المسيرات التركية تصعد شمال وشرق سوريا.. ماذا وراء ذلك؟

القامشلي

بموازاة الجهود الإقليمية والدولية الرامية لإيجاد مقاربات تقود إلى حل نهائي للأزمة السورية، واستمرار محادثات التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق، تتواصل الهجمات التركية على مناطق شمال وشرق سوريا خاصةً عبر الطائرات المسيرة، وبوتيرة أعلى منذ إعادة انتخاب رجب أردوغان رئيساً لتركيا قبل نحو شهر، ما يسفر دائماً عن سقوط ضحايا مدنيين وعسكريين وأضرار مادية كبيرة بالممتلكات.

آخر تلك الهجمات كان عبر طائرة مسيرة استهدفت سيارة بريف القامشلي الشرقي، ما أسفر عن فقدان الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة القامشلي يسرى درويش، ونائبة الرئاسة المشتركة للمجلس ليمان شويش وسائقهما لحياتهم، وذلك بعد نحو أسبوع على فقدان ستة أشخاص لحياتهم بقصف مسيرة تركية على ريف منبج، بالتزامن مع استهداف آخر في ريف كوباني أسفر عن فقدان أربعة من وحدات حماية الشعب لحياتهم.

ويعيد استهداف الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة القامشلي ونائبتها، إلى الأذهان مجدداً جريمة اغتيال الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف على يد فصيل “أحرار الشرقية” التابع لتركيا إبان الهجوم العسكري على مدينتي رأس العين وتل أبيض عام ألفين وتسعة عشر، ما يثير التساؤلات عن استمرار الاستهداف التركي الممنهج لشخصيات سياسية، تعمل في المؤسسات المدنية بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وليس لها أي ارتباطات عسكرية.

هجمات المسيرات التركية، تترافق مع قصف بري مكثف يطال القرى والبلدات المحاذية للمناطق المحتلة شمال وشرق سوريا، في تصعيد قديم جديد في المنطقة، بدأ قبل احتلال عفرين عام ألفين وثمانية عشر مروراً باحتلال رأس العين وتل أبيض عام ألفين وتسعة عشر ولا يزال مستمراً، إلا أنه وتيرته زادت بشكل ملحوظ مؤخراً، ليأتي متوافقاً مع توجهات أنقرة بتوسيع النفوذ واحتلال أراضي جديدة داخل سوريا، ورفض الانسحاب من المناطق التي احتلتها سابقاً.

لكن هذا التصعيد يأتي بالتزامن مع انطلاق جولة جديدة مما يعرف بـ”محادثات آستانا” بشأن سوريا بالعاصمة الكازاخية أستانا، بمشاركة نواب وزراء خارجية كل من سوريا وتركيا وإيران وروسيا، ما يفهم على أنه محاولة أنقرة إيصال رسائل للأطراف الثلاثة الأخرى، لعقد تسويات وصفقات جديدة، تقود لرسم خارطة السيطرة بالمنطقة، على غرار أخرى مشابهة كان يتم التوصل إليها بين هذه الأطراف في أعقاب أي اجتماع من محادثات “سوتشي أو أستانا السابقة”.

 

فشل السياسات التركية في المنطقة

ويقول رئيس منظمة كرد بلا حدود كادار بيري في هذا السياق: “إن الهجمات التركية لن تتوقف إلا إذا كان هناك حل شامل للحالة السورية، أو أن يكون هناك تغيير ديمقراطي حقيقي بالسياسة التركية وهذا الأمر مستبعد، ويمكن تصنيف الهجمات التركية في إطار عدة بنود أحدها أنه كانت لها أطماع وأحلام بأن تأخذ أجزاء من سوريا لكن فشل تلك السياسات بفضل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وقواها المقاتلة على الأرض لذلك دائماً في قصفها يكون هناك نوع من الانتقام، إلى جانب محاولة إرضاء الداخل التركي نظراً للوضع الاقتصادي السيء، في ظل حالة الحقد والفوبيا ليس فقط لدى الساسة الأتراك وإنما ما تم زرعه بعقول عامة الشعب التركي، فهم عن طريق القصف يحاولون إرضاء الداخل أو إيصال رسائل بأنهم مشغولون بحرب وأن هناك خطر على الأمن القومي التركي وكل هذه ادعاءات لا أساس لها من الصحة، يضاف إلى ذلك محاولة زرع حالة من الرعب والخوف لدى سكان المناطق المستهدفة وخلق حالة عدم استقرار ويكون لديهم قابلية للرحيل خوفاً من أي قصف أو هجوم، ومن أجل أن تتحرك خلايا داعش الإرهابي، وإضافة إلى كل ما سبق فإن القصف الأخير هو محاولة إيصال رسائل للنظام السوري وروسيا وإيران بأن تركيا ماضية بمحاربة الشعب الكردي ومحاربة المكون الديمقراطي الناشئ الفتي بالمنطقة.

