الميَاه كـ”سِلَاح بَشِع”.. تُرْكِيا واسْتغْلال العلاقات لِاسْتهْداف شَمَال سُورْيَا بِه

أوصى مكتب الري في الرقة، في العشرين من يونيو، المزارعين التقيّد بالخطة الزراعية الصيفية، في ظل انخفاض منسوب الفرات ونزول مياه البحيرة أكثر من 4 أمتار عن مخزونها، وذلك عقب أن أصدرت لجنة الزراعة والري في الـ 15 من يونيو، تعميماً ينص على ضرورة التقيّد بالمساحة المسموح بها للزراعة وتقليل مساحة الموسم التكثيفي بنسبة 10 بالمئة، ليصبح المجموع 33 بالمئة من المساحة الإجمالية المروية الكلية.

جاء ذلك في ظل التضييق التركي على مصادر المياه في شمال وشرق سوريا، حيث مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” و”الإدارة الذاتية”، إذ لا ينحصر الأمر على نهر الفرات، بل يتسع ليشمل كل المصادر الطبيعية للمياه، ومنها أيضاً محطة علوك، التي كانت تغذي محافظة الحسكة بالمياه، لكن قبل استيلاء تركيا على الشريط الحدود الواصل بين رأس العين وتل أبيض، حيث صار الوضع بعدها بالغ التعقيد، ومرهوناً بالمقايضات (الماء مقابل الكهرباء).

حصار مائي

وبالصدد، أفاد نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان، بداية أبريل الماضي، بأن محطة علوك، خرجت عن الخدمة إلى إشعار أخر، بعد تشغيلها لما يقارب ٧٢ ساعة، بالتوازي مع اتهامات “الإدارة الذاتية”، لـ”القوات التركية”، باستخدام محطة علوك في إطار الحرب ضد مناطق شمال شرق سوريا، بهدف تفريغ المنطقة من سكانها والقضاء على مشروعها.

وسيطرت القوات التركية والمليشيات السورية الموالية لها، على منطقة رأس العين “سري كانيه”، إبان العملية العسكرية التي أطلقتها في عام ٢٠١٩ تحت اسم عملية ”نبع السلام”، حيث تقع محطة مياه علوك ضمنها، وقد عمدت إلى قطعها أكثر من 33 مرة منذ العام 2019، في إطار استخدام المياه كسلاح للحرب، في انتهاكا صارخاً للأعراف والمواثيق الدولية، حسب نشطاء المنطقة.

اتفاقية برعاية اليونيسيف

وقد تدخلت منظمة “اليونيسف” من أجل حل مشكلة المياه في الحسكة، وتواصلت مع الجانب التركي لحل مشكلة ضخ المياه وتم الاتفاق على ذلك، مقابل قيام الإدارة الذاتية بمنح الكهرباء لمناطق سيطرة تركيا شمال الحسكة، لكن الإدارة الذاتية تؤكد وجود تعديات مستمرة على خط التيار الكهربائي، وبأنه لا يتم تشغيل إلا جزء من محطة علوك، بجانب وجود اعتداءات دائمة وكسر لخط المياه في مناطق سيطرة تركيا في رأس العين.

وبالسياق، قالت مديرية مياه الشرب في الحسكة، في الرابع من مايو الماضي، بإن تركيا لم تلتزم بالتفاهم حول تشغيل محطة مياه علوك بريف سري كانيه، والذي جرى برعاية اليونيسيف، إذ كان لاتفاق بأن يتم تغذية المحطة بخمسة ميغا واط ساعي، على أن يتم تشغيل 19 بئر و4 مضخات أفقية.

متابعةً بأن “تركيا لم تلتزم بالتفاهم، ما أخّر وصول المياه إلى الحسكة 17 يوماً، وذلك نتيجة التجاوزات الحاصلة على خط التيار الكهربائي”، لتتحكم تركيا للصيف الرابع على التوالي، بمياه محطة علوك، وتحرم معها أكثر من مليون شخص من المياه، رغم النداءات الأممية المتكررة بضرورة تحييدها عن الصراع.

 

زيارة أمريكية لمنشآت المياه

وتنتقد الإدارة الذاتية، ضعف الموقف الدولي، الذي لا يجبر تركيا على تحييد المياه عن صراعها، ولعل ذلك ما دفع المبعوث الخاص للولايات المتحدة الأمريكية في شمال وشرقي سوريا نيكولاس غرينجر، في الثامن من مايو الماضي، للقيام بزيارة كانت الأولى من نوعها، إلى المنشآت الحيوية المشيَّدة على سد الفرات، منذ انسحاب قوات التحالف الدولي من كوباني في عام 2019.

