“لَا مَوَاد مَدعُومة”.. حُكُومَة دِمَشق ستتْرك النَّاس لِمُلاقاة مَصيرِهم

قالت صحيفة الشرق الأوسط، في التاسع عشر من يونيو، أن حكومة دمشق تدرس عدة سيناريوهات، تتعلق بـالمواد المدعومة، من بينها إلغاء الدعم بشكل كامل عن كل المواد، مقابل زيادة الرواتب، على الرغم من الوضع المعيشي الكارثي الذي يعانيه غالبية المواطنين.

وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك سيزيد من الوضع المعيشي المذري، بالتزامن مع إعلان برنامج الأغذية العالمي، إيقاف مساعداته الغذائية لـ45 في المائة من السوريين المحتاجين، وذلك، بسبب أزمة تمويل غير مسبوقة في سوريا.

مؤكدةً نقلاً عن مصادر مطلعة، بأن دمشق تناقش دراسة عدة سيناريوهات، أحدها رفع الدعم بشكل جزئي عن المواد الغذائية الأساسية التي يتم تسليمها للأسر عبر البطاقة الذكية (الخبز، والسكر، والأرز، والزيت النباتي)، وبشكل كامل عن المحروقات (البنزين والمازوت والغاز) والكهرباء.

كما نوهت إلى أن من بين تلك السيناريوهات أيضاً، رفع الدعم بشكل كامل عن كل المواد، مبينةً أن ذلك يعني أن تباع ربطة الخبز (7 أرغفة)، بالسعر الحر البالغ 1200 ليرة سورية، في حين تباع حالياً بالسعر المدعوم عبر البطاقة الذكية بـ200 ليرة، وليتر البنزين سيباع بسعر 7600 ليرة، علماً بأن سعر المدعوم منه عبر البطاقة الذكية 3 آلاف ليرة، وهذا سينطبق على كافة المواد المدعومة.

ولفتت إلى أنه عند الانتهاء من مناقشة الدراسة، سوف تتبنى الحكومة أحد السيناريوهات وتصدر قراراً بذلك، يترافق مع قرار آخر بزيادة الرواتب الشهرية للموظفين.

90% من السوريين تحت خط الفقر

دراسة حكومة دمشق لتلك السيناريوهات المتعلقة بـالمواد المدعومة، ليست في وقتها أبداً، إذ لا يزال السوريون يعانون من آثار الحرب الاهلية المدمرة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عقد، ولم تجد حلولاً ناجعة بعد، وبالصدد ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، منتصف يونيو، أن نحو 90% من السوريين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وأكثر من 15 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

وبيّن وقتها، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأدنى والأوسط باللجنة، أن “على المجتمع الدولي أن يواجه الحقيقة الصعبة التي تؤكد أن الوضع في سوريا لا يُحتمل، وأن عدم التحرك سيترك تداعيات خطيرة على جميع المعنيين، وسيعيق أي احتمالات للتوصل إلى تعافٍ مستدام”، متابعاً: “لا يمكننا أن نغض الطرف عن معاناة الناس في سوريا، علينا أن نمنح الأولوية للحفاظ على البنى التحتية الحيوية وتقديم استجابات إنسانية شاملة”.

كما دعت اللجنة في بيانها الدول المانحة إلى تقديم التزام دولي فوري بالحفاظ على البنى التحتية الحيوية والخدمات الأساسية في سوريا، وحذرت من أن انهيار الخدمات الأساسية في سوريا ليس “تهديداً بعيداً” وستكون له تداعيات مدمرة على الشعب السوري، فيما وثق على صعيد متصل، المرصد السوري لحقوق الإنسان، خمس حالات انتحار في مناطق النظام خلال أقل من أسبوع، خلال تلك الفترة، في ظل تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي إلى مستويات خطيرة نتيجة الحرب التي بدأت عام 2011.

 

دمشق غير جادة بزيادة الرواتب

وحول دراسة حكومة دمشق سيناريوهات إلغاء الدعم بشكل كامل عن كل المواد المدعومة، في مقابل زيادة الرواتب، أوضح “خورشيد عليكا”، وهو باحث اقتصادي سوري، ومُؤسس جمعية الاقتصاديين الكُرد في سوريا، في تصريح لـ”منصة تارجيت”: “في الحقيقة إن حكومة النظام مستمرة في رفع الدعم وبشكل متسارع عن كل المواد الأساسية والطاقة، وبنفس الوقت، لا توجد لديها الإمكانيات اللازمة لزيادة رواتب موظفيها”.

