بعد سبات طويل.. المعارضة تقترح التفاوض المباشر مع حكومة دمشق

القامشلي 

بعد انقطاع لثلاث سنوات وغياب شبه كلي عن مشهد الأزمة ما خلا تصريحات لبعض المسؤولين، عقدت “هيئة التفاوض” السورية اجتماعاً في مدينة جنيف السويسرية يومي الثالث والرابع من حزيران/ يونيو، لبحث التطورات الأخيرة في الأزمة السورية والتطبيع العربي مع حكومة دمشق ومسار الحل السياسي، مبدية استعدادها للتفاوض المباشر مع دمشق “بموجب القرارات الدولية”.

“هيئة التفاوض” التي تضم ممثلين عن عدة جهات ومنصات سورية معارضة، قالت في بيان بعد الاجتماع: “إنه جرت مناقشة بيان عمان وإعلان جدة “بكل موضوعية” أوضحت الملامح العامة للمبادرة العربية بشأن سوريا وفق مبدأ خطوة مقابل خطوة، مطالبةً بتنفيذ القرار الأممي 2254 بشكل كامل وصارم يفضي إلى انتقال سياسي حقيقي كفيل بالقضاء على الإرهاب وتحقيق السلم الأهلي وضمان انسحاب الميليشيات الأجنبية والحفاظ على وحدة البلاد، وتقدير كل جهد يسعى لتحقيق الحل السياسي المستدام وفق القرار الأممي والانتقال إلى دولة ديمقراطية تعددية يتم فيها تداول السلطة سلمياً واحترام حرية التعبير وضمان حقوق الجميع.

انتقاد للتطبيع العربي مع دمشق

بيان “هيئة التفاوض” أضاف، “أن إعطاء الثقة المسبقة للنظام بإعادته للجامعة العربية قبل التزامه بقرارات الشرعية الدولية يحمل في طياته خطر تمسكه “بالمكاسب المجانية” التي سيحققها من التطبيع ورفض المضي بالحل السياسي أو تقديم أي خطوة ذات قيمة تجاه الاستقرار ورفع المعاناة عن الشعب السوري، وضرورة تضافر الجهود الوطنية والأممية للعودة الطوعية للاجئين إلى وطنهم، ومطالبة الدول الشقيقة والصديقة بدعم جهود الأمم المتحدة لاتخاذ كل ما يلزم من قرارات لتطبيق الحل السياسي الشامل وفق القرار 2254، والتأكيد على أن قضية المعتقلين والمغيبين قسرياً هي أساس أي إجراء إنساني لبناء الثقة نحو تنفيذ القرار الأممي ويحب إبعادها عن أي تسييس أو استغلال من أي نوع كان.

رئيس “الهيئة” بدر جاموس، قال خلال مؤتمر صحفي بعد انتهاء أعمال الاجتماع: “إنه بحث مع المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون “الديناميكيات الإقليمية والدولية” المتعلقة بالحرب في سوريا، إلى جانب الاجتماع الرباعي بشأن سوريا الذي عقد في موسكو بالعاشر من أيار/ مايو الماضي، بمشاركة وزراء خارجية سوريا وتركيا وإيران وروسيا، مضيفاً: “أن المعارضة مستعدة لمفاوضات ديناميكية في إطار القرار 2254 من أجل التوصل لحل عادل، وأن خطوات التطبيع العربية مع النظام لن تفض إلى حل سياسي، ومعتبراً في الوقت نفسه أن الأخير مسؤول عن عرقلة العملية السياسية، وأن أي عودة للاجئين السوريين لن تتحقق دون التوصل إلى حل سياسي، على حد تعبيره.

وعلى هامش اجتماعها في جنيف اجتمعت “هيئة التفاوض” مع مبعوثي عدد من الدول الغربية والعربية إلى سوريا وهم ممثلو كل من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وسويسرا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وهولندا وتركيا وإيطاليا ومصر وقطر، لبحث تطورات الأزمة السورية، وقالت في بيان “إنها متمسكة بجنيف كمكان للتفاوض مع حكومة دمشق تحت مظلة الأمم المتحدة”، ومبدية استعدادها لـ”التعامل بإيجابية” مع كل المبادرات التي تسعى إلى تحقيق القرارات الدولية كالمبادرات العربية أو الرباعية أو مبادرات الأمم المتحدة.

الفشل في تأسيس مسار ناجع للحل

الأكاديمية وعضو اللجنة الدستورية السورية الدكتورة سميرة مبيض، قالت في تصريحات لمنصة تارجيت في هذا الخصوص: “إن هيئة التفاوض تضم عدة جهات مُعارضة تتبع لتيارات سياسية وإيديولوجية مختلفة وهي لا تضم مستقلين رغم ادعاء القائمين عليها بغير ذلك، وقد فشلت هذه الهيئة منذ تأسيسها بقيادة المفاوضات بمسار ناجع يحقق مصالح السوريين، وبتمسك أعضاؤها اليوم بترديد مطالب عمرها يقارب ثماني سنوات بـ”خطاب ببغائي” في حين تستمر معاناة الشعب السوري بالنزيف تحت الصراعات وبفقدان الموارد والأرض وبتجميد التنمية”.

وتضيف الدكتورة سميرة مبيض: “أنه ورغم وضوح رفض النظام لتنفيذ القرار 2254 والذي سيتيح لهذه الهيئة مشاركته بالسلطة لكنهم لا يتوانون عن التمسك بسراب سيقود بالنتيجة الى فقدان كل مكتسبات السوريين إن لم يتم إيقافهم عند حدهم ورفع الثقة عنهم، وهي غير موجود أساساً، ومنع مساعيهم الذاهبة سواءً إلى إعادة التطبيع أو نحو القبول بهيمنة دول الجوار على الأراضي السورية وفقدان السيادة والأراضي السورية لصالح التقسيم والاندثار”.

معارضة مقسمة

من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي سامر الخليوي في حديث لتارجيت: “إن هناك تخبط بوفد المعارضة منذ أن قسمها ديمستورا إلى معارضات وتم إبعاد العديد من وفد المعارضة والذين تم تسