شنت المقاتلات الحربية الروسية، صباح 20 يونيو الجاري، غارات جوية على مدينة إدلب، ما أسفر عن تدمير أربعة مواقع عسكرية لتنظيم “هيئة تحرير الشام”، وسط تحليق مكثّف لطيران الاستطلاع والحربي الروسي في أجواء المنطقة، فيما قالت مصادر عسكرية في المعارضة السورية أن الغارات استخدمت صواريخ فراغية شديدة الانفجار.
جرى ذلك بالتوازي مع قصف جيش حكومة دمشق بالمدفعية، محيط الأتارب وكفرعمة والقصر غرب مدينة حلب، بجانب تعزيزه مواقعه في منطقة الشهباء بريف حلب الشمالي، بالدبابات والمدرعات والمدفعيات الثقيلة.
تحذيرات من القادم..
وفي خضم ذلك التصعيد العسكري، أصدرت منظمة “منسقو استجابة سوريا”، في 22 يونيو الجاري، بياناً قالت فيه أن التصعيد زاد مخاوف المدنيين، وأنها سجلت حركة نزوح لعشرات العائلات في المنطقة باتجاه مناطق آمنة بعيدة عن خطوط التماس، كما أكدت أن المنطقة غير قادرة على استيعاب موجات النزوح المستمرة.
بينما أكّد الدفاع المدني السوري هو الآخر، أن تصعيد قوات حكومة دمشق روسيا على شمال غربي سوريا، خلّف قتلى بينهم أطفال، معتبراً أن الهجمات استمرار لسياسة النظام وحلفائه في قتل المدنيين، وحربهم المستمرة لسنوات، دون رادع، وبين أن الهجمات تستمر في ظل ظروف صعبة يعانيها المدنيون في مناطق شمال غربي سوريا، بعد طول سنوات الحرب والزلزال الأخير.
الأتراك يحشدون عسكرياً..
إلى ذلك، أرسلت القوات التركية، في الواحد والعشرين من يونيو، رتلاً عسكرياً ضم معدات لوجستية وعسكرية إلى شمال غربي سوريا، احتوى أكثر من 10 آليات عسكرية ولوجستية ومدرعات، اتجهت إلى النقاط التركية في جبل الزاوية بالقرب من طريق M4 جنوبي إدلب.
ويزيد عدد القواعد والنقاط العسكرية التركية المنتشرة على جبهات إدلب الشرقية والجنوبية وصولاً إلى ريف حماه، عن 23 نقطة وقاعدة في مواقع تشرف على طريقي الـ m4 والـ m5 الاستراتيجيين، لكنها لا تحرك ساكناً أمام القصف الذي تتعرض له المنطقة، وهو ما يثير الشكوك حول حقيقة دورها، في ظل الاتهامات التي تطالها بعقد الصفقات على حساب أبناء المنطقة، مقابل الحصول على مكاسب من روسيا في شمال وشرق سوريا، حيث سيطرة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية
فيما تشدد مصادر حكومة دمشق على “أولوية إنهاء الاحتلال التركي والانسحاب من سوريا، إذ قالت مصادر لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية، إن دمشق لا تريد من اجتماعات الاستانا، استعادة المفردات أو التأكيد على مواقف كان سبق الإشارة إليها بعنوانها العريض، ونقلت الجريدة أن “الإشارة إلى التزام الأطراف بوحدة سوريا وسيادة أراضيها يجب أن تترافق مع التأكيد على إنهاء الاحتلال التركي والإعلان بوضوح عن استعداد تركيا للانسحاب من الأراضي السورية”.
التصعيد العسكري واجتماع الاستانا..
وتزامن التحرك العسكري لقوات حكومة دمشق وروسيا، على شمال غرب سوريا، مع الجولة العشرين من مباحثات مسار أستانا التي جرت يومي 20 و21 يونيو، وهو ما رفع من تخمينات ارتباط الحدثين ببعضيهما، وللحديث حول ذلك، التقت “منصة تارجيت” مع “أبو عمر الإدلبي” قائد “لواء الشمال الديمقراطي” المنضوي ضمن “قوات سوريا الديمقراطية”، والذي قال حول تزامنهما، بأنها “دائماً تكون مبررات التغيير الديمغرافي على الأراضي السورية”.
