شهدت الأيام الماضية في تركيا حدثاً مثيراً للجدل يكشف مدى الوقاحة التي وصلت إليها مخططات النظام التركي بقيادة رجب طيب أردوغان لا سيما تجاه سوريا والعراق، عندما استضافت مدينة “إسطنبول” مؤتمراً لتركمان سوريا والعراق جرى الحديث خلاله وبمنتهى الوضوح عما يسمى بـ”الوطن القومي للتركمان”، الأمر الذي يراه مراقبون أنه بمثابة تأكيد جديد على خطورة ما وصلت إليه أطماع “أنقرة”.
وظهر أرشد الصالحي رئيس الجبهة التركمانية العراقية في لقطات مصورة وهو يستعرض خريطة ممتدة عبر مساحات واسعة وممتدة بين سوريا والعراق، وقد لونت كامل شمال وشرق سوريا “روجافا” ومناطق حلب امتداداً لكركوك ومندلي على تلك الخريطة باللون الأزرق المعبر عن التركمان، وهي المناطق ذاتها التي يشكل الكرد عقبة رئيسية فيها أمام هذا المشروع الذي يرعاه “أردوغان”.
كشف مثلث داعش والتركمان وتركيا
يقول صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي “السوري”، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه لفهم هذه الخريطة يجب العودة للوقائع التي كانت موجودة والتي لا تزال قائمة، وهي العلاقة العضوية بين تنظيم “داعش” الإرهابي وبين التركمان الذين استطاع النظام التركي استخدامهم.
وأضاف أن العلاقة العضوية بين هذا المثلث – داعش والتركمان وتركيا – هي حجر الأساس في السياسات التي يمارسها النظام التركي والتي يريد تنفيذها، وهي علاقة عضوية لأن المشروع الذين يتحثون عنه في تلك الخريطة لم يكن موجوداً قبل ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي ولا قبل الحكم الفاشي الذي يدير تركيا حالياً ويتحرك لتنفيذ غايات بعينها.
ويرى السياسي الكردي السوري البارز أن ما جاء في هذه الخريطة لن يغير شيء، لأنه أولاً بالنسبة للتركمان في سوريا بصفة عامة فإن عددهم لا يتجاوز 100 ألف بحسب الإحصائيات التقريبية وأغلبهم في بعض المناطق بشمال حلب، وقسم منهم كان موجوداً في القنيطرة، أما في العراق فعددهم كان حوالي 400 ألف أيام نظام صدام حسين، وكانوا مشتتين في جميع أنحاء العراق بين الموصل والبصرة وكركوك، وبالتالي فإن عددهم في المنطقة التي تشملها الخريطة المزعومة ربما لا يتجاوز الـ 500 ألف.
وقال “مسلم” إنه لذلك نرى أن قضية التركمان قضية مصطنعة، فقد تم تأسيس حزب لهم ودعم هذا الحزب، ومن ناحية ثانية أن الرجل الثاني في تنظيم “داعش” خلال فترة أبي بكر البغدادي هو أبي مسلم التركماني وهو تركماني من تلعفر بالعراق، وقيادات كثيرة كانت من المكون التركماني تعبر عن العلاقة العضوية بين تنظيم “داعش” ومن يوجهون الدواعش إلى المناطق الكردية سواء في سوريا أو في سنجار بالعراق، ولهذا كما أقول فهي علاقة مصلحية ذات مخططات معينة.
تنفيذ السياسات الفاشية التركية
ولفت إلى أن ما يتم الحديث عنه في مؤتمر علني بإسطنبول من قبل رئيس الجبهة التركمانية العراقية أرشد الصالحي يشكل تنفيذاً للسياسات والفاشية التركية التي يريدونها في المنطقة، وهذا مشروع خيالي لأنه لا يمتلكون العدد السكاني الكاف لتنفيذ هذا المخطط على منطقة شاسعة كما نرى في الخريطة التي كشفوا عنها، وهذا هو الواقع.
وقال “مسلم” إنه سواء الفاشية التركية أو تنظيم “داعش” الذي صنعوه أو التركمان الذين يستخدمونهم، جميعها أدوات تركية لتتنفيذ مخططات وسياسات حزب العدالة والتنمية، وبزوال هذا الحزب فإن هذا المخطط سيزول من التاريخ، هذا المخطط الذي يستهدف القضاء على الشعب الكردي أينما كان سواء من خلال الفاشية التركية أو داعش أو هؤلاء التركمان، في ظل أن الكرد هم العقبة الرئيسية أمام هذا المشروع.
