مواقف سورية روسية إيرانية متقاربة ضد تركيا في مسار التطبيع

القامشلي 

تتجه الأنظار منذ أشهر نحو مسار التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق الذي بدأ أواخر العام الماضي، على اعتبار أن هذا المسار مر بمراحل مختلفة واعترضته جملة من العراقيل لا تزال مستمرة، كما أن مستقبله يشوبه الكثير من الغموض، خاصةً بعد ارتفاع حدة التصريحات المتبادلة بين الطرفين بعد عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية وتطبيع عدد من الدول العربية علاقاتها معها، وإعادة انتخاب رجب أردوغان رئيساً لتركيا لدورة ثالثة، وما أعقب ذلك من تغير في النبرة التركية والاتجاه نحو التشدد في المواقف.

ووسط كل هذه المعطيات تتحدث روسيا عن اجتماع مرتقب بين نواب وزراء خارجية كل من روسيا وسوريا وإيران وتركيا في العاصمة الكازاخية “نور سلطان” في الحادي والعشرين من حزيران/ يونيو الجاري لبحث استكمال مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، رغم حديث مبعوثها الخاص إلى سوريا ألكسندر يفيموف قبل ذلك بيومين فقط عن تباعد بالمواقف بين الطرفين، وقال في حديث لصحيفة “الوطن” المقربة من حكومة دمشق، إن مواقف سوريا وتركيا لا تزال بعيدة فيما يتعلق بتطبيع العلاقات، مضيفاً أن ما تم تدميره على مدى اثني عشر عاماً “ويقصد العلاقات بين البلدين”، لا يمكن استعادته في غضون أشهر قليلة”.

يأتي ذلك بالتزامن مع تجديد الرئيس السوري بشار الأسد خلال لقائه علي أكبر خاجي معاون وزير الخارجية الإيراني في دمشق، التمسك بشرط انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية من أجل إتمام مسار التطبيع، مطالباً بوضع جدول زمني محدد لهذا الانسحاب، ووقف دعم “الجماعات الإرهابية”، مشدداً على ضرورة تنفيذ هذه المطالب بالشراكة مع روسيا وإيران، التي أعربت عن تأييدها للرؤية السورية “الصائبة” في الكثير من الملفات بالمنطقة.

تصعيد عسكري قد يعرقل مسار التطبيع

تطورات سياسية لم تكن منفصلة عن أخرى عسكرية، شهدها الشمال السوري خلال الأيام القليلة الماضية، تمثلت في تصعيد عسكري غير مسبوق بين الاحتلال التركي والفصائل التابعة له من جهة وقوات حكومة دمشق من جهة أخرى، تخلله قصف تركي بالطائرات المسيرة لمواقع الأخيرة في أرياف حلب الشمالية، ما أسفر عن مقتل خمسة عناصر وإصابة آخرين، ما يشي بحسب محللين، بتحسس أنقرة لموقف مشترك ضدها بين الثالوث السوري الروسي الإيراني، ومحاولة إجبارها على تقديم تنازلات من أجل استكمال مسار التطبيع، وتحاول من وراء التصعيد إيصال رسائل لهذه الأطراف قبل أي اجتماعات سياسية قادمة.

ويقول الباحث في العلاقات الدولية محمد ربيع الديهي بحديث لمنصة تارجيت في هذا السياق: “إنه لا شك أن التصعيد الأخير في شمال سوريا أثار العديد من التساؤلات حول مسار التطبيع بين تركيا وسوريا، وهو الأمر الذي يعرقل مسار التصالح بين الطرفين، ولكن حتى هذه اللحظة لا يمكن الجزم أن هذه العمليات ستؤثر على مسار التطبيع”.

ويضيف الديهي: “أنه في الغالب سوف يتواصل مسار التطبيع، خاصةً أن تركيا أصبح لديها رغبة في تحسين العلاقات مع دول الجوار، فضلاً عن التوجه العام في الإقليم نحو التصالح والتهدئة”.

