بدأت الثلاثاء\العشرين من يونيو، الجولة العشرين لمسار محادثات أستانا بشأن الملف السوري في العاصمة أستانا الكازاخستانية، بحضور وفود من وروسيا وإيران وتركيا، إلى جانب ممثلي عن حكومة دمشق والمُعارضة السورية.
ويعد التطبيع بين دمشق وأنقرة، أبرز الملفات على جدول النقاشات، خاصةً عقب إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان رئيساً لتركيا، بظل المخاوف من تراجعه عن تصريحاته السابقة، والتي شدد فيها على مسار التطبيع، إذ بدأ بعد إعادة انتخابه، بوضع شروط أكثر قسوة على روسيا ودمشق، رافضاً الانسحاب الفوري من الأراضي السورية.
وبالصدد، صعّد الجيش التركي من هجماته على مناطق شمال وشرق سوريا، الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” و”قوات سوريا الديمقراطية”، بالأخص في منطقة تل رفعت والشهباء شمال حلب، التي يُقيم فيها عشرات ألوف المُهجرين قسراً من سكان عفرين الأصليين الكُرد، حيث لا يزالون على تلك الحال منذ مارس العام 2018، تاريخ احتلال أنقرة لأرضهم.
حيث سقطت عفرين بيد أنقرة، عقب “صفقة” روسية-تركية، لتبادل مناطق السيطرة والمصالح، إذ تنازلات أنقرة مقابلها عن مناطق واسعة في أرياف دمشق وحمص وإدلب وحماه ودرعا وغيرها، وهو ما يرفع المخاوف من عقد صفقة جديدة مع روسيا، لسيطرة تركيا على مناطق سورية جديدة.
من جهة ثانية، يعتقد مراقبون أن الهجمات التركية تجري بالتنسيق بين الروس والأتراك، للضغط على “الإدارة الذاتية”، ودفعها لتقديم تنازلات لحكومة دمشق، وهو ما فشلت فيها موسكو حتى الساعة، حيث لا توافق سلطات الإدارة الذاتية على تقديم أي تنازل تُساوم على وجودها، مُقابل منع الروس لتركيا من مهاجمتهم.
دمشق وأنقرة واتفاقية أضنة..
وفي سياق الجولة العشرين لمسار محادثات أستانا، أجرى الوفد السلطة المركزية في دمشق، برئاسة معاون وزير الخارجية أيمن سوسان، في العشرين من يونيو، اجتماعات ثنائية مع الوفد الروسي برئاسة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، حيث بحث اللقاء مسار إنشاء خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، والتي قال سوسان حولها، خلال الاجتماع، بأنّ “الانسحاب التركي من الأراضي السورية يشكل المدخل الوحيد لأي علاقات بين البلدين”.
لكن حديثه عن ضمان الحدود كمسؤولية مشتركة مع أنقرة، أثار الشكوك حول امكانية عقد دمشق لصفقة مع أنقرة برعاية موسكو، تحت عنوان تعديل وتفعيل اتفاقية أضنة، وهو ما تجهد أنقرة للحصول عليه، لترسيخ تواجدها العسكري شمال سوريا، وضمان استمرار مشروعها للتغيير الديموغرافي في المناطق الكُردية من سوريا.
عزف روسي على النغم التركي..
ولعل ما يرفع من تلك الاحتمالية، العزف الروسي على النغم التركي، من خلال إطلاق اتهامات عديدة لـ”الإدارة الذاتية” و”قسد”، إذ استبق ميخائيل بوغدانوف، انطلاق مباحثات أستانا بتوجيه اتهامات مباشرة الكُرد والإدارة الذاتية حول علاقتهم مع أمريكا، وزعم نائب وزير الخارجية الروسي، أن الولايات المتحدة ليست مهتمة بحل القضية الكردية في سوريا وتمنع حلفائها من التفاوض مع دمشق، مُتجاهلاً دعوات سابقة لـ”الإدارة الذاتية” وأخرها المبادرة السياسية لحل الأزمة السورية.