استهداف ممنهج لمشروع الإدارة الذاتية

ويضيف بيري في حديث لمنصة تارجيت: “أن القصف التركي له ارتباط بالاجتماعات التي انتهت مؤخراً بآستانا، هو رسالة تركية للأطراف الأخرى بأن لا يكون لها أي طرح آخر، حيث أن تركيا وبعد أن فشلت جميع سياساتها أصبح همها الأول هو كيفية القضاء على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، وكأنها ترسم الخطوات التي سيتم الاتفاق عليها، وهو ما ظهر في نتائج الاجتماع الرباعي السيء الصيت، حيث أن جميع بنوده تصب بخانة واحدة هي الاتفاق وكيفية محاربة قوات سوريا الديمقراطية، من أجل يكون هناك حوار وتنسيق وإعادة علاقات علنية علماً أن الخفية منها على شكل أمني واستخباراتي لم يتوقف منذ بدء الأزمة السورية، والمقابل الذي سيدفعه التركي هو لصالح الروسي والإيراني في حلفهم الجديد وأن يكون هناك تسويات في أكرانيا سواءً فتح المضائق البحرية أو غيرها مقابل فتح الأجواء أمام الطيران التركي، أو صفقات تجارية مثل ملف الغاز أو القمح الأوكراني، أي أن تركيا تكسب في سوريا وروسيا بأوكرانيا”.

 

الإدارة الذاتية تندد بالهجمات التركية وتدعو لوقفها

الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من جانبها، قالت في بيان: “إن تركيا لم تتوان يوماً عن ضرب واستهداف المدنيين والبنى التحتية في مناطق الإدارة الذاتية، منذ اندلاع الأزمة السورية وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي، سواءً بشكل مباشر أو عبر أذرعها من التنظيمات الإرهابية كداعش وأخواتها، بهدف إيجاد أرضيات لاستدامة الحرب والصراع بين مكونات المنطقة، وبالتالي الإبقاء على حالة الاحتلال لمناطق من شمال وشرق سوريا وممارسة سياسة التغيير الديمغرافي، وارتكاب الجرائم التي ترتقي بمعظمها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفق ما أكدت تقارير منظمات حقوقية وإنسانية دولية”.

بيان الإدارة الذاتية، اعتبر “أن التصعيد التركي الكبير مؤخراً إنما يدل على وجود تفاهمات وسياسات مشتركة بين مجموعة “أستانا” والحكومة التركية، حيث أن الاستمرار في سياسات التصعيد تجاه شعوب شمال وشرق سوريا، يعتبر استراتيجية متبعة من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا قبل الانتخابات وبعدها، كما أنه من الواضح أنها ستستمر في سياسات الإبادة والحرب بكافة أشكالها لزعزعة الاستقرار بالمنطقة، متذرعة بحجج واهية ومنافية للحقيقة”، على حد تعبير البيان.

 

تسويات وصفقات مشبوهة

وبحسب رئيس منظمة كرد بلا حدود، “فإن هناك تسويات وصفقات مشبوهة بين روسيا وتركيا وسيكون هناك تصعيد على الأرض مستقبلاً، فروسيا لم تكن يوماً ضامناً بل أن الأمور أصبحت الآن واضحة جداً بأنها أصبحت شريكاً بقتل الشعب السوري، وشريكة لدولة الاحتلال التركي باغتصاب أجزاء من سوريا وبعملية التغيير الديمغرافي، مشيراً إلى أن دمشق لا تمتلك قراراً سيادياً من أجل سوريا وعاجزة تماماً، والإيراني والروسي هم من ينوبون عنها ويتفقون ويقررون ويصرحون، والمثال على ذلك آخر اجتماعات “جنيف” وقبل أن يكون هناك أي تصريح من حكومة دمشق، موسكو صرحت بأن وفد الأخيرة لن يحضر الاجتماعات، إلا إذا سمح للوفد الروسي بأن يذهب مباشرة من موسكو، في ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، التي تمنعها من أن يكون لديها خط مسار مباشر إلى جنيف”.

لكن اللافت في التصعيد التركي من حيث التوقيت، أنه يتزامن مع إعلان الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، البدء بإجراء محاكمات علنية لعناصر تنظيم داعش الإرهابي المحتجزين لديها، ما يسلط الضوء مجدداً على التقارير التي صدرت على مدى السنوات الماضية، عن العلاقة الوثيقة بين حكومة حزب العدالة والتنمية بتركيا والتنظيم الإرهابي إبان سيطرته على مناطق في سوريا، والمخاوف من أن تكشف التحقيقات المزمع إجراؤها خفايا ذلك الارتباط وكيفية الدعم والتمويل الذي كان يتلقاه التنظيم من شخصيات بارزة في تركيا.

قد يعجبك ايضا