“قَرَار لَا يُمْكِن التَّراجع عَنْه”.. مُسَاندَة سُرْيانيَّة لِقرار مُحَاكمَة الدَّواعش بـ”شَمَال سُورْيَا”
استيقظ القاطنون في مدينة رأس العين\سريه كانيه، شمال شرقي سوريا، والتي احتلتها تركيا في أكتوبر العام 2019، بموجب ما سمي بـ”عملية نبع السلام”، على خبر فرار سجناء تنظيم داعش الإرهابي، من جنسيات مختلفة.
وأكدت مصادر محلية في الثامن عشر من يونيو الجاري، هروب 25 سجيناً ينتمون لداعش من السجن التابع لما يسمى “الشرطة العسكرية”، وجاء هروب السجناء عقب ساعات من مغادرة قرابة 40 عائلة من عوائل تنظيم “داعش” الذين يحملون الجنسية العراقية بينهم نساء وأطفال، لمنطقة رأس العين\سريه كانيه، وتل أبيض الواقعتين تحت سيطرة الجيش التركي، باتجاه داخل الأراضي التركية، عبر المعبر الحدودي في رأس العين، وهو ما رفع الشكوك من أن عملية تهريب السجناء، “مُدبرة”.
إلقاء قبض وهمي على الدواعش
بدوره، عقب رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، على الواقعة، وأكد قيام “الشرطة العسكرية بعملية إلقاء القبض وهمية على الفارين، بينما الواقع الفارين جرى تهريب 13 منهم إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
وذكر أن عملية الاعتقال جاءت للقول بأن القوات التركية تلقي القبض على عناصر تنظيم “داعش”، مؤكداً في الوقت عينه أن “هؤلاء هم أساساً موجودون في تلك المنطقة، من الجنسية العراقية، ليسوا عناصر عاديين، حيث كانوا يعيشون في كنف “الجيش الوطني” أسوة بالذين لا يزالون داخل “الجيش الوطني”، وكانوا سابقاً مقاتلين في التنظيم بمحافظة دير الزور”.
كما نوّه مدير المرصد السوري إلى أن الذين جرى تهريبهم إلى داخل مناطق “قسد”، من أجل تنفيذ عمليات عسكرية ضد “قسد”، تنفيذاً للمصالح التركية والفصائل الموالية لها، وهذه الخطوات تأتي لزعزعة أمن واستقرار مناطق “ٌقسد” تزامناً مع التصعيد التركي.
الإدارة الذاتية بين سندان أنقرة ومطرقة داعش
وعقب يومين من فرار الدواعش، واصلت أنقرة استهداف مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وفي السياق، استهدفت في العشرين من يونيو الجاري، طائرة مسيرة تركية، سيارة لمسؤولين في الإدارة الذاتية، ما أودى بحياة الرئيسة المشاركة لمجلس مقاطعة القامشلي “يسرى درويش”، ونائبتها “ليمان شويش”، وسائقهم “فرات توما”، فيما أصيب الرئيس المشارك للمجلس “كابي شمعون”.
الاستهداف دفع طلعت يونس، الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لإقليم الجزيرة، لاتهام أنقرة، بأن هدفها من “التصعيد هو دعم خلايا تنظيم داعش ومحاولة إحيائه، من جديد، خاصة بعد إعلان الإدارة الذاتية، بدء محاكمة عناصر داعش”.
وبالفعل، فقد وجدت خلايا داعش في الضربات التركية، متنفساً، فنفذت في ذات اليوم، عملية استهداف عدى، طال أحدها موظفاً في الإدارة الذاتية، في بلدة الدحلة بدير الزور، شرقي سوريا، وأودت حياته.
وبالتوازي، عرض المرصد السوري، تقريراً أكد عبره، أن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، تشهد منذ مطلع يونيو الجاري، تصاعداً لافتاً بعمليات خلايا تنظيم “داعش” بالتزامن مع التصعيد التركي، إذ رصد المرصد 13 عملية نفذتها خلايا التنظيم، تمت عبر استهدافات وهجمات مباغتة، أسفرت عن مقتل مدنيين اثنين، و8 من العسكريين.
ملجأ آمن لقادة تنظيم داعش
وللتعقيب على الضربات التركية الأخيرة، ونشاط خلايا داعش، التقت “منصة تارجيت” بـ”سنحريب برصوم” الرئيس المشترك لـ”حزب الاتحاد السرياني” في سوريا، والذي تحدث بداية حول فرار الدواعش من سجن المليشيات السورية التابعة لأنقرة في رأس العين\سريه كانيه، فقال: “تركيا لا تستطيع إقناع العالم والسوريين، بأنها حاربت تنظيم داعش، بل على العكس هي كانت داعمة لهم”.
وأكمل: “لسنوات كانت داعش على حدودها، ولم تصرح يوماً أن هناك تهديداً لأمنها القومي، ولكن عندما بدأت قوات سوريا الديمقراطية وبالتعاون مع التحالف الدولي بتحرير المناطق من داعش، وجدنا كيف أن تركيا هبت لمحاربة داعش، وما حصل كان مسرحية بإخراج ضعيف، واستلام وتسليم من داعش إلى الفصائل المرتبطة بتركيا، حيث خلال ساعات سيطروا على عدة مناطق مثل جرابلس والباب وغيرها”.