وشرح “أبو عمر” معنى حديثه فقال: “من خلال الأعمال والاستفزازات العدوانية التي تمارسها دول مسار آستانا عبر أدواتها على الأرض، التي تسبق أو تواكب، جولاتها العشرين المنعقدة منذ العام ٢٠١٧ وحتى حزيران الحالي ٢٠٢٣، تكون تلك الممارسات العدوانية والتي تستهدف مكونات شعبنا، مقدمة لتبرير أعمال عسكرية تتبعها، ويكون من نتائجها تنفيذ انسحابات، تُحقق الخطط الموضوعة مُسبقاً من دول محور آستانا، والتي تدفع أثمانها الباهظة، مكونات شعبنا، من ضحايا، وتهجير قسري، وما يتبعها من خسارة الممتلكات والأرزاق، وبذلك يطول عمر الأزمة السورية وتزداد مُعاناة السوريين، في ظل تقاعس المجتمع الدولي ومنظماته عن تنفيذ القرارات الدولية للحل السياسي في سوريا، وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن 2254”.
أولويات دمشق للسيطرة ضمن إدلب..
وحول احتمالات أن يكون التصعيد في شمال غرب سوريا، تمهيداً لتسليم إدلب إلى قوات حكومة دمشق، أوضح “الإدلبي”: “حسب اطلاعنا على التحركات العسكرية لدولة الاحتلال التركي والنظام السوري، وبموجب معرفتنا بطبيعة المناطق جغرافياً كوننا من أبناء المنطقة، وربطاً مع مسارات التحركات العسكرية على الأرض، فإن أنظار دمشق مبدئياً، تتجه نحو معبر باب الهوى وطريق حلب-اللاذقية M4 بما يمثلانه من أهمية اقتصادية محلية وإقليمية، خصوصاً بعد التطبيع العربي مع دمشق، ورجوع سوريا لمقعدها المجمد في الجامعة العربية”.
واستدرك: “بينما دولة الاحتلال التركي، تريد السيطرة على كامل الشريط الحدود التركي-السوري، من خلال احتلاله بعمق يصل حتى ٣٥ كم، لتُقيم ما أسمته سابقاً الحزام الأمني، ونحن من خلال بيان لقوات سوريا الديمقراطية، كشفنا مخططهم قبل حتى أن يصرح رئيس دولة الاحتلال التركي بذلك، في العام الماضي”، ونوه إنه لذلك تُقيم تركيا، حالياً مستوطنات تستوعب ما سيتم تهجيره لاحقاً من السوريين في المناطق التي سيجري إجراء صفقات عليها في شمال غرب سوريا.
أردوغان والتنصل من وعوده..
واستتبع: “ذلك ما أعلن عنه رئيس دولة الاحتلال التركي بشكل واضح، أثناء حملته الانتخابية الأخيرة، لكن تحدث عن سبب واحد لذلك، وهم مَن سيتم ترحيلهم قسراً من مُخيمات اللجوء التركية، دون تطرقه إلى مَن سيتم إجبارهم على النزوح والتهجير، جراء عدوان من داخل المناطق السورية، إلى مناطق ما يسميها الحزام الأمني، الذي يتبناه أردوغان ويعتزم تنفيذه، خلال فترته الرئاسية الجديدة والممتدة لخمس سنوات قادمة”.
ولفت قائد “لواء الشمال الديمقراطي” إلى أن “شهوة أردوغان بالحكم، وأطماعه للبقاء على كرسيه، ما بين رئاسة الوزراء والدولة لتمتد إلى ثلاثة عقود، جعلته يقدم تصريحات مبالغ فيها، تسترضي النظام السوري والناخب التركي معاً، حول إنهاء أزمة اللاجئين السوريين، من خلال إنجاز حل سياسي بتقاربه مع دمشق، وبذلك تنتهي الأزمة السورية، ما سينهي أسباب لجوء السوريين إلى تركيا، حسب زعمه وتفنيده”.
مشيراً إلى أن “حكومة دمشق، وبناء على السقف المُرتفع لتصريحات أردوغان، وضعت شرط الانسحاب التركي أولوية لديها لأي تقارب مع حكومة أنقرة، ومع انتهاء الانتخابات الرئاسية التركية، وتكريس حكم أردوغان واستمرار بقاءه لخمس سنوات جديدة، بدأ أردوغان بالتنصل من وعوده وتصريحاته، وتلك سياسة خبيثة أصبحت معروفة للجميع، ولا تنطلي إلا على أتباعه من تنظيم الإخوان الإرهابي في المنطقة، والمرتزقة السوريين، من الفصائل العسكرية المتطرفة، والمعارضة الوطنية المرتهنة لخدمة أطماع أردوغان في سوريا والشرق الأوسط”.
