حوار من القاهرة ـ محمد اسماعيل
تتعدد المؤشرات حول تطبيع مرتقب للعلاقات بين بشار الأسد رئيس حكومة دمشق ونظام رجب طيب أردوغان في تركيا، ويأتي هذا التطور والاستدارة من قبل “أردوغان” لتثير الكثير من التساؤلات بشأن عدد من الملفات في مقدمتها مصير المجموعات الإرهابية والعناصر المسلحة الموالية لـ”أنقرة” والتي وفرت لها كافة أشكال الدعم على مدار السنوات الماضية.
التساؤلات ترتبط بالأساس بما الذي يفكر فيه النظام التركي حال التوافق مع بشار الأسد، وآلياته للتعامل مع هذه المجموعات الإرهابية، لأن نظام دمشق لن يقبل بوجودهم، وفي المقابل لن يجازف “أردوغان” بنقلهم إلى تركيا، وهو أمر آخر يدعو للتساؤل حول ما إذا كانت “أنقرة” تخطط لنقلهم إلى مناطق أخرى.
في هذا السياق، حاورت منصة “تارجيت” الإعلامية الأستاذ منير أديب الخبير المصري في شؤون الحركات الإسلامية حول سيناريوهات النظام التركي للتعامل مع تلك المجموعات، والذي أكد أن “أردوغان” لن يضحي بهم ولن يتخلى عنهم، وإنما يفكر في إيجاد ملاذات آمنة لهم، كما فعل مع عناصر جماعة الإخوان المصرية.
نص الحوار:
ـ كيف سيتصرف أردوغان مع هذه المجموعات في أدلب حال تم التطبيع مع حكومة دمشق؟
في اعتقادي أنه في حال حدث التقارب السوري التركي لن يتخلى “أردوغان” عن المجموعات المتطرفة التي سبق واعتمد عليها، واستخدمها في معاركه خلال العقد الأخير، وربما سيستخدمهم مرة أخرى، ومن المعروف والمفهوم أن الرئيس التركي استخدم كل جماعات العنف والتطرف وهي تمثل بالنسبة له ركيزة أساسية وهم بمثابة أمن قومي لتركيا، وربما يمثلون الأيديولوجية التي يتحرك على أساسها، وبالتالي سيبحث عن ملاذات آمنة لهم، وقد فعل ذلك مع جماعة الإخوان حين تقارب مع النظام السياسي في مصر، وبالتالي طلب أو ألمح للإخوان الذين لم يحصلوا على الجنسية التركية بمغادرة البلاد، كما أقدم على إغلاق بعض المنصات الإعلامية التي كانت تحرض ضد النظام السياسي في مصر، وبالتالي سيوفر لهم ملاذات آمنة بديلة لمنطقة “إدلب”.
ـ لكن هناك من يرى أن “أردوغان” تخلى عن الإخوان، ما رأيك؟
نحن لا نستطيع القول إن الرئيس التركي “أردوغان” تخلى عن الإخوان، لأنه بحث عن بدائل لهم وملاذات آمنة خارج تركيا، فضلا عن أنه لم يسلم الإخوان إلى السلطات المصرية وهذا كان مطلباً للحكومة المصرية، وما فعله “أردوغان” بخصوص الإخوان المصريين سيفعله مع الجماعات المسلحة أو المتطرفة الموجودة في “إدلب”.
ـ كيف تعامل “أردوغان” مع الإخوان؟ وأين سيكون الملاذ الآمن؟
أردوغان لن يتخلى عن هذه المجموعات بشكل كامل، وسيبحث لهم عن بدائل كما فعل مع الإخوان الذين كانوا داخل تركيا، ونحن نتحدث عن وجود قرابة 23 ألفاً من عناصر جماعة الإخوان المسلمين المصريين، وهذا الرقم يحوي الأشخاص والزوجات والأطفال، وقد أعطى الجنسية لقرابة 1761 من عناصر الإخوان المصريين، والتي على أساسها حصل كذلك زوجات وأبناء هؤلاء الأشخاص على الجنسية، وبالتالي هو فعلياً أعطى الجنسية لما يتراوح بين 12 ألف إلى 15 ألف من الإخوان المصريين، إذ أن الجنسية تمنح لزوجات وأبناء الأشخاص الذين حصلوا عليها بالتبعية. كما أعطى الإقامة للبعض، ورفض منح الجنسية لأفراد ربما يعدون على أصابع اليد الواحدة مثل وجدي غنيم. وهذا لا يعني أنه تخلى عنهم، ولكن في نفس الوقت عندما حصل تقارب مصري – تركي بحث عن ملاذات آمنة لوجود هؤلاء على سبيل المثال في مناطق بشرق أوروبا كالبوسنة والهرسك. وما حدث مع الإخوان سوف يحدث مع الحركات الأكثر تطرفا في إدلب مثل جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام، وبعض المجموعات المسلحة المحسوبة على تركيا ذات التوجه الأيديولوجي.
