في العاشر من يونيو الجاري، اتخذت “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، قراراً مصيرياً هاماً مُتعلقاً بأعتى تنظيم إرهابي حارب أبناء المنطقة، وحاول القضاء على مكوناتها، بدعم دول إقليمية مهدت للمتطرفين العبور للأراضي السورية عبر حدودها.
حيث أعلنت “الإدارة الذاتية” عن عزمها محاكمة مسلحي تنظيم داعش الإرهابي المعتقلين لديها، عقب طول انتظار لاستجابة الدول التي لديها رعايا محتجزون في شمال وشرق سوريا، لدى قوات سوريا الديمقراطية، الحليف الرئيسي لقوات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
ولعل القرار ورغم ما قد يرافقه من صعوبات، إلا أنه متوافق جداً مع تطلعات أبناء المنطقة بمختلف مكوناتها، إذ سيضمن محاسبة عادلة للإرهابيين، الذين نكلوا بهم وقتلوا أبناءهم وشردوهم، وهو ما لن يكون مضمون بشكل المطلوب خارج الأراضي السورية.
مُحاكمات “علنية وعادلة وشفافة”
وذكرت “الإدارة الذاتية” أن البدء بمحاكمة عناصر تنظيم “داعش” من الأجانب المحتجزين لديها، سيكون وفق القوانين الدولية والمحلية الخاصة بـ “الإرهاب”، وقالت إن ذلك سيتم بمحاكمات “علنية وعادلة وشفافة”، بما يحفظ حقوق المدعين من الضحايا وأفراد أسرهم، مضيفةً إن قرارها، أتى “بسبب عدم تلبية المجتمع الدولي لنداءات ومناشداتها للدول لاستلام مواطنيها من التنظيم، وإحقاقاً للحق، وإنصافاً للضحايا، وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية”.
ونوهت إلى أن “هذا لا يعني عدول الإدارة عن رأيها في ضرورة إنشاء محكمة دولية، أو محكمة ذات طابع دولي خاص بملف “إرهابيي” داعش،” مؤكدةً “مازلنا نصرُّ على مطالبتنا المجتمع الدولي بالتجاوب مع مطالبنا في تشكيل محكمة دولية”، داعيةً التحالف الدولي لمحاربة “الإرهاب”، والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية المعنية، والمنظمات المحلية، للانخراط بشكل إيجابي والتواجد وتقديم الدعم خلال جميع مراحل المحاكمات.
هيومن رايتس ووتش..
فيما قالت ليتا تايلر المتخصصة في شؤون مكافحة الإرهاب في منظمة هيومن رايتس ووتش، إنه يجب على المجتمع الدولي إما توفير الدعم للمحاكمات التي ستجري في شمال شرق سوريا بما في ذلك بالموارد، أو إجراء المحاكمات في دول المعتقلين أو في دولة ثالثة.
وأكملت لرويترز: “أي شيء غير ذلك لن يعتبر فقط انتهاكاً لحقوق هؤلاء المعتقلين في الحصول على مُحاكمة عادلة، لكنه سيمثل أيضاً صفعة على الوجه لضحايا تنظيم الدولة الإسلامية وأفراد أسرهم الذين يستحقون رؤية العدالة تتحقق في جرائم التنظيم”.
وبين هؤلاء 2000 أجنبي رفضت بلدانهم الأصلية إعادتهم إلى أوطانهم، وقالت الإدارة إن المقاتلين من حوالي 60 جنسية دخلوا سوريا منذ سنوات وتم أسرهم في معارك ضد المتطرفين.
هل سيؤثر قرار الإدارة على قرار الدول؟
وتعقيباً على القرار، قال “محمود حبيب”، الناطق الرسمي باسم “قوات الشمال الديمقراطي” المنضوية ضمن “قوات سوريا الديمقراطية”، في تصريح خاص لـ”منصة تارجيت”، إنه “في كل الأحوال، قرار شجاع، وجاء في التوقيت المناسب”.
مُردفاً: “علينا أن ننتظر سير ونتائج تلك المحاكمات وما ستسفر عنه من إجراءات التقاضي، وأعتقد أن من يحسم هذا الموضوع، هو مجلس الأمن وهيئة الامم المتحدة من خلال مواكبة الإجراءات بقرار يلزم حكومات الدول بإعادة رعاياها، لتنفيذ ما أقرته المحكمة، وألا ستكون فرصة لتلك الدول للتنصل من مسؤوليتها”.
وحول تأكيد الإدارة الذاتية أن قرارها لا يعني عدولها عن رأيها في ضرورة إنشاء محكمة دولية، وهل سيمكن محاكمة الدواعش الذين سيجري محاكمتهم في شمال سوريا، ضمن محاكم الدول التي ينحدر منها الإرهابيون (في حال رغبت في ذلك مستقبلاً)، أوضح “حبيب” أن “هذا الأمر متعلق أساساً بشكل المحكمة”.
