافات الإسرائيلية، إلا أن ذلك لا يعني تناقص أو تقليص عدد هؤلاء العناصر في سوريا، حيث أن منطقة ريف دمشق الجنوبي شهدت خلال الأشهر الأخيرة تزايداً كبيراً بأعداد هؤلاء، وشوهدت سيارات عسكرية تابعة لهذه الفصائل تدخل “مجمعاً ثقافياً” أنشأته إيران بالمنطقة منذ عام ألفين وواحد وعشرين، يعتقد أنها حولته إلى موقع عسكري تحت الأرض.

 

تمدد إيراني بريف دير الزور

المشهد في ريف دير الزور الشرقي وتحديداً في مدينتي الميادين والبوكمال لا يختلف كثيراً عن ريف دمشق الجنوبي، إذ أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن المدينتين تخضعان بشكل كلي لسيطرة الفصائل التابعة لإيران وأن وجود قوات حكومة دمشق و”الدفاع الوطني” فيها شكلي دون أي سلطة، مشيراً إلى أن هذه الفصائل ومن ورائها إيران تعمل بشكل ممنهج على ترسيخ نفوذها هناك، حيث تقيم “مراكز ثقافية ومجمعات دينية” ومراكز تدريب، وتحاول استقطاب الشباب للانخراط في صفوفها مستغلة الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه مناطق سيطرة حكومة دمشق، كما أن المنطقة تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لها من حيث أنها نقطة ربط وخط إمداد من إيران والعراق باتجاه سوريا ولبنان.

 

غارات إسرائيلية متكررة على مواقع إيران بسوريا

وتسلط الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية منذ ألفين وثلاثة عشر، الضوء على الانتشار الكبير لإيران والفصائل التابعة لها، إذ يؤكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنها تستهدف مواقع هذه الفصائل بالدرجة الأولى إلى جانب جماعة حزب الله اللبنانية، حيث كان آخرها استهداف ريف حمص الشمالي وريف طرطوس، ما أسفر عن مقتل وإصابة تسعة عناصر من هذه الفصائل وقوات حكومة دمشق، التي أصبحت تقف عاجزة عن التدخل لوضع حد لما يمكن تسميته بتحويل أراضي البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول، وما يتبع ذلك من سقوط ضحايا وانتهاك للسيادة وتدمير للبنى التحتية والمرافق الأساسية التي كان أبرزها خروج مطار حلب الدولي عن الخدمة عدة أيام جراء غارات إسرائيلية في آذار/ مارس الماضي، قبل أن تقصف إسرائيل مطار دمشق الدولي في نيسان/ أبريل وتخرجه عن الخدمة لأيام، حيث أفادت تقارير حينها أن القصف استهدف شحنات أسلحة إيرانية كانت قادمة عبر المطارين.

 

الباحث السياسي والمعارض السوري المستقل عصام زيتون يقول بتصريحات لمنصة تارجيت في هذا السياق: ” إن خطّة التمدّد الإيراني في سوريا بدأت منذ وصول نظام الملالي إلى الحكم في طهران عام  1979 ولاقت ترحيباً وتسهيلات غير محدودة من النظام السوري، فقمام  السيّدة زينب في جنوب دمشق تمّ الاستحواذ عليه من قبل إيران بالكامل – ملكيّةً وإدارةً- وتمّ البدء بتوسعته مع بداية الثمانينيّات. واستمر شراء عقارات السوريّين وولاءاتهم، “عن طريق اشتراط تشيُّعهم كشرطٍ لتدفّق المساعدات” بشكلٍ صامت إلى أن بدأت الانتفاضة السوريّة عام 2011،  حيث  أصبح التدخّلُ علنيّاً والتغلغلُ احتلالاً والتمدّدُ سيطرةً حتّى وصلنا إلى الوضح القائم، مشيراً إلى أن إيران تسيطر على ما تبقّى من المجتمع السوري المُدَجَّن بعد قتل وتغييب وتهجير أكثر من 20 مليون سوري, وتسيطر أيضاً على القرار الاقتصادي والأمني وحتّى السياسي في سوريا”، على حد تعبيره.

 

تقرير صحيفة “الشرق الأوسط” يكشف عن استمرار مضي إيران وأذرعها بمحاولة التمدد وتوسيع النفوذ في سوريا، وعدم وجود أي نية للانسحاب من البلاد، في مخالفة واضحة لمخرجات الاجتماع الأخير للجامعة العربية وبنود الاجتماعات العربية بشأن سوريا سواءً في عمان أو جدة، المتضمنة ضرورة إنهاء الوجود الأجنبي على الأراضي السورية وخروج جميع الفصائل والمجموعات المسلحة من هناك، كمقدمة لأي حل سياسي بين السوريين، وهي ما تتضمنه أيضاً جميع القرارات الدولية الصادرة بشأن سوريا.

 

وجود إيران بسوريا مرتبط بالتحالفات الدولية

ويضيف زيتون، “أن مستقبل الوجود الإيراني في سوريا، مرتبط بشكلٍ وثيق بمآل صراع التحالفات الدوليّة الكبرى ونتيجتها، فإيران تشكّل أحد أعمدة حلف روسيا وفي نفس الوقت تقيم علاقات استراتيجيّة عميقة مع الصين. ولا تبدو الولايات المتّحدة ولا أوروبّا قلقتين من سيطرة إيران على سوريا بعد سيطرتها على العراق ولبنان، لافتاً إلى أن هناك احتمال نشوب مواجهة عسكريّة مفتوحة بين حلف إيران و”ميليشياتها” في الشرق الأوسط عموماً من جهة وإسرائيل من جهة أخرى ما سيؤدّي في نهاية المطاف إلى إسقاط نظام الملالي والأنظمة و”الميليشيات” الموالية لها”.

 

الانتشار الإيراني اللامحدود في سوريا وتدخل طهران بجميع مفاصل الدولة وقراراتها، ومثله السيطرة والاحتلال التركي في الشمال السوري، وما يتبع ذلك من استئثار بأراضي وخيرات السوريين الذين لا يزالون يدفعون منذ أكثر من عقد ثمن تدخل هذه القوى في بلادهم، يعيدنا إلى السؤال نفسه المطروح منذ سنوات عن مدى التوصل إلى حل ينهي المأساة السورية، في ظل استمرار تدخل هذه القوى بالشأن السوري وعرقلتها أي خطوات باتجاه هذا الحل لا تخدم أجنداتها ومصالحها التي حولت هذه الأزمة إلى ورقة مساومة فيما بينها.

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا