القاهرة ـ حوار محمد إسماعيل
قبل أسابيع قدمتا هولندا وكندا دعوى لمحكمة العدل الدولية نُظر إليها لدى كثير من المراقبين على أنها خطوة أولى عملية لمحاسبة ومعاقبة حكومة بشار الأسد عما اقترفته من جرائم بحق الشعب السوري حتى لو كان الأمر سيأخذ وقتاً طويلاً، إذ أكدت الدعوى أن النظام يقوم بأعمال تعذيب بالمخالفة للاتفاقات الدولية كما قام بانتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي.
في هذا السياق، حاورت منصة “تارجيت” صباح المختار رئيس جمعية المحامين العرب بلندن وممثل اتحاد المحامين العرب لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وذلك لمناقشة الأبعاد القانونية لتلك الدعوى وجدواها، وما قد تحمله من فوائد سياسية وقانونية.
نص الحوار
*بداية، كيف ترى أهمية الدعوى المقدمة من هولندا وكندا أمام محكمة العدل الدولية ضد نظام بشار الأسد؟
– أولا، يجب علينا التفرقة بين الدعاوى التي تقام أمام محكمة العدل الدولية نطاق اختصاصها وعملها وتلك التي تقام أمام المحكمة الجنائية الدولية، إذ أن الأولى لا تحاكم أشخاصاً كما أنه ليس من مهامها أيضاً ولا من صلاحياتها التدخل في أي شيء يتعلق بالشؤون الداخلية للدول، أما المحكمة الجنائية فهي المنوط بها محاسبة الأشخاص أي محاسبة بشار الأسد ومن يعاونه في هذا النظام، ولهذا لا أتصور أن تلك الدعوى رغم أهميتها أنها ستكون ذات مردود.
*وما الملاحظات أيضاً التي رأيتها بشأن تلك الدعوى؟
– الدعوى تجمل طلباً من محكمة العدل الدولية أن تلزم سوريا بالإجابة على المعلومات التي طلبتها على سبيل المثال كندا بشأن انتهاكات تتعلق بحقوق الإنسان وأوضاع السجون، وبالتالي فإن هذه الخطوات قد تكون مفيدة سياسياً لكنها لن تحقق شيء، لأنها لن تساهم في وقف انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام السوري، فالنظام يرتكب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب، وهذه الجرائم تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، لكن تحريك دعوى أمامها يحتاج أن يقوم بها إما مجلس الأمن الدولي أو عدد من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة ومتطلبات تنص عليها اتفاقية روما الخاصة بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهذه الأمور غير مستوفاة في الوقت الراهن.
*إذن برأيك ألا يوجد أهمية لخطوة كندا وهولندا بشأن الدعوى المقدمة لمحكمة العدل الدولية؟
– في اعتقادي أن تلك الخطوة من قبل كندا وهولندا تشكل نوعاً من الضغط على حكومة دمشق، ولا أتوقع أن يكون لهذا الإجراء أية نتيجة ذات قيمة قانونياً أي بشأن محاسبة بشار الأسد ونظامه على جرائمهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان على الأقل في الأمور المهمة والموضوعية. وحتى لو طلبت محكمة العدل الدولية من حكومة دمشق أن توقف الانتهاكات، وهنا لن ترسل المحكمة شرطة لتنفيذ ما تطلبه، وإنما يتم الأمر من خلال الكتابات الدبلوماسية إلى حكومة دمشق، والأخيرة تستطيع عدم الرد على تلك المكاتبات، وهنا سترسل المحكمة مرة ثانية مكاتبات دبلوماسية للحكومة السورية تطلب منها جواباً أو رداً، ولا أظن أن الحكومة السورية ستتجاوب مع ذلك، ولهذا لا أظن أن تلك الدعوى ستحقق فائدة عملية على المدى القريب، ولكن من الناحية السياسية والإعلامية يمكن أن يكون لها بعض الفوائد.
*إذن لماذا برأيك لجأت أمستردام وأوتاوا إلى تلك الخطوة طالما أنها ليست ذات فائدة قانونية؟
– الدولتان على ما يبدو لديهما رغبة فقط في إظهار مواقفهما بشأن الانتهاكات التي تقوم بها حكومة دمشق وما يرتكب من جرائم، كأن تؤكد أن هناك انتهاكات ارتكبت بحق السوريين وأن هناك سجوناً سرية، وعلى ما يبدو أن الدولتين طلبتا في السابق من حكومة دمشق الوقف الفوري لتلك الممارسات بشكل مباشر، ولكن لم تستجب لهما الحكومة، ولهذا ذهبتا إلى محكمة العدل الدولية التي تختص بالفصل في المنازعات بين الدول، باعتبار سوريا دولة عضو في الأمم المتحدة ويمطن أن تطلب منها المحكمة شرح مدى التزامهم بالاتفاقيات الدولية وهذه الدولة لم تجب، فتكون الدعوى المقامة هنا بمثابة طلب هولندي كندي مقدم إلى المحكمة من أجل الضغط على حكومة دمشق للإجابة على التساؤلات والمطالبات الكندية الهولندية، ولا أتصور أن يكون هناك أي أبعاد أخرى قانونية كأسباب لذلك التحرك.