مُبيناً: “إذا شارك بها قضاة دوليون، سيكون قرارها ملزماً، ولو كان تنفيذ الأحكام خارج شرق الفرات، أما إذا امتنع المجتمع الدولي والحكومات التي ينتمي لها عناصر التنظيم عن التعاون، فسيكون تنفيذ الأحكام في منطقة شرق الفرات وحسب القانون الذي اعتمدته المحكمة المشكلة لهذا الغرض، ويبقى تأكيد هذا الأمر منوطاً بتطور الأحداث والإجراءات في هذا الصدد”.
وبخصوص دعوة “الإدارة الذاتية” للتحالف الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية المحلية، للانخراط بشكل إيجابي والتواجد وتقديم الدعم خلال جميع مراحل المحاكمات، ذكر “حبيب” أنه “من حيث المبدأ، يجب على كل الأطراف الدولية المعنية بمحاربة الإرهاب دعم الخطوة، خصوصاً في ظل التجاذب والخلاف الحاصل في مجلس الأمن، والذي قد يكون السبب في تعطيل أي قرار ينص على إنشاء محكمة دولية”.
مردفاً: “اعتقد أن الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، هي الطرف الذي من المُتوقع أن يدعم الخطوة، والتي ستكشف بشكل واضح من هي الدول المتضررة من الإرهاب، من تلك الدول التي تستثمر بتلك الجماعات لتحقيق مصالحها وأطماعها في المنطقة”.
كوباني.. منطق هزيمة داعش ومُحاكمة إرهابيها
وبحسب معلومات حصل عليها موقع “العربية.نت” في العاشر من يونيو، فإن أولى المحاكمات ستتم في مدينة كوباني، الواقعة شمال البلاد على الحدود مع تركيا، بسبب أن معركة القضاء على التنظيم المتطرّف انطلقت منها.
وحول اختيار كوباني، مقرّاً رئيسياً لمحاكمة عناصر داعش، فقد لفت “حبيب” إلى أن “الكثيرين يعتقدون أن معركة التحدي الخطير في مدينة كوباني، كانت حدثاً عابراً أو تفصيلاً من جملة عناوين أدت لهزيمة تنظيم داعش، لكن الحقيقة بأنها كانت معركة صمود من أجل البقاء، وتحدي يهدف لكسر التنظيم، وقد نجح مقاتلو المدينة ومن ساندهم من الأحرار، في تحقيق النصر والتأسيس لبداية هزيمة التنظيم، وأقل عرفان لتضحيات أبناء هذه المدينة، أن تكون أولى المحاكمات على أرضها، و لكن للموضوع أسباب أخرى، منها القرب من مكان الجريمة والشهود وذوي الضحايا، مما يسهل عمل المحكمة وإجراءات التقاضي”.
لكن لا توجد في قوانين “الإدارة الذاتية” عقوبة للإعدام، استناداً للعقد الاجتماعي الخاص بها، وهو ما يضاعف المخاوف بقدرة “الإدارة الذاتية” لوجيستاً واقتصادياً على التكفل بسجون عناصر التنظيم، الذين يصل عددهم لآلاف الإرهابيين، قد ينال قسم كبير منهم، أحكاماً بالسجن لسنوات طويلة.
بيد أن “حبيب” بدّد تلك المخاوف لــ”منصة تارجيت” بالقول: “حقيقةً، الواقع الحالي يؤكد بأن الإدارة في جميع الأحوال تقوم بعبء احتجاز عناصر التنظيم، ولا تتلقى أية مساعدة في هذا الصدد، إذاً فالأمر سيان إن كان الاحتجاز انتظاراً لتشكيل محكمة دولية، والذي طال لأربع سنوات دون نتيجة، أو كان تنفيذاً لأحكام المحكمة المعنية بالأمر”.
وتابع “حبيب”: تحمل الإدارة الذاتية وقسد وقوى الأمن في مناطق الإدارة الذاتية، على كاهلها أعباء كثيرة، ومنها مراقبة وإدارة سجون عناصر التنظيم، ويأتي موقفنا بهذا الخصوص امتداداً لتضحيات شهدائنا عندما حرروا هذه المنطقة، وبدورنا سنقوم بواجبنا وسنعمل على استمرار حالة الأمن والسلم في منطقة شمال وشرق سوريا، بإمكانياتنا وننتظر من المجتمع الدولي وحكومات الدول المتضررة من ظاهرة الإرهاب، الا تقف مكتوفة الايدي، وتكون أكثر جدية، حيث يجب عليهم تقديم المساعدة اللازمة للقضاء على تركة داعش الثقيلة”.
ورغم ذلك، فإنها تبقى مهمة ليست بالسهلة، إلا أن القيام بها يبدو واجباً على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، تجاه أبناء المنطقة بمختلف مكوناتهم، ممن تضرروا بشكل كبير بالهجمات الدموية لتنظيم داعش الإرهابي، فيما لن يرتبط حسن سير عملية القضاء فقط بالدعم الدولي المنتظر، بل أيضاً بوقف الهجمات العسكرية التركية على المنطقة، والتي ساهمت في سنوات سابقة، بفرار إرهابيي داعش من مُخيمات مُخصصة لعوائل التنظيم الإرهابي.