 

ملفات عالقة ومراوغة تركية

من جانبه، قال الباحث في مركز العرب للأبحاث والدراسات محمد عامر في تصريحات لتارجيت: “إن الجانب التركي لديه قدر كبير من المراوغة، ومن المعروف أن له مراوغات كبيرة جداً، من أجل أن يحقق أكبر قدر ممكن من المصالح والمكاسب، كما أن التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق مرتبط بعدة عناصر، أولها أن تركيا تتحدث عما تسميه أمنها القومي المقصود به المناطق الخاضعة لسيطرة الكرد في شمال سوريا، وفي هذا الجانب من الممكن حدوث صفقة بين النظام السوري ورجب أردوغان، تقضي بسيطرة قوات حكومة دمشق على المناطق الكردية في إطار مسودة التطبيع، مضيفاً أنه يعتقد أن روسيا هي العرابة لهذا التوجه، إلا أن تركيا ترغب في تحول الموضوع إلى عملي، حيث إلى الآن يمكن القول إن وجود قوات الجيش السوري في المناطق الحدودية هو “شرفي”.

وبحسب الباحث محمد عامر، “فإن العنصر الآخر في مسار التطبيع مرتبط بعودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى بلادهم، حيث أن رجب أردوغان يعتبر أنهم أصبحوا عبء اقتصادي عليه، لكن ما هي الطريق التي سيتم فيها إعادتهم، حيث أن أردوغان يرغب إلى جانب إعادتهم بإعادة رسم الخريطة الديمغرافية لسوريا، حيث من يتم إعادتهم هم من العرب ومن مناطق سورية أخرى ويعادون إلى المناطق الكردية في الشمال”، مشيراً إلى أن العنصر الثالث وهو عنصر خلافي بشكل كبير يتمثل في دعوة حكومة دمشق بانسحاب كلي للقوات التركية من الأراضي السورية، ومطالبة تركيا بالتفاعل في ملف مكافحة الإرهاب الذي يعني بالنسبة لحكومة دمشق، القضاء على الجماعات المسلحة التي تسمى بالمعارضة المدعومة من تركيا وخصوصاً في مناطق إدلب وهي عناصر خطرة وبعضها مرتبط بتنظيمي القاعدة وداعش، وعليه فإنه في حال حدوث تسوية مع تركيا، هل الأخيرة على استعداد للتضحية بهؤلاء، أو أنها تضمن ردة الفعل الانتقامية لهم في الداخل التركي باعتبارهم عناصر إرهابية، وهي في مأمن منهم الآن لأنهم داخل سوريا، أو هل هي على استعداد لاستضافتهم، ولذلك فإن هذا من الملفات التي ستكون سبباً بالمراوغة التركية، لذلك من الممكن أن تبحث تركيا عن مكان آخر يتم نقلهم إليه، حيث أنها سبق وأن نقلت قسماً منهم إلى ليبيا، لذلك تعتبر كل من روسيا وإيران وحكومة دمشق أن تركيا تراوغ، وقد لا يسفر اجتماع الحادي والعشرين من الشهر الجاري عن أي نتائج تذكر”.

كل هذه التطورات، تعيدنا إلى نقطة العقبات الكبيرة التي تعترض مسار التطبيع التركي السوري التي تحدث عنها محللون منذ انطلاق هذا المسار، من حيث السلوك التركي في الأراضي السورية المتمثل في رفض الانسحاب ومحاولة السيطرة على مناطق جديدة، كشفتها تصريحات المسؤولين الأتراك الذين كان آخرهم وزير الداخلية السابق سليمان صويلو الذي أعاد الحديث عن تبعية مدينة حلب السورية لتركيا ضمن ما يعرف بـ”الميثاق الملي”، كما أنها تسلط الضوء مجدداً على أن هدف أنقرة الأول من التطبيع هو ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم، تلبية لرغبة غالبية الأتراك الذين لم يعودوا يرغبون بوجود السوريين بينهم وارتفاع خطاب العنصرية والكراهية ضدهم، رغم أنه لم يحدث أي اختراق في ملف الأزمة السورية، واستمرار تعطيل أي خطوات للحل تستند على القرارات الأممية ذات الصلة وعلى رأسها القرار اثنان وعشرون أربعة وخمسون.

ورغم إعلان إيران ترحيبها بإطلاق مسار التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق منذ بداياته، ودخولها في مفاوضات هذا المسار في موسكو منذ أشهر، إلا أن التصريحات الأخيرة لمسؤوليها بشأنه تظهر بحسب محللين “ميلها” للموقف السوري، والذي يرجعونه إلى التطورات المتسارعة التي شهدتها المنطقة، بما في ذلك عودة علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وحديث تقارير إعلامية غربية، عن مفاوضات سرية مع الولايات المتحدة وعلنية مع الدول الأوروبية الكبرى بشأن التوصل إلى اتفاق نووي، وأنها لم تعد بحاجة إلى تركيا للخروج من أزماتها وكسر عزلتها.

قد يعجبك ايضا