كما ادعى بوغدانوف أن القوات الأميركية “تتواجد في مناطق مهمة اقتصادياً لسوريا في شرق الفرات، تحتوي على النفط وموارد طبيعية هامة”، وذلك ضمن اتهاماتهم للإدارة الذاتية بسرقة للثروات السورية، رغم أن الإدارة الذاتية، أكدت خلال مبادرتها السياسية الأخيرة، على أن الثروات بمناطقها لجميع السوريين.
أيضاً، اتهم بوغدانوف، الكُرد والإدارة الذاتية بأنهم يقسمون الأراضي السورية، وقال بأن “القوات الأميركية تدعم الإدارة الذاتية الكردية التي تعارض وحدة الأراضي السورية، مردفاً: “بالطبع، الأميركيون يدعمون عدداً من المنظمات الكُردية التي أنشأت شبه دويلة مع إدارة خاصة بها، هذا أمر غير مقبول إطلاقاً”.
كيف تقيم الإدارة الذاتية اجتماع الاستانا؟
وللتعقيب على ما سلف، أوضح “بدران جيا كرد” الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في تصريح خاص لـ”منصة تارجيت”، بداية، حول التصعيد التركي على شمال سوريا وتزامنه مع اجتماع أطراف أستانا، والاتهامات الروسية الأخيرة لهم، بالقول: “للأسف شهدت جولات آستانا السابقة مواقف واضحة حول الإدارة وقسد، واتهامات ضمن بيانها الختامي بشكل مباشر كانت بعيدة عن الواقع”، مردفاً: “ما نأمله بأن تكون هذه المنصات من أجل الخروج بما يخدم سوريا ومستقبلها، لا أماكن لعقد الصفقات والاتفاقيات ضد السوريين”.
مُؤكداً: “نراقب الأمور عن كثب، والمعطيات التي تحدث على الأرض، خاصة التصعيد التركي الأخير وتصريحات نائب وزير الخارجية الروسي التي هي مصدر قلق واضح، وتخلق الشك لدينا حول أمور كثيرة”.
أما حيال تأكيد سلطات دمشق على ضرورة الانسحاب التركي من الأراضي السورية، فقد قال “جيا كرد”، “أية مواقف تركز على إنهاء الاحتلال التركي، وإيقاف ممارساته ودعمه للمرتزقة مواقف ننظر إليها بإيجابية؛ لكن نريد أن يكون ذلك بخطوات عملية واضحة وشفافة”، مُستكملاً: “لا نريد أن تكون تلك المواقف مبينة على حصول تنازلات من خلال رفع سقف المطالب، مشدداً: “بالمجمل الاحتلال لا بد من أن ينتهي، ونحن مع أية مواقف تؤيد ذلك، وتنهي التدخلات التركية السافرة في الشأن السوري”.
الإدارة الذاتية ترفض الاتهامات الروسية..
وحول الاتهامات الروسية التي طالتهم بتقسيم سوريا وتبعيتهم لأمريكا، فقد قال حولها الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية: “بكل تأكيد، هكذا تصريحات بعيدة عن الواقع ولا تعبر عن الحقائق”.
مُتابعاً: “حاولنا كثيراً عبر الروس حتى، فتح قنوات حوار مع دمشق، لكن روسيا تعلم بأن دمشق تتعامل مع الواقع السوري كأنه لم يتغير، وهذه عقبة جدية أمام أي تفاهم، ومن جهة أخرى، لسنا مرهونين بقرار أي طرف إقليمي أو دولي، ولا نريد أن يزجنا أي أحد في صراعاتهم، نرفض هذه الاتهامات غير الدقيقة على الإطلاق، ونأمل في ألا يكون ذلك بداية مخطط توافق جديد في ظل ما يحدث في آستانا”.
كما لفت “جيا كرد” إلى حديث بوغدانوف عن ثروات مناطق الإدارة الذاتية بالقول: “تحدثنا عن التناول المغلوط للحقائق من قبل روسيا حول موضوع شمال وشرق سوريا بكل أسف، ونعتقد بأن هذه التصريحات هدفها سياسي بالدرجة الأولى، وليس كما يتم الادعاء بأنه حرص”، مُستدركاً: “نحن لا نقرأ الأمور بمنطق ضيق وجاهزون كما كنا دوماً لإثبات نوايانا الصادقة في هذا الملف، وقد وضعنا خطط عمل واضح وروسيا مطلعة عليها، لكنها أيضاً تعرف جيداً بأن دمشق غير جاهزة”.
