كيف أفشلت المُقايضة المُتعثرة لإدلب بـشرق الفرات.. الاجتماع العشرين لـ”استانا”؟

بدأت محادثات “أستانا 20” حول سوريا، في العشرين من يونيو الجاري، في العاصمة الكازاخية أستانا، بمشاركة ممثلي الدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران إلى جانب وفد عن السلطة السورية الحاكمة في دمشق، وبالتزامن معها، شنت الطائرات الحربية الروسية غاراتها على مناطق في مدينة إدلب، الخاضعة لتنظيم هيئة تحرير الشام\جبهة النصرة، وهو ما دفع مراقبين للربط بين الحدثين.

وأصدر المشاركون في الجولة الـ20 لمباحثات أستانا بيانا ختامياً، أبرز ما جاء فيه، التأكيد على إعداد خارطة طريق لاستعادة العلاقات بين تركيا وسوريا بالتنسيق مع عمل وزارات الدفاع والخدمات الخاصة، والتأكيد على النهوض بهذه العملية على أساس حسن النية وحسن الجوار من أجل مكافحة الإرهاب.

كما نظروا “بالتفصيل في الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب”، وقالوا إنهم اتفقوا “على بذل المزيد من الجهود لضمان التطبيع المستدام للوضع”، مشددين “على الحاجة إلى الحفاظ على الهدوء “على الأرض” من خلال التنفيذ الكامل لجميع اتفاقات إدلب الحالية”.

المُعارضة المُرتهنة انتهت

وبالنظر إلى النقاط التي سلفت، فإن التطبيع بين دمشق وانقرة، يبدو بأنه سيحدث لا محالة، وإن طال زمن حصولها، وهو ما سيعني بشكل أو بآخر، إما نهاية آخر أحلام المعارضة السورية بالوصول إلى السلطة، أو المشاركة الشكلية فيها بضمانة تركية، وهو ما يبدو أنه أضحى أقصى أمنياتها، التي قد لا تتحقق أيضاً.

ووفق مراقبين، لا تستطيع المُعارضة السورية التي تتخذ من تركيا مقراً ومستقراً لها، أن تؤثر في أي شيء يخص الوضع السوري، عقب أن أفلتت الأوراق من أيديها، وتحولت إلى طرف مرتهن للمصالح الخارجية، لتضحى تحركاتها عديمة التأثير.

كما يرى مراقبون كثر، أن الأوان قد فات عليها، في ظل عجزها عن اللعب في الوقت المستقطع، وهو ما دفع تركيا، لمفاوضة السلطة في دمشق، مع اهتمام أنقرة بمصالحها مع سلطة دمشق والدول العربية، وهو ما يتطلب تخليها عن المُعارضة السورية، وخاصة تنظيم الإخوان المسلمين، المُصنف على اللوائح السوداء في الكثير من الدول العربية، الأمر الذي تحقق بصورة ما، في الحالة المصرية.

صفقات روسيا وتركيا مستمرة

وبخصوص تزامن اجتماع استانا وعودة الطائرات الحربية الروسية إلى أجواء إدلب، وتصعيد تركيا لقصفها على مناطق شرق الفرات، والعلاقة بين هذه الأحداث، أوضح الكاتب والسياسي السوري المُعارض، علي الأمين السويد، في تصريح لـ”منصة تارجيت”، إن “القصف التركي على مناطق شرقي الفرات، رسالة تركية تخص المجتمعين في أستانا، تقول بأن أنقرة مُصممة على احتلال الشمال السوري، بحجة إبعاد حزب العمال التركي، عن حدودها”.

وأكمل: “تذكّر الرسالة روسيا، التي على ما يبدو بأنها تعهدت لتركيا بمساعدتها على احتلال الشمال السوري فيما مضى، ولم تفعل شيئاً حيال الضغط على الإدارة الذاتية لتسليم المناطق الشمالية للاحتلال التركي، وعليه تريد تركيا أن تقوم روسيا بترجمة وعدها إلى واقع، وإلا فلن تقوم تركيا بما تريده منها روسيا، وهو الانسحاب من جبل الزاوية غرب الفرات، والمساهمة في تسليم الــ M4 للنظام السوري”.

أردوغان والأسد حليفان

وبخصوص حديث المشاركين في الجولة الـ 20 لمباحثات أستانا، عن إعداد خارطة طريق لاستعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، وما يعنيه ذلك للمعارضة السورية، إن كان تحييداً لها، أو إجبارها على الانخراط في تلك العملية تحت الضغط التركي، فقد ذكر الكاتب والسياسي السوري المعارض: “اليوم لا توجد مُعارضة سورية رسمية وشرعية تمثل الشعب السوري الثائر ضد نظام الأسد، الذي لم تبقى صفة اجرامية ولم يتم وصفه بها، من قبل جميع دول العالم المُتحضر”.