*لكن في الطلب الذي نشره موقع محكمة العدل الدولية تدعو كندا وهولندا المحكمة لأن تطلب مباشرة من حكومة دمشق وقف تلك الممارسات كإجراء طاريء والإفراج عن المحتجزين قسرياً، مذا يعني ذلك؟
– هذا طلب ليس من اختصاص محكمة العدل الدولية، لأن المحكمة ليس لديها سلطة على الدول الأعضاء أو غير الأعضاء، ولكن في المقابل فإن هذه الأمور من صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية، وهي التي يمكنها محاولة إجبار الحكومات على تسليم متهمين أو وقف التعذيب أو إطلاق سراح البعض، أما محكمة العدل لا يحق لها أن تطلب من أي دولة اتخاذ إجراء داخلي، لو كان الأمر يتعلق بخلاف بين سوريا وهولندا حول حدود أو سفينة أو حاويات أي خلاف بين دولتين هنا يأتي دور محكمة العدل، أما أن تطلب هولندا وكندا من المحكمة أن تلزم حكومة دمشق باتخاذ إجراء ما تجاه مواطنيها فإني أجزم أن هذا ليس من اختصاصها، والمحكمة لن تستجيب لهذا الطلب.
*إذن لماذا قبلت المحكمة الدعوى أو الطلب الكندية الهولندية ونشرتها عبر موقعها؟
– أي شخص يستطيع أن يذهب إلى أي محكمة ويكلف محامي مثلاً ويرفع دعوى ضد أي شخص آخر، كونك تشتكي يجوز، لكن حصيلة الشكوى أمر ثان، كذلك الحال بالنسبة لمحكمة العدل الدولية يمكن لأي دولة أن تقدما طلباً أو دعوى أو تشتكي، وهي بدورها يمكنها رفض هذا الطلب أو قبول النطر فيه حسب الاختصاص، وبالتالي في رأيي الطلب الهولندي الكندي مجرد موقف سياسي، وهو موقف لا بأس به، أما إذا كان لها مردود قانوني بالنسبة للأبرياء الذين يقبعون في سجون سوريا فلن يكون لها مردود باستثناء ما تحمله من ضغط سياسي.
*هل هذا يعني فشل أي محاولات لمحاكمة بشار الأسد دولياً؟
– بالطبع، عزيزي محكمة العدل الدولية على سبيل المثال كل ما استطاعت فعله من قبل التحرك ضد عمر البشير الرئيس السوداني السابق ومعمر القذافي الرئيس الليبي الراحل، لكن لم نراها تذهب لآخرين مثل توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وجورج بوش الرئيس الأمريكي الأسبق الذين قادا الغزو على العراق في 2003، رأيناها مؤخراً تصدر أمراً بالتحقيق في ارتكاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جرائم حرب في أوكرانيا، والواقع يقول إن المجتمع الدولي ليس لديه معالجة حقيقية للجرائم التي ترتكب بحق الشعوب من قبل الأنظمة في أي دولة كانت، قد يكون هناك ضغوطا سياسية والمجتمع الدولي يستطيع أن يصرخ ويندد ويضع عقوبات لكن لا يستطيع أن يفعل شيء، بوتين في الوقت الحالي يعتقل كل من يبد رأي ضد الحرب في أوكرانيا لكن لا أحد يفعل معه شيء.
*هل تقصد أن الحديث عن حقوق الإنسان هنا كله نوع من ازدواجية المعايير ومرتبط بالمصالح؟
– أنا لا أريد أن أكون متطرفاً برأيي، لكن في الواقع فإن كل الحديث عن حقوق الإنسان والعدالة مجرد كلام فارغ، فأمريكا تتحدث عن حقوق الإنسان والديمقراطية وكان لديها في جونتنامو أكثر من 100 شخص ظلوا لأكثر من 15 عاماً ولم يقدموا حتى للمحاكمة ثم تتحدث واشنطن عن حقوق الإنسان والعدالة، فرنسا على سبيل المثال أعلنت فيها نقابة الشرطة أن المتظاهرين إرهابيين ويجب استعمال القوة ضدهم رغم أن الدولة كان يفترض أن تتعامل بشكل مختلف وليس ضرب الناس. وبالتالي بالعودة إلى موقف كندا وهولندا فيبدو أن ما قاما به مجرد تحرك سياسي ولا يحمل أهمية كبيرة لديهما بدليل أنهما ذهبا إلى محكمة العدل الدولية التي ليست ذات اختصاص في هذا الأمر.