متابعاً: “بالتالي، فإن رفع سياسة الدعم مستمرة بالتوازي مع عدم تمكنها وعدم جديتها برفع رواتب موظفيها، تاركةً بعض موظفيها متمسكين بالعمل في ظل الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، لتُمنح لهم الرشاوي ولكل المسؤولين في الهرم الوظيفي، أما القسم الأكبر من الموظفين، فيقدمون استقالاتهم ويغادرون البلاد تحت ظروف الفقر والجوع”.

ثورة جياع صامتة

وبخصوص تزامن تلك الإجراءات التي تنوي دمشق اتخاذها، مع إعلان برنامج الأغذية العالمي، عن إيقاف مساعداته الغذائية لـ45 في المائة من السوريين المحتاجين، أوضح “عليكا” لـ”تارجيت”: “طبعاً نتيجة نقص التمويل، برنامج الغذاء العالمي سينقص مساعداته الغذائية لما يقارب 2.5 مليون سوري، وهذا سيؤثر بشكل مباشر على الحياة الاقتصادية والمعيشية للسكان في البلاد، وستزداد مستويات الفقر والفقر المدقع في البلاد إلى مستويات قياسية”.

“فبعد الحرب الروسية ضد أوكرانيا، غادرت العديد من المنظمات الدولية مناطق اللاجئين في الداخل السوري، وفي الدول الجوار وقلصت منظمات أخرى من مستوى دعمها للسوريين لتغير اتجاه الدعم من اللاجئين السوريين إلى اللاجئين الاوكرانيين”، يشير الباحث الاقتصادي السوري، ويتابع: “وبالتالي قل مستوى الاهتمام الدولي باللاجئين السوريين، وسيقل الدعم المقدم لهم يوم بعد يوم”.

مُستدركاً: “دعت الأمم المتحدة في مؤتمر بروكسل السابع، لجمع تبرعات على شكل منح وقروض للشعب السوري، بقيمة تصل إلى 11.1 مليار يورو، لكن ما تم جمعه كان 9.6 مليار يورو، أي بنقص قدره 2.5 مليار يورو”.

أما حيال تضمن السيناريوهات التي تبحها دمشق، بيع ربطة الخبز (7 أرغفة)، بالسعر الحر البالغ 1200 ليرة سورية، في حين تباع حالياً بالسعر المدعوم عبر البطاقة الذكية بـ200 ليرة، وإمكانية أن يدفع ذلك المواطنين في مناطق سيطرة حكومة دمشق، لثورة جوع، بيّن مُؤسس جمعية الاقتصاديين الكُرد في سوريا، أن “هناك ثورة جياع صامتة في كل منطقة وحي ومنزل في سوريا، وخاصة في مناطق النظام السوري، فرواتب النظام السوري لا تكفي للموظف لأكثر من يومين”.

سارداً: “ما يعني أن كل من لا يستطيع الحصول على رشاوي عن طريق وظيفته، مُضطر للعمل في دوام آخر أو تقديم استقالته من الوظيفة التي في بعض الأحيان لا يكفي راتبها لأجور النقل إلى العمل، وبالتالي في ظل المرتبات الضعيفة، الفساد مستشر ومنشتر منذ عشرات السنيين، في كل الدوائر الحكومية”.

أموات يتحركون دون وعي

كما احتوى السيناريو المطروح وفق صحيفة الشرق الأوسط، بيع ليتر البنزين بسعر 7600 ليرة، علماً بأن سعر المدعوم منه عبر البطاقة الذكية هو 3 آلاف ليرة، وهو ما قد يجلب معه أزمات في النقل وتعطيلاً وشللاً عاماً، حيث لفت “خورشيد عليكا” لـ”تارجيت” إلى إن “سياسة رفع الدعم تستمر بشكل متسارع عبر كل سنوات الأزمة فمنذ عام 2011، والليرة السورية تفقد قيمتها مقابل سلة العملات الأجنبية”.