وحول الأنباء عن وصول الدواعش الفارين من سجن المليشيات التابعة لأنقرة في رأس العين، إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، رأى الرئيس المشترك لـ”حزب الاتحاد السرياني”، بأن “تركيا تسعى دائماً الى ضرب الاستقرار بمناطق الإدارة الذاتية بمختلف الأساليب، ومنها تحريك خلايا داعش، وأحداث سجن غويران، كان لتركيا دور خفي فيها، لذلك لا يمكن أن نستغرب من إرسال الدواعش إلى مناطقنا واستعمالهم خدمة لأجنداتها، حيث أن المناطق المحتلة من قبل تركيا، ملجأ آمن لقادة تنظيم داعش”.
الدواعش ضمن ميليشيات “الجيش الوطني”
“كثير من الدواعش وقادتهم أصبحوا ضمن ميليشيات الجيش الوطني أو غيرها، المرتبطة بتركيا”، يؤكد “سنحريب برصوم” لـ”تارجيت”، ويتابع: حتى أذا دققنا في فكر وايديولوجية الكثير من الفصائل، هم لا يختلفون عن داعش، لكن جرائمهم لا تعرض على الشاشات، كما كان داعش يتقصد نشرها”.
ولفت: “مشكلتنا مع دعم النظام التركي لمثل هكذا فصائل، وإتباع سياسة تغيير الأسماء الفصائل، حيث مع تغيير الاسم، لا يمكن الاقتناع أن الإرهابي أصبح وطني أو معتدل”، مُستدركاً: “قد يكون قسم قليل من السوريين يقتنع بهم أو مُجبر على الاقتناع بهم، لكن غالبية السوريين تتضرروا من تلك الميليشيات المرتزقة، ولا يمكن تدويرهم وتجميل صورتهم”.
قرار لا يمكن التراجع عنه
وعقب استهداف مسيرة التركية لسيارة مسؤولي الإدارة الذاتية، والتي أودت بحياة الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة القامشلي ونائبتها وسائقهما، واتهام الإدارة الذاتية، أنقرة، بإن تصعيدها يهدف لمنع محاكمة الأجانب من عناصر تنظيم داعش، وجد “سنحريب برصوم” أن “الإدارة الذاتية منذ سنوات تطالب المجتمع الدولي بتشكيل محاكم للدواعش، ولكن لا آذان صاغية، وتوجد عدم مبالاة، وكل ما فعلته دول التحالف الدولي بعد أحداث سجن غويران، كان دعم السجون وزيادة حمايتها”.
وأستطرد: “الآن الإدارة الذاتية أعلنت عن تشكيل المحاكم والبدء بها، وهو قرار لا يمكن التراجع عنه، مهما بلغت الضغوط الدولية أو التركية”، مشدداً: ” جميعنا تتضرر من هذا التنظيم، ولابد لهم من أن ينالوا القصاص العادل بحقهم، ومن حقنا معرفة كل من تورط في دعمهم وكشفه للعالم أجمع”، قائلاً: “هناك إبادات بحق شعوب المنطقة ارتكبها هذا التنظيم، ولابد من أن تخرج الحقائق للعلن، وهو أبسط ما يمكن تقديمه لشعوبنا وشعوب العالم”.
قد تخلق صراع جديد وواسع
أما حيال الموقف الدولي الذي لا يزال ملتبساً، وغير حاسم في وجه التدخلات التركية، فقد استدرك الرئيس المشترك لـ”حزب الاتحاد السرياني”، بالإشارة إلى انهم ينتظرون من “الجميع أخذ مواقف رادعة للعدوان التركي على مناطق الإدارة الذاتية”، متابعاً: “ولكن حتى الآن، نجد غض نظر بخصوص المسيرات التركية التي تزرع الموت والقلق بحق المدنيين بالمنطقة”، وسرد لـ”تارجيت”: “بالنسبة للنظام السوري وروسيا، لديهم قنوات اتصال مع تركيا وتعاون أمني بينهم، ولهم هدف مشترك هو ضرب مشروع الإدارة الذاتية”.
و”بخصوص أمريكا وهي ذات مصلحة كبيرة في ضمان استقرار المنطقة، وعدم حصول أي صراع جديد بين تركيا وقسد”، يقول “برصوم”، لافتاً: “الاعتداءات التركية قد تخلق صراع جديد وواسع، لذلك هي يجب أن تنطلق من مصلحة المنطقة، نحو إيقاف التصعيد الحاصل، والذي من الممكن أن يأتي لمصلحة داعش، إذ من الممكن أن يتنشط أكثر في مثل هكذا ظروف”.
وختم حديثه لـ”تارجيت” بالقول: “هناك أطراف أخرى سوف تستفيد، وكلها على عداء مع الإدارة الذاتية، والأفضل أن تلعب أمريكا دور الوساطة في خلق الظروف المناسبة لتفعيل الحوار، وتغليبه على الحلول الأمنية والعسكرية بين الطرفين”.
وعليه، تُجمع مكونات مناطق شمال وشرق سوريا، بمختلف خلفياتها الإثنية والدينية، والذين كانت أرضهم مسرحاً لعمليات تنظيم “داعش” الإرهابي، على أحقيتهم في مُحاسبة الجُناة، وفضح من ساندهم علانية أو سراً، فيما لن يُعيق تلك العملية، إلا من كان سنداً ومُخططاً للإرهابيين، في تنفيذ جرائمهم.