ـ ماذا يعني ذلك في إطار علاقته بتلك التنظيمات؟
“أردوغان” استخدم هذه التنظيمات وقام بتقويتها وأعطاها الأموال والسلاح، فقد كان يقوم على رعايتها، ودافع عنها ربما في المحافل الدولية وربما في الاتفاقيات التي تمت بينه وبينه روسيا، والنظام السوري بشكل مباشر وغير مباشر، ولكن في حالة التقارب مع النظام السوري سيستخدم هذه التنظيمات للمرة الثانية، وهذا الاستخدام لا يعني أنه سيضحي بهم، وإنما سيمنحهم ماء الحياة مرة أخرى وسيبحث لهم عن ملاذات آمنة، وتبقى هنا المصلحة التركية أولا في استخدام هذه التنظيمات، وثانيا استثمار وجودها لصالح تركيا والسياسات الخارجية التركية التي ربما تدفع “أردوغان” إلى البحث لها عن ملاذات آمنة دون التضحية بهم.
ـ هل تعتقد أن “أردوغان” ربما يفكر في تجميع تلك العناصر بمناطق أخرى؟
أعتقد أنه في حال التقارب التركي السوري لن يستطيع دعم هذه التنظيمات داخل سوريا، ودمشق لن تسمح بوجود هؤلاء.
ـ أنا أقصد نقلهم إلى مكان آخر خارج سوريا..
هذا يأتي في إطار ما ذكرته بالبحث عن ملاذ آمن لهم، وسيكون هناك خروج لأشخاص متخفين أو مجموعات صغيرة متخفية، حتى لا يلمح العالم خروج هؤلاء، والخروج سيكون في شكل مجموعات صغيرة وبسيطة وتتحرك إلى مناطق تستطيع التواري أو الاختفاء فيها قليلاً، أو ربما يتم توجيهها إلى مناطق صراعات جديدة مثل أفغانستان أو ربما ليبيا.
ـ إذا أراد منح بعضهم الجنسية التركية كما فعل مع الإخوان المصريين، هل المعارضة التركية ستقبل ذلك أو الشارع التركي؟
لن يفعل ذلك، لأنه ببساطة لن يستطيع أن يفعل ذلك.
ـ لكنه فعل ذلك مع الإخوان..
بالفعل فعل ذلك مع الإخوان المصريين لكن ما حدث كان في ظروف معينة ومختلفة، أما الآن فقد تغيرت هذه الظروف، وبالتالي لن يستطيع منحهم الجنسية لأن المعارضة التركية أصبحت أكثر قوة، ولن يستطيع منح هذه الأعداد الكبيرة الجنسية لأن أعين الرأي العام التركي باتت مفتوحة، كما أن المجتمع الدولي يدرك جيداً خطورة منح هؤلاء الجنسية خصوصاً عندما فعل ذلك مع عناصر الإخوان المصريين، وبالتالي لن يستطيع فعل ذلك وهو يشعر أنه مراقب، ولهذا أقول إنه قد يريد لكن لن يستطيع.
ـ ماذا عن مفهوم العثمانية الجديدة في ضوء التغيرات التي تشهدها توجهات النظام التركي وعلاقاته الخارجية؟ هل لا تزال قائمة؟
“أردوغان” في الوقت الحالي يتحدث عن جمهورية جديدة أقامها، ويتحدث أيضاً عن امتداد الدولة العثمانية، ويجلس الآن على رأس السلطة منذ 20 عاما وسيصل إلى ربع قرن بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يتحدث كما لو كان كمال أتاتورك جديد أتى على تركيا، ويتحدث أنه استطاع خلق دولة تركية حديثة، ولا يزال في نفس الوقت يستخدم النزعة العثمانية، يريد أن يقول إنه سيسيطر على العالم، ويتحدث عن تركيا قوية وجمهورية عثمانية جديدة، وحديثه عن هذه العثمانية وشكلها الجديد التي حافظ عليها يمثل عنصر قوة لديه ويعتمد عليه.
ـ كيف تراقب تيارات الإسلام السياسي والمجموعات التي كان يدعمها النظام التركي التغير في توجهات الأخير والتحولات الإقليمية التي تحدث؟
تيارات الإسلام السياسي في رأيي ترى هذه التحولات وتدركها وتفهمها، وربما تعطي العذر للرئيس التركي لأسباب أبرزها أن “أردوغان” لم يقصر في حقيقة الأمر في حق هذه الحركات الإسلاموية، وبالتالي كلما وجدته يتخذ موقفاً مضاداً لهذه الحركات توحي بالتخلي عنهم، تجد أن هذه الحركات في المقابل تتغزل به، وهذا لأنها تدرك التحولات الدولية التي تحدث، وأن تلك التحويلات تستدعي أن يتخذ “أردوغان” بعض القرارات، لكنه في الوقت ذاته يبقى داعماً لهم.