ووفق أبو عمر الادلبي” فإن التناقض يسود المشهد بين أنقرة، دمشق وموسكو، إذ تطالب دمشق بإعلان خريطة انسحاب تركي من كافة الأراضي السورية، لكي تطبع العلاقات مع انقرة حسب ما تصرح، فيما تطالب أنقرة باحتلال كامل الشريط الحدودي، لتنهي ملف اللاجئين السوريين، حسب ادعاءاتها، بينما تسعى موسكو لتطبيق خريطة طريق اقترحتها للتطبيع بين الطرفين.
تنافر المصالح بين دمشق وأنقرة وموسكو..
بيد أن الطريق للمصالحة والتطبيع بين دمشق وانقرة، ليس مُمهداً كما قد يخيل البعض، إذ كشف قائد “لواء الشمال الديمقراطي” لـ”تارجيت”: “لا بد أن نشير، بأنه ورغم الجهود التي بذلتها روسيا للتقريب بين أنقرة ودمشق، إلا أنها واجهت بعد الانتخابات التركية، تنافراً متزايداً في المواقف والمصالح بين الطرفين”.
“لكن، في المشهد السوري المعقد والمتشابك، هناك الولايات المتحدة، والتي قامت عبر التحالف الدولي بتدعيم وجود قواعدها العسكرية في شمال وشرق سوريا، واستمرار إرسالها قوافل الإمداد العسكري واللوجستي لهذه القواعد، وتكثيف تدريباتها العسكرية مع قواتنا العسكرية من أجل مواجهة الإرهاب، والمخاطر والتحديات، في سوريا والشرق الأوسط”، يردف أبو عمر لـ”تارجيت”.
ويستكمل: “كذلك جاء نشر الولايات المتحدة لأسراب من طائراتها المتفوقة عسكرياً في المنطقة، لمواجهة كافة الأخطار المحلية والإقليمية من التنظيمات الإرهابية والطائفية العابرة للحدود والتي تدعمها إيران، فيما حملت زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة مطلع يونيو الحالي، إلى المملكة العربية السعودية، وعقده اجتماعات مع القيادة السعودية وقمة مع دول مجلس التعاون الخليجي، وقمة وزراء خارجية دول التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، أكدوا خلالها عبر البيانات التي صدرت عن تلك القمم، على بند أساسي يخص القضية السورية، من خلال التأكيد أن الحل السياسي والشامل في سوريا يمر عبر قرار مجلس الأمن الدولي 2254”.
وعليه، “أعادت الولايات المتحدة الملف السوري إلى المسار الصحيح، بعد التطبيع العربي واللجنة الرباعية، حيث حاولت روسيا والعرب، تجاهل القرار ٢٢٥٤، والاكتفاء بالمسارات العربية والإقليمية، لتحقيق مصالحها الخاصة، وتجاهل حقوق وتطلعات شعبنا السوري المحقة، والعادلة”، حسب “الإدلبي”.
الخلاف التركي الإيراني حول “تل رفعت”..
أما حول الدور الإيراني في التصعيد شمال غرب سوريا، فقد لفت الإدلبي لـ”تارجيت” إلى أنها ورغم كونها أحد دول آستانا واللجنة الرباعية، لكنها على “خلاف حول مدينة تل رفعت، التي تسعى تركيا لاحتلالها، وترفض إيران بشكل خاص ذلك، لحماية قرى نبل والزهراء، لتوجهات مذهبية، من أن تكون في مواجهة مع مرتزقة تركيا”.
وشدد قائد “لواء الشمال الديمقراطي”، على أنه “مالم يتم تطبيق الحل السياسي في سوريا وفق المرجعية الدولية، والتوجه الوطني، والمشروع الديمقراطي، فستبقى سوريا ساحة لتنازع المصالح وتسوية الحسابات الإقليمية والدولية، وستطول معاناة شعبنا لسنوات أخرى”.
مُختتماً بالقول: “لذلك، ندعو كافة مكونات شعبنا للحوار الوطني السوري-السوري القائم على مرتكزات أساسية تشمل، تحرير أراضينا من كافة قوى الاحتلال، وانهاء التنظيمات المتطرفة والإرهابية، وتطبيق الحل السياسي الشامل الذي يضمن حقوق جميع مكونات شعبنا، ويحقق تطلعاتهم وأهدافهم الوطنية، وفق قرار مجلس الأمن 2254”.
وعليه، لا تزال مُخرجات الاستانا، خاصة “السرية” منها، بحاجة إلى تطبيق عملي، ليدرك السوريون ما تواقفت عليه الأطراف الأربعة، رغم أن العلني منها أيضاً، حمل الكثير من المحاذير التي يبدو بأن سوريين جُدد قد يدفعون ثمنها، حتى تترسخ مصالح أطراف استانا، إلا إن تدخلت إرادة دولية أكبر وأفرغت محتواها.