حيث زار المبعوث الأمريكي سد الطبقة بمدينة الرقة، وتخللها اجتماعٌ مع إدارة مكتب الطاقة في الإدارة الذاتية هناك، ليطلع معها غرينجر، على واقع السد الراهن وحالته الفنية، فيما قدّم مكتب الطاقة شرحاً وافياً لحالة السد والعنفات وآلية عملها والنتائج الكارثية لاستمرار الانخفاض المستمر لمنسوب مياه نهر الفرات إلى ما دون 500 م3 في الثانية، وفقاً للاتفاقية الموقعة عام 1987 بين سوريا وتركيا والمسجلة لدى الأمم المتحدة في عام 1994.

بدل أن يكون عامل السلام

وحول توصية مكتب الري في الرقة، المزارعين بالتقيّد بالخطة الزراعية الصيفية، وتأثير المنع التركي للمياه عن سوريا، على الانتاج الزراعي، عقب المحامي “زكي حجي”، وهو حقوقي وناشط سوري، ينحدر من مدينة “سريه كانيه\رأس العين”، لـ”منصة تارجيت”، بالقول إن “تركيا لم تلتزم بالاتفاقيات مع جارتيها سوريا والعراق، ولا احترمت تعهداتها الدولية، واستخدمت المياه كسلاح، بدل أن يكون عامل سلام، فيما تعتمد سوريا على مياه الفرات في السقاية والزراعة والشرب، وتتقلص المساحات المزروعة نتيجة قطع المياه، ليقل الانتاج نتيجة عدم الاشباع”.

مُشدداً على أن المساحات المزروعة لن تلبي احتياجات المنطقة من المزروعات، “الا إذا جاءت سنة خير وأمطار، حيث سيُسد النقص من خلال المساحات البعلية”.

وبخصوص محطة علوك التي كانت تغذي مدينة الحسكة وريفها، والتي يعجز العالم حتى الساعة عن إجبار تركيا على تحييدها عن الصراع، أشار حجي لـ”تارجيت”، إلى أن “تركيا دوله كبيرة وأطلسية وإسلامية، ولها مصالح مع العالم، ورغم ذلك، وجدنا بيانات الشجب لتصرفاتها من المنظمات الدولية”.

مُستدركاً: “قطع مياه علوك يؤثر بشكل مباشر على ٤٦٠ ألف مدني، ويضطر الأهالي إلى شراء مياه الشرب من الصهاريج، فيما تتضرر شبكة الصرف الصحي في الحسكة، وتنتشر الامراض نتيجة قطع المياه، من قبل دولة الاحتلال والفصائل الموالية لها، وهذا مُخالفة للعهد الدولي الخاص للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.

كأبشع سلاح ضد المدنيين

وحيال تقييمه لاتهامات “الإدارة الذاتية” لـ “القوات التركية”، باستخدام الاخيرة لمحطة علوك، في إطار الحرب ضد مناطق شمال شرق سوريا، بهدف تفريغ المنطقة من سكانها والقضاء على مشروعها، أكد الحقوقي السوري على ذلك بالإيجاب.

قائلاً لـ”تارجيت”: “نعم تستخدم تركيا المياه كأبشع سلاح ضد المدنيين، ولهذه الجريمة نتائج كارثية على أكثر من مليون نسمة في الحسكة وتل تمر والريف، إذ تثقل كاهل المدنيين وخاصة النازحين منهم، بجانب وجود المخيمات ومراكز الايواء”، مشيراً: “البلد يعاني من الحرب منذ ١٢عاماً، وفوق كل ذلك، تأتي تركيا وتقطع عنهم عصب الحياة وهي المياه”.

الأمريكان يُسايرون مصالحهم

وشدد الحقوقي السوري على عدم رضى واشنطن، عن تصرفات أنقرة في مناطق شمال وشرق سوريا، لافتاً إلى زيارة المبعوث الأمريكي لسد الطبقة، بالقول: “أكيد الأمريكان غير راضيون عن ممارسات تركيا، لأنهم موجودون على الأرض، ويشاهدون ذلك بأعينهم”.

مُردفاً: “لكن في سوريا الامور مُعقدة جداً، حيث نجد ٥ جيوش أجنبية، و٤ حكومات على أرض سوريا، وكلهم دول كبرى، روسيا، تركيا، إيران، وأمريكا، والأخيرة تُعاتب تركيا لكن لا تُمارس معها التهديد، لأنها تُساير مصالحها، كونها أطلسية ولديهما شراكة تاريخية”.

ليبقى معها ملف المياه في شمال سوريا، مُعلقاً وتحت رحمة مصالح أنقرة مع موسكو تارة، ومع واشنطن تارة أخرى، إلى أن تنحو أنقرة نحو لغة العقل والمُنطق، وهو ما يعتمد على أن تيأس بشكل نهائي من إمكانية قضائها على إرادة شعوب وأبناء شمال وشرق سوريا، بوصولهم إلى وطن حرّ، ذو سيادة ودستور وطني، يتجاوز تدخلاتها.

قد يعجبك ايضا