في الثامن من يونيو الجاري، نظم أعضاء التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، اجتماعاً في الرياض، أكدوا خلاله على “الاستمرار في تقديم مساهمات فريدة للحملة القوية، لدعم جهود تحقيق الاستقرار في المناطق التي جرى تحريرها من “داعش” في العراق وسوريا ولمكافحة تمويل “داعش” والسفر والدعاية”، لكنه جرى دون حضور الشريك السوري الفعلي على الأرض مع قوات التحالف، ألا وهي “قوات سوريا الديمقراطية” التي تسيطر على شمال وشرق سوريا، بعد قضائها على خلافة داعش المزعومة.
هذا الغياب لحاضر قوي على الأرض كقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا يأتي غالباً بضغوط تركية تتمثل بمواجهتها لأي حل سوري ديمقراطي قد يفضي الى بعض المكتسبات للكرد في سوريا، وهذا امتداد لقمع النظام التركي للكرد في تركيا. وبعد أيام على اختتام أعمال الاجتماع ومخرجاته تبدو التساؤلات مشروعة بصدد جدوى الاجتماع، وهل يمكن أن تنفذ المخرجات على الأرض في ظل تجاذبات سياسية متناقضة ومتشابكة لمصالح دولية وإقليمية ومحاولة كل طرف من الأطراف فرض أجندتها ؟.
دعم مالي للمناطق المحررة من داعش
وهدف الاجتماع الوزاري إلى جمع 601 مليون دولار لتمويل صندوق مخصص لإرساء الاستقرار في العراق وسوريا، وقد قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن بلاده تهدف إلى “تمويل حملة لإرساء الاستقرار بقيمة تفوق 601 مليون دولار بقليل – وأعلن أن الولايات المتحدة ستخصص 148,7 مليون دولار لهذا الصندوق”، مُضيفاً أن “هذا الدعم سيلبّي الحاجات الأساسية التي أشار إليها السوريون والعراقيون بأنفسهم، ومعالجة نقاط الضعف التي استغلها تنظيم الدولة الإسلامية في السابق”.
بينما أعلنت بريطانيا، أنها ستقدّم نحو 109 ملايين دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة لدعم إرساء الاستقرار والتنمية في العراق وشمال شرق سوريا، في حين اعتبر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أنه “لأمر مخيب للآمال وغير مقبول إطلاقًا” أن بعض الدول الغنية والمتطوّرة لم تستعد مواطنيها بعد، مُتوجهاً لها بالقول: “يجب أن تفعلوا شيئًا، يجب أن تتحملوا مسؤوليتكم”.
ولطالما طالبت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، الدول المعنية باستعادة رعاياها من أفراد عائلات التنظيم الموجودين خصوصاً في مخيم الهول الذي يشهد عمليات قتل وفوضى وحوادث أمنية، لكن ورغم ذلك، لم تستعد غالبية الدول رعاياها المتورطين بأعمال إرهابية بحق أبناء المنطقة، فيما يبقى تغييب القوى السياسية والعسكرية لشمال وشرق سوريا، محط استفسار وتعجب الكثيرين، لدورهم الأساسي الذي لا يمكن تجاوزه، في القضاء على التنظيمات الراديكالية في سوريا.
تغييب الإدارة الذاتية و”قسد”
وتعقيباً على تغييب “قسد” عن الاجتماع، أكد “سيامند علي”، الناطق الرسمي باسم إعلام “وحدات حماية الشعب” العمود الفقري لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، في تصريح لـ”منصة تارجيت”، إنهم “يدعمون الاجتماع في مدينه الرياض، وبكل خطوة أو قرار يؤدي إلى حل جذري لملف تنظيم داعش الارهابي على أرض شمال وشرق سوريا، والملفات المعقدة والمتعلقة به، مثل المخيمات والسجون” ومحاربة التنظيمات الارهابية وخلاياها النائمة”.
مُردفاً: “بكل تأكيد، نحن ندعم أي قرار إن كان في مصلحة الشعب السوري عموماً، لكن كان من المفترض وجود ممثلين عن الشعب السوري، وخاصة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، كونها القوة الوحيدة التي استطاعت القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، وحاربته منذ عشر سنوات على أرض شمال وشرق سوريا، واستطاعت القضاء عليه جغرافياً، بجانب وجود عشرات السجون والمخيمات الكبيرة لتنظيم داعش الارهابي على تلك الأرض”.
مُتابعاً: “كان لابد من وجود ممثلين عن الإدارة الذاتية أو قوات سوريا الديمقراطية ضمن هذه الاجتماعات، للوصول إلى النتائج المرجوة التي يحلم بها الجميع، للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي، كما قضي عليه عسكرياً، وعليه يجب حل تلك القضايا المعلقة التي ذكرناها”.