واستطرد: “ما يوجد اليوم، هو عبارة عن مرتزقة يأتمرن بأوامر الاحتلال التركي، ويطلقون على أنفسهم تسميات توحي بأنهم سوريين، وينتمون للثورة، مثل الجيش الوطني والحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والهيئات المتفرعة عنه، وهم حقيقةً عبارة عن مرتزقة، يعملون بالأجرة، ويحمل قادتهم الجنسيات الأجنبية”.

مؤكداً: “هذا الصنف من المعارضة الشكلية ليس لها موقف، فمصلحتهم مع مصلحة ممولهم وولي نعمتهم، وإن تمت المصالحة الشكلية بين نظام الأسد ونظام أردوغان، سنشاهد احتفالاتهم بهذا الصلح”، و”أقول مصالحة شكلية، لأن أردوغان والأسد ليسا خصمين، وإنما حليفان بدليل أن أردوغان ساعد الأسد على استعادة سيطرته على سوريا، من خلال تدجينه لما كان يسمى المعارضة السورية”، حسب الكاتب “علي الأمين السويد”.

المُقايضة المُتعثرة

وكان لافتاً في البيان الختامي لاجتماع أستانا، حول الوضع في إدلب، بأنهم اتفقوا “على بذل المزيد من الجهود لضمان التطبيع المستدام للوضع”، مشددين “على الحاجة إلى الحفاظ على الهدوء “على الأرض” من خلال التنفيذ الكامل لجميع اتفاقات إدلب الحالية، وهو ما يوحي لقارئ الفقرة، بأن أطراف أستانا راضية عن وجود التنظيمات الإرهابية المتمثلة في “جبهة النصرة” وأخواتها، في المحافظة الشمالية الغربية، وبالتالي تسعى للتطبيع المستدام فيها.

وحول ذلك، أشار الكاتب والسياسي السوري المعارض، علي الأمين السويد لـ”تارجيت” إلى “فشل الاجتماع في تقديم أي شيء للأطراف المشاركة، فما تريده روسيا وسوريا من تركيا بخصوص إدلب، تربط تركيا منحه لهما بما تريده من شرق الفرات”.

مردفاً: “أي أن المُقايضة مُتعثرة، بسبب عجز روسيا عن تقديم أي شيء لتركيا، لذلك اتفق المجتمعون على إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، وهذا أمر حقيقة لا يزعج أحداً من الأطراف، فالنظام السوري لا يريد الشمال السوري بسكانه الذين ينقمون عليه، ويطالبون بإسقاطه ومُحاكمته، بعكس قادة الفصائل المُرتزقة والفصائل الإرهابية، التي ليس لها أية مُشكلة مع النظام”.

منذ زمن بعيد.. استانا انتهت

أما حيال تأكيد المشاركين في اجتماع أستانا، على “أن الصراع السوري ليس له حل عسكري”، وزعمهم “التزامهم بالنهوض بعملية سياسية وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254″، وما يعنيه ذلك، فقد نوه الكاتب والسياسي السوري المُعارض إلى أن “المُباحثات وصلت إلى نهايتها، ليس اعتباراً من الاجتماع العشرين، وانما منذ أخذ مناطق النفوذ والسيطرة شكلها الحالي، في الشمال السوري”.

وأكمل: “لذلك نلاحظ أن الاجتماعين الأخيرين لم يأتيا بأي نتيجة تستحق الذكر على الأرض، وهذا ما دعا الدولة المُضيفة لإعلان انتهاء المسار، فلا فائدة من الاجتماعات المحسوبة على الدولة دون نتائج حقيقة”، مُختتماً بالقول: “أما الحديث عن أن الصراع السوري ليس له حل عسكري، والنهوض بالعملية السياسية وفق 2254، فهي عبارة عن حشوات كلامية لملء البيان الختامي الذي خلا من أية أهمية تذكر”.

ليبقى السؤال الأهم، هو بأي طريقة يمكن لأطراف استانا الأربعة، التفاهم الآن على تقاسم وتوزيع مناطق النفوذ، في ظل مواصلة حشد الولايات المتحدة للسلاح والمعدات في مناطق “قوات سوريا الديمقراطية”، والتي تبدو رسالة أمريكية، بأن وجودها مُستقر هناك إلى حين، ما قد يعني تحول المُهادنة بين أطراف استانا إلى مواجهة، مع اخفاقها في تحقيق مكاسب بلغة الدبلوماسية.

قد يعجبك ايضا