الإنْصاف الغائب عن “هِفْرين خَلَّف” مُقَابِل تَكرِيم تُرْكِيا لِقتْلِهَا.. يُثير حَفِيظَة ” سُورْيَا المسْتقْبل “
منصة تارجيت
في الثاني عشر من أكتوبر 2019، وبينما كان الهجوم التركي مُحتدماً على مناطق شمال سوريا تحت مسمى “عملية نبع السلام”، تمكن مسلحو “الجيش الوطني السوري” من إحداث خرق على الحدود، وتسربت مجموعات منهم إلى مناطق من المفترض أنها تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، حيث نصبت هناك على طريق “إم فور” الرئيسي في شمال سوريا، حاجزاً طياراً، لم يتوقع العابرون خلاله، أنه قد يكون لخصمهم القاتل تحت اللواء التركي، ليجري تصفية أفراد من المسافرين، كان من ضمنهم موكب “هفرين خلف” رئيسة حزب سوريا المستقبل.
وكشف آنذاك، مقطع فيديو لأحد عناصر “أحرار الشرقية” وهو يصور لحظات وصولهم لطريق M4، بالتزامن مع نشر مقطع فيديو وثق عملية التمثيل بجثمان هفرين خلف، كما أظهر مقطع فيديو آخر، تكالب عناصر من “أحرار الشرقية” حول “هفرين” التي لم تظهر في الفيديو، لكن في الثانية 0:13 من عمر الفيديو، تم سماع صوتها وهي تقول “أنا رئيسة حزب”، الأمر الذي يشير إلى أن عملية الإعدام كانت ميدانية.
وقتلت يومها الجماعات المدعومة من تركيا، تسعة مدنيين في ثلاث حوادث متفرقة جنوب مدينة تل أبيض، من بينهم هفرين خلف، بينما انتشر مقطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر فيه مسلحون سوريون موالون لتركيا، وهم يتباهون بقتل الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل المُهندسة الكُردية هفرين خلف (36 عاماً)، زعيمة لـ”حزب سوريا المستقبل”، والعضوة في قيادة “مجلس سوريا الديمقراطية”، الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية.
وكانت هفرين خلف، شخصية نسوية، وشابة تقدمية، ساهمت في تأسيس تشكيل سياسي هو “حزب سوريا المستقبل”، الذي يحمل رؤية لا مركزية لمستقبل البلد، فيما قال أولئك الذين عرفوا “هفرين”، بأنها كانت ذات شخصية حيوية ذكية وامرأة عصامية، لم تتزوج، وجسدت عبر مسيرتها السياسية وتسلمها لمسؤولية القيادة، مثالاً للمرأة المتنورة والقيادية.
“حاتم أبو شقرا” المتورط الرئيس في قتل “هفرين”
وفي الخامس عشر من أكتوبر العام 2019، تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، صورةً أظهرت المدعو “حاتم أبو شقرا” وهو يمسك الحارسين الشخصيين لـ”هفرين خلف” رئيسة حزب سوريا المستقبل، قبل أن يتم قتلهما أيضاً، عقب أن تم قتل “هفرين”.
و”أبو شقرا”، هو قائد مليشيا “أحرار الشرقية”، الذي اتهمته الجهات الحقوقية والرسمية في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بتصفية “هفرين” والحارسين اللذين كانا برفقتها، ولديه سجل حافل بالانتهاكات، حيث يتهمه نشطاء إيزيديون بالتورط في جرائم ضد الإنسانية بحق أهالي عفرين، خاصة من الأقلية الإيزيدية، وقد عمل في تجارة العوائل والمختطفين، واحتجازهم، بعد سيطرة الفصائل الموالية لتركيا على مناطقهم.
كما يتمتع “أبو شقرا” بعلاقات قوية مع جهات تركية رسمية، ففي أبريل 2018، حضر “أبو شقرا” اجتماعاً مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى جانب متزعمين في مليشيات “الجيش الوطني السوري”، فيما تعتبر “أحرار الشرقية” إحدى أهم المليشيات التابعة لتركيا، وقد عرف عناصرها بتطرفهم، وبأنهم من أكثر المليشيات إجراماً، والأكثر تنفيذاً لعمليات اختطاف المدنيين، وكانت تتبع سابقاً لتنظيم “جبهة النصرة” ذراع القاعدة في سوريا، ومؤسسها هو أبو ماريا القحطاني، الذي كان سابقاً قائد مجلس الشورى في تنظيم جبهة النصرة.
تكريم قاتل “هفرين خلف”
ورغم أن الغريب، بأن المليشيات السورية المسلحة التابعة لتركيا في شمال سوريا، لم تُحاسب حتى الآن من قبل المجتمع الدولي، على الرغم من الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، خاصة المناطق ذات الخصوصية الكُردية، وأهمها عفرين ورأس العين، إذ تم تهجير السكان الأصليين للمنطقتين، إلى جانب تعذيب وخطف وقتل وسلب ونهب المواطنين، الذين بقوا هناك عقب احتلالهما تركياً.
بيد أن المثير للدهشة أكثر، أن الجانب التركي لم يتوان عن تكريم متزعمي المليشيات التي تحارب إلى جانب جيشه في شمال سوريا، وبالصدد، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي، صور المدعو “أحمد الهايس” المعروف باسم “حاتم أبو شقرا”، متزعم ميليشيا “أحرار الشرقية”، وهو يرتدي زي التخرج، ويضع وشاح التخرج الذي كُتب عليه اسمه، من كلية العلوم السياسية” ــ جامعة ماردين.