الهجمات التركية تعيق محاربة داعش
كما ربط الناطق باسم إعلام “وحدات حماية الشعب”، بين وقف الهجمات التركية على مناطق شمال وشرق سوريا، والقضاء النهائي على خلايا تنظيم داعش الإرهابي، فقال لـ”تارجيت”: “اعتقد أنه بوجود هذا الكم الهائل من عوائل تنظيم داعش الإرهابي على أرض شمال وشرق سوريا، والآلاف من خلايا داعش الإرهابي من جهة، وهجمات الدولة التركية والتهديدات والاستهدافات المتكررة لقوات وقادات ومقاتلي قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حمايه الشعب والمرأة من جهة أخرى، لن تحل هذه القضايا، ولن نستطيع الحديث عن استقرار دائم في المناطق المحررة من تنظيم داعش الإرهابي”.
مُؤكداً: “كان يجب التطرق إلى هذه الافعال التي تقوم بها الدولة التركية وهدمها للاستقرار الذي بناه التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية”، منوهاً إلى أنه يجري الاعتماد بشكل شبه كلي على القوة العسكرية الضاربة لضرب التنظيم، لكن التنظيم لا يحل من محور واحد، بل يجب التطرق الى عدد محاور وزوايا، وأهمها، عدم السماح بعودة التنظيم الارهابي إلى شمال وشرق سوريا، مُوضحاً: “اعتقد أن هجمات بعض الجهات مثل الدولة التركية على المنطقة، تقوض الحرب على داعش وتكثر من وجود مثل هذه الخلايا النائمة، حيث تعتبر الهجمات دعماً مباشراً للجماعات الإرهابية”.
المحور المادي ليس كفيلاً بهزيمة داعش
وحول ما إن كانت القضايا المالية العائق الوحيد أمام تحقيق الهزيمة النهائية على داعش، بيّن “سيامند علي” لـ”تارجيت”، بأن “الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية لديهما تحديات صعبة، بسبب وجود الخلايا النائمة والمخيمات والسجون، بجانب عدم وجود توافق حتى هذه اللحظة مع الحكومة السورية، إضافةً إلى التهديدات المباشرة من قبل الدولة التركية، لاستهداف المخيمات أو السجون والقوات التي تحمي المنطقة”.
وعليه، لم يوافق “علي” على نظرية تقديم الدعم المالي فقط للمناطق المحررة من داعش، بل طالب بما هو أهم، فقال: “لا اعتقد أن الدعم المادي كاف للوصول إلى النتائج التي نتطلع إليها، وعليه ينبغي فتح الممرات الإنسانية، وفتح الأبواب الاقتصادية مع شمال وشرق سوريا لإنعاش الاقتصاد هناك، لكي تستطيع القوات والإدارة الذاتية، إدارة نفسها بنفسها، ودبّ الامان والاستقرار في المنطقة”.
مُشدداً: “للإدارة الذاتية تجربة، وتستطيع محاربة التنظيمات الإرهابية، بجانب ضرورة إنشاء محاكم دولية لمحاكمة الإرهابيين، وسحب الرعايا الذين كانوا موجودين ضمن الجماعات الإرهابية، وأيضاً عدم السماح بالهجوم على المنطقة”، مستدركاً: “هناك عدة محاور، ولا نستطيع الاعتماد على محور واحد، ألا وهو المحور المادي”.
الاعتراف الدبلوماسي تمهيد للاستقرار
وأشار الناطق الرسمي باسم إعلام وحدات حماية الشعب، إلى ضرورة “الاعتراف بالإدارة الذاتية، وأهمية فتح قنوات دبلوماسية وسياسية مع الدول الغربية والعربية، والتكاتف للوصول لنتيجة نستطيع من خلالها جميعاً القضاء على التنظيم الارهابي الذي يشكل خطراً عالمياً، وليس فقط على امة أو قومية أو على منطقة”.
مُستكملاً: “دائماً كان هناك مُناشدات من قبل قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية والمنظمات الدولية، لسحب الرعايا الذين ينتمون الى تنظيم داعش الإرهابي، وهم الآن إما في السجون او في المخيمات، وعليه، على تلك الدول إما سحب رعاياها بشكل فوري ومحاكمتهم ومحاسبتهم، أو دعم قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لإنشاء محكمة دولية”، مُختتماً حديثه بالتأكيد على دور المملكة العربية السعودية، الفعال والايجابي، قائلاً: “نتطلع لأن يكون للسعودية دور أكبر، كونها تتمتع بثقل دولي في المنطقة، لحل هذه القضية”.
ويُرجع مراقبون تغييب القوى العسكرية والسياسية لشمال وشرق سوريا، عن الاجتماعات المُماثلة، إلى ضغوط تركية في هذا الصدد، وسعي أنقرة لتحييد “قسد” والإدارة الذاتية”، ومنعهم من تحويل مكاسبهم العسكرية على الأرض إلى مكاسب سياسية، بجانب مساعيها الحثيثة لمنع إدخال تعديلات على شكل الحكم في سوريا، في ظل مخاوفها من انتقال عدوى الفيدرالية من العراق وسوريا إليها، مُستقبلاً.