توازنات أمريكا وروسيا وتركيا في سوريا..
“أما عن شكل المواجهة بين الروس والأمريكان، فذلك موجود بشكل مباشر أو غير مباشر في عموم العالم، ولكن يختلف شكل التصادم بين منطقة وأخرى والآن سوريا ساحة ساخنة وكل احتمال فيها ممكن ووارد بقوة”، يكشف “جيا كرد” لـ”تارجيت”.
كذلك، بيّن “جيا كرد” بأنه “وبعد الانتخابات التركية، ووسط الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، ووقوف أوربا أمام روسيا مع أوكرانيا، والتصعيد التركي الأخير في سوريا، والمغازلات التركية- السورية، كل هذه الأمور تلتقي عند نقطة واحدة، وهي أن روسيا ستركز على تطوير علاقاتها مع تركيا، خاصة وأنها باتت منغلقة على أوروبا، إلا من خلال القسم التركي”.
مُوضحاً: “بمعنى أن تركيا تشكل متنفساً لروسيا وسط ما تعانيها الأخيرة، وأردوغان يريد استغلال الأمور، ويسعى لأن يستخدم ذلك في خلط بعض الأوراق ومن ضمنها الورقة السورية”، مُستدركاً: “هذا تحليل طبعاً، لكن ما نريده، هو ألا نكون نحن أو بلدنا مرتعاً لأي بازار أو صفقة سياسية بين أي طرف وتركيا، لأن تداعيات ذلك ستكون كارثية، ولن تخدم سوريا ولا وحدتها ولا مستقبل شعبها”.
البيان الختامي لاستانا 20..
وفي الواحد والعشرين من يونيو الجاري، أصدر ممثلو إيران، وروسيا، تركيا، بياناً مشتركاً حول نتائج الجولة 20 لاجتماعاتهم، وجاء فيه حول مناطق شمال وشرق سوريا بأنهم “ناقشوا الوضع شمال شرق الجمهورية العربية السورية، واتفقوا على أن تحقيق الاستقرار والامن المستدامين في هذه المنطقة مرتبط بالحفاظ على سيادة سوريا وسلامة أراضيها”.
كما “رفضوا جميع المحاولات الرامية لخلق وقائع جديدة “على الأرض”، بما في ذلك عن طريق المبادرات الغير شرعية للحكم الذاتي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب”، و”أكدوا عزمهم على مجابهة الأجندات الانفصالية الرامية لتقويض وحدة سوريا والتي تهدد الأمن القومي للدول المجاورة، بما في ذلك الهجمات عبر الحدود وعمليات التسلل، بما في ذلك النابعة من المناطق الواقعة غرب الفرات” على حد زعمهم.
و”أعربوا مجدداً عن رفضهم الاستيلاء والنقل الغير شرعي لعائدات النفط السوري. أدانوا نشاط الدول التي تقدم الدعم للعناصر الإرهابية، بما في ذلك دعم مبادرات الحكم الذاتي الغير شرعية شمال شرق سوريا”، كما “أعربوا عن بالغ قلقهم تجاه جميع المضايقات التي تمارسها الجماعات الانفصالية تجاه المدنيين شمال الفرات، بما في ذلك قمع الاحتجاجات السلمية، والتجنيد الإجباري والعنصرية في مجال التعليم، وكذلك القيود المفروضة على النشاط السياسي اتجاه الصحفيين، والحق على التجمع، وحرية التنقل”، وفق ادعائهم.
خارجية الإدارة الذاتية ترد..
ليعقب عليها “بدران جيا كرد” الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ببيان على صفحته الشخصية في منصة تويتر، بالقول إن “ثلاثية أستانا تحولت الى رباعية بمشاركة النظام السوري، وبعد دمجها دخلت مرحلتها الجديدة والمتمثلة بالعمل الرئيس على ترميم العلاقات البينية بين النظامين التركي والسوري، من خلال تمرير صفقات متبادلة على حساب مصلحة الشعب السوري، وكذلك العمل على قضايا أمنية واستخباراتية لزعزعة الاستقرار في المناطق المستقرة”.
وأضاف: “ناهيكم عن الاجماع على معاداة الإدارة الذاتية وحقوق الكرد وشعوب المنطقة، مروراً باستهداف بعض المجموعات المسلحة والسياسية التي ترعاها تركيا، لينتهي اجتماع مسار أستانا الأخير برسم خارطة طريق للعمل والتنسيق على مستويات مختلفة، كي تكون شاملة وضامنة لمصالح وتقاسم نفوذ كل أطراف هذا المسار، وهذا ما يبدو واضحاً وجلياً في ازدواجية المعايير التي تمتاز بها غالبية مخرجات الاجتماع التي وردت في بيانه الختامي”.
ولفت “جيا كرد” إلى إن “نعت الادارة الذاتية بصفات كاذبة وبعيدة عن الحقيقة في الوقت الذي يتم فيه التهرب من واقع الاحتلال التركي ومشاريعه التقسيمية والجرائم التي يرتكبها داخل سوريا بحق شعبنا، وكذلك الادعاء بان الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تشكل تهديداً على الأمن القومي التركي يدفعنا للتساؤل: “من يهدد الأمن القومي والوطني؟، هل هو شعبنا الذي يُنشئ مشروعاً ديموقراطياً للتعايش المشترك بين جميع المكونات السورية ودول الجوار، وفي نفس الوقت حمل السلاح ليحمي نفسه والمنطقة بل والعالم من الإرهاب، أم النظام التركي الذي يحتل ويقتل وينهب ويدعم الارهاب والذي فتح حدوده للآلاف منهم الى سوريا، والمستمر بقصفه اليومي للمناطق الآهلة والبنى التحتية، وتدخلها الاحتلالي المباشر وبكل الأشكال في سوريا، يُهدد أمننا الوطني في سوريا؟”.
وأكمل “جيا كرد”: “كذلك اتهام الادارة بفرض سياسات تمييزية في مجال التعليم ونهب الثروات وتغاضي الانظار عن عمليات التتريك وفرض اللغة التركية واجراء عمليات التغيير الديموغرافي في المناطق المحتلة، في الوقت الذي تصون الادارة الحقوق الثقافية واللغوية للشعوب المنطقة ومنهم الكرد وفق العهود والمواثيق الدولية واللذين عانو من الحرمان والانكار”.
كما شدد المسؤول في الإدارة الذاتية على “انً هذا الخطاب “مسار أستانا” بعيد كل البعد عن لغة الحوار والتصالح والتوافق بين السوريين، بل يحتوي على التصعيد والاتهام والتصادم، وهذه اشارة اخرى بأن عملية التطبيع بين دمشق وأنقرة تحمل بين طياتها التصعيد ودفع المنطقة باتجاه المجهول، بالإضافة لاختلاق أزمات طويلة الأمد وترسيخ الشرخ وخطاب الكراهية بين أطياف المجتمع السوري”.
وختم الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تعقيبه بالقول: “نحن بحاجة الى تضميد الجراح وتقريب وجهات النظر لتحقيق اجماع سوري يتوافق عليه السوريون للحل، وليس التوافق بين الأنظمة الحاكمة للاستمرار في سياساتها المأزومة والاستبدادية على حساب الحقوق المجتمعية والوطنية”.
هذا ولا تعتبر مخرجات استانا 20 استثناءً عن سابقاته، فلطالما ركزت الاجتماعات السابقة بين أطرافها على قضية أساسية واحدة، وهي العمل على طرد الجيش الأمريكي من شمال وشرق سوريا، حيث يُعتبر ذلك الوجود قاصماً لظهر أحلامهم بالسيطرة على المنطقة، في ظل تيقّن أطراف اجتماعات الاستانا، بأن مصالحها ومناطق نفوذها مُهددة وعرضة للاندثار، ما دام لواشنطن قدم قوية في المنطقة.