الشهادة تلك، شكك النشطاء أساساً في صحة أن يكون “أبو شقرا” قد حصل قبلها على شهادة الدراسة الثانوية، إلا عبر تأمين شهادة مزورة من مكتب في منطقة الباب بمعدل 89%، الذي كان يعمل قبل اندلاع الأزمة السورية في العام 2011، بالزراعة في قريته الشقرا غرب دير الزور، وأيضاً عامل بناء “طيان إسمنت” بالأردن، لفترة وجيزة، وهو ما تغاضت عنه الاستخبارات التركية، حيث تم تسجيله في كلية العلوم السياسية\جامعة ماردين، كما فعل المدعو “محمد حسين الجاسم/ أبو عمشة”، الذي سجل في كلية الحقوق.
كيف يرى حزب سوريا المستقبل الواقعة؟
للتعقيب على التكريم التركي لـ”أبو شقرا”، متزعم المليشيا التي قتلت “هفرين خلف”، قال “إياد الخطيب”، عضو المجلس العام لـ”حزب سوريا المستقبل” في حديث خاص لـ”منصة تارجيت الإعلامية”: “في البداية الرحمة والسلام لروح شهيدة السلام هفرين خلف”، مُردفاً: “إن قضية منح حاتم أبو شقرا شهادة جامعية من جامعة ماردين، ليست قضية تزوير شهادات فقط، بل هو قرار من حكومة حزب العدالة والتنمية، لأن المدعو شقرا هو أحد أبرز المرتزقة العاملين تحت تصرف الاستخبارات التركية، وأحد أذرعها الضاربة في المناطق المحتلة”.
متابعاً: “منح الشهادة له، هي محاولة للتغطية على ماضيه الإجرامي، وربما تهيئته لمهام جديدة لصالح قوات الاحتلال التركية في المنطقة، فالمدعو شقرا أثبت ولاءه التام لقوات الاحتلال، وكان الجلاد المباشر في مناطق سيطرتها، وللأسف أبرز جرائمه كانت اغتيال الشهيدة هفرين خلف، بوحشية تامة حيث جرى قتلها على الفور ميدانياً بدم بارد بعد وقوعها في كمين غادر لفصيل أحرار الشرقية، أحد فصائل المرتزقة التي تتقدم قوات الاحتلال التركية، أثناء احتلال منطقة رأس العين وتل أبيض”.
وقد أكد تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” نهاية نوفمبر العام 2019، على ضلوع ميليشيا “أحرار الشرقية” بتنفيذ إعدامات ميدانيّة، فيما فرضت وزارة الخزانة الأميركية نهاية يوليو العام 2021، عقوبات على المليشيا، واتهمتها بالقتل غير القانوني، إضافةً إلى تورّطها في تهريب النساء والأطفال الإيزيديين ودمج عناصر سابقين من (داعش) في صفوفها.
وحول ذلك، قال الخطيب لـ”تارجيت”: “إن فصائل المرتزقة التابعة لقوات الاحتلال، هي من كانت تحمي وتؤمن هروب عناصر داعش من المنطقة، وعمليات التزوير لم تقتصر على الشهادات الجامعية، بل إن قوات الاحتلال والمرتزقة قامت بتزوير الثبوتيات والوثائق الشخصية لمرتزقة داعش، وتمت إعادة دمجهم ضمن فصائل المرتزقة التابعة لدولة الاحتلال”.
مُطالبة بالإنصاف من المجتمع الدولي
مُستدركاً: “لا يخفى على أحد، تورط هذه الفصائل في دعم مرتزقة داعش في عملية سجن الصناعة في الحسكة، وكيف كانت تدار العمليات من المناطق المحتلة، وإيصال الذخيرة والسلاح لعناصر داعش في المنطقة، كل هذه الجرائم لا تخفى على العالم، ولكن بضغط من دولة الاحتلال التركي، تمنع محاكمتهم دولياً، وتقوم بالتغطية على جرائمهم من خلال عمليات تزوير الحقائق”.
وطالب عضو المجلس العام لـ”حزب سوريا المستقبل” المجتمع الدولي بالوقوف على الحياد، وإنصاف الضحايا، ومُحاسبة كل المتورطين في الجرائم ضد شعوب مناطق شمال وشرق سوريا.
وأنهى الخطيب حديثه لـ”تارجيت” بالتأكيد على “إن دولة الاحتلال التركي، تسعى لتبييض صفحة ووثائق كل المرتزقة الذين ارتكبوا جرائم ممنهجة بحق شعوب المنطقة، بما فيهم المدعو شقرا، حيث تعتبر جريمة قتل الشهيدة هفرين خلف، قضية جوهرية بالنسبة لقوات الاحتلال، التي تسعى لمد جذور الإرهاب في المنطقة وتقويض كل المساعي السلمية، وقتل كل ورموز السلام أمثال الشهيدة هفرين خلف، في محاولة لتعويم الإرهاب في المنطقة، والتي تديره قوات الاحتلال من خلال المرتزقة أمثال المدعو شقرا وغيره من قادة المرتزقة”.
ليكون نيل المدعو “حاتم أبو شقرا” رسالة لأطراف عدة، محلية سورية، ودولية، من تركيا، أهمها أن الأخيرة غير معنية بالتنصيف الذي يعتمده المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية بحق المسلحين الموالين لها في شمال سوريا، ورسالة إلى الولايات المتحدة بأنها مستمرة في دعم مسلحيها ولن تتوانى عن تقديم الدعم لهم، ولعل الأهم، هي رسالتها إلى الداخل السوري، بأن أنقرة ستكرم “العُملاء” الذين يقاتلون لمصلحتها، ويبدون مصالحها على مصالح وطنهم المفترض.