منوهاً: “كان الدولار الواحد يعادل عام 2011، ما مقدراه 47 ل.س، واليوم يعادل الدولار الواحد ما قيمته نحو 8850 ل.س، كما أن الأسعار ارتفعت خلال السبع الأشهر الماضية بمعدل 140%، وحالياً يوجد بنزين حر بسعر يزيد عن 7500 ل.س، وبالتالي اعتقد أن النظام سيستمر بتقليص الدعم عن البنزين والمازوت، وسيكون لذلك أثر على ارتفاع تكاليف النقل والإنتاج والتسويق وسلاسل الامداد، مما يعني زيادة في ارتفاع أسعار السلع والخدمات والتي ستزيد من مستويات البطالة وسترفع من معدلات الفقر والهجرة”.

مستطرداً: “السوريين في الداخل أصبحوا عبارة عن أموات، يتحركون دون وعي، فقدوا الإحساس والشعور بالجوع والفقر، وكأنه قد أصبح لديهم مناعة ذاتية لاإرادية ضد الكوارث والأزمات والمصائب والجوع والفقر”، مُفسراً كلامه ذلك بالقول: “عند النظر إلى ملامح السوري في الداخل، ضمن مناطق النزاع، ترى في وجوههم الفقر والبؤس والتعاسة، وسيستمر ذلك لغاية إيجاد حل لسوريا المستقبل، وفق القرارات الدولية، وخاصة قرار جنيف 2254”.

النظام السوري باع ثروات البلاد

وشدد الباحث الاقتصادي على أن “أغلبية السوريين بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وما يقارب من نصفهم يحصلون على تحويلات خارجية، من أجل تأمين الحد الأدنى من المعيشة”.

“فالنظام السوري مديون حالياً لإيران، بأكثر من 30 مليار دولار، ومديون لروسيا بعشرات المليارات من الدولارات، كما أنه باع ووضع كل ثروات البلاد بيد كل من روسيا وإيران، ولم يعد يملك قرار البلاد السياسي”، يشير “عليكا” ويتابع: “وبالتالي أصبحت البلاد تدار من قبل كل من روسيا وإيران”، مستخلصاً: “يبدو أن الأسعار في البلاد ستتجاوز الأسعار العالمية خلال الأشهر القادمة، ففي الوقت الذي لا يتجاوز فيه راتب الموظف الحكومي الـ20 دولاراً، يحتاج ذاك الموظف إلى ما يقارب الـ400 دولار، ليحقق الحد الأدنى من مستوى المعيشة”.

“طبعاً الليرة السورية مستمرة بالانخفاض/الانهيار، مقابل سلة العملات الأجنبية، ولا يمكن للنظام لا حالياً ولا في المستقبل القريب ولا البعيد، السيطرة على سعر الصرف”، يؤكد خورشيد عليكا” لـ”تارجيت”، ويستكمل: “فمصرف سوريا المركزي، فقد كل أدوات سياسته النقدية، كما أن وزارة المالية فقدت أدوات سياسته المالية، وبالتالي لم يعد لمصرف سوريا المركزي ولوزارة المالية، دور للسيطرة على الوضع النقدي في البلاد، وهذا يعني استمرار انهيار الليرة السورية، ويعني ارتفاع معدلات التضخم”.

ونوّه بالقول: حتى في حال رفع النظام السوري رواتب الموظفين، لخمسة أضعاف، لن تكفيهم لأكثر من أسبوع، ولن يكون هناك حلّ لوضع الموظفين المتفاقم”، مُختتماً: “المطلوب حالياً زيادة الإنتاج ودفع عجلة الإنتاج إلى الأمام ودعم السلع والمواد الغذائية، ولكن ما نعلمه حالياً، أن النظام يتجه لرفع الدعم بشكل مستمر وغير قادر على زيادة رواتب موظفيه، وهذا يعني مزيداً من التعقيد على صعيد الدخل والبطالة، وزيادة الخلل في ميزانية الأسرة بشكل جنوني”.

وفيما لا يزال رفع الدعم موضوعاً قيد الدراسة في دمشق، فإن السوريين في مناطق سيطرة الحكومة المركزية، يبدون الأضعف اقتصادياً، والأكثر حاجة إلى الدعم المادي، لكنهم رغم ذلك متروكون وحدهم في مهب الأسعار المرتفعة والغلاء الفاحش، ليواصلوا بذلك دفع الثمن الباهظ للحرب المُستعرة بالبلاد، وهي حال لن تجد ختاماً إلا عبر حل سياسي، يُرضي كل السوريين ويحقق أحلامهم وطموحاتهم، بوطن ديمقراطي، يتجاوز العقد الدينية الإثنية والطائفية.

قد يعجبك ايضا