التركمان رأس حربة لأطماع أردوغان
من جهته، يقول الأستاذ علي المرعبي رئيس تحرير مجلة “كل العرب” التي تصدر في باريس، لمنصة تارجيت” الإعلامية، إن انعقاد هذا المؤتمر في “إسطنبول” يعني أنه تم برعاية تركية، وتركيا لديها أطماع واضحة ومعلنة بالمناسبة في دول الشرق الأوسط وخصوصاً في العراق وسوريا، والجانب التركي لا يخف هذه المطامع، مستغلاً في ذلك حالة الضعف التي تشهدها كثير من دول المنطقة لا سيما سوريا والعراق.
وأضاف “المرعبي” أن التركمان في تلك المناطق يشكلون رأس حربة في المشروع التركي الذي يستهدف تحقيق النفوذ في سوريا والعراق، وليس مجرد نفوذ عابر بل دائم ومستمر على حساب الدولتين، وكلما كانت دول المنطقة تعاني من حالة الضعف والانهيار التي ابتلينا بها، كلما زادت الأطماع التركية وتمادت “أنقرة” في مخططاتها التي كما قلت لا تخفيها.
ويرى رئيس تحرير مجلة “كل العرب” أن الحديث عن وطن قومي للتركمان يأتي متناغماً مع توجهات إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفقاً لأسس طائفية ومذهبية وإثنية وقومية، وهو ما يتم العمل عليه خلال الفترة الماضية، وتستفيد مخططات التقسيم هذه من حالة الاضطراب التي تشهدها المنطقة والتي يلعب النظام التركي دوراً فيها.
خريطة التركمان والنفوذ التركي
ويقول “المرعبي” إن الأتراك يعرفون جيداً أن إقامة وطن للتركمان كالمشار إليه في الخريطة التي عرضت بمؤتمرهم في إسطنبول أمر مستحيل في ظل المعطيات الدولية، ولكن هذا الوطن سيكون على الأقل بمثابة خط يعبر عن النفوذ التركي في سوريا والعراق، والعراق على وجه الخصوص، وبالتالي ليس من المستغرب أن تكون تركيا هي الراعية لهذا المؤتمر وتستضيفه على أرضها.
وشدد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي اللبناني، في ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت”، على أن هذا الأمر لا يشكل تحد أمام المكون الكردي فقط، بل هو في حقيقة الأمر تحد كبير للشعوب العربية وللدول العربية، التي للأسف غارقة في المشكلات التي ساعدت تلك التوجهات على الظهور وأن تحقق دولة مثل تركيا النفوذ الذي تريده في المنطقة.
أراض تاريخية مزعومة
بدوره، يقول طارق البرديسي الخبير المصري في العلاقات الدولية، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أنه من الواضح أن حالة السيولة السياسية والتفتت والتشظي الذي تشهده الدول المجاورة لتركيا وخصوصاً سوريا والعراق، تشكل فرصة كبيرة لتحقيق أطماع الأتراك سواء كانت تلك المطامع يتم السعي إليها تحت مسمى العثمانية الجديدة أو التيارات الإسلامية.
وأضاف “البرديسي” أنه حتى لو كانت المعارضة التركية هي التي تتولى زمام السلطة في تركيا، فإنها ستسير باتجاه تحقيق نفس الأطماع، لأن حالة الضعف الموجودة في الدول المجاورة لتركيا تغري من يشغل موقع السلطة في “أنقرة”، أياً كان، سواء النظام الحالي الذي يقوده رجب طيب أردوغان والذي يدعي أنهم ذي خلفية إسلامية، أو حتى التيار التركي العلماني.
ويرى خبير العلاقات الدولية أن التركمان في سوريا والعراق يشكلون مخلب قط بالنسبة لتركيا في تلك المناطق، والنظام التركي يستخدمهم لتحقيق أطماعه، وهم في هذا الإطار ورقة مثلها مثل ورقة تنظيم الإخوان المسلمين الذين استغلهم النظام التركي ليحقق أجندته في المنطقة وأطماع “أنقرة” واضحة فيها، بل إن الأتراك يرون أنه إذا كانت سوريا بها تواجد أجنبي فالأولى أن يكون تركياً لأنهم يرون أن سوريا والعراق جزء من أراضيهم التاريخية وفق مزاعمهم.
ويرى “البرديسي”، في ختام تصريحاته، أنه من الصعب أن نرى كيان جديد يسمى إقليم التركمان، لأن الدول العربية لن تسمح بذلك، كما أن التقارب العربي التركي لن يجعل “أنقرة” تقدم على استفزاز العرب بمثل هذه الخطوة، ولكن مثل هذه المؤتمرات والحديث عن وطن قومي للتركمان على حساب مناطق في سوريا والعراق هو من باب الاستغلال التركي للتركمان كما استغلت من قبل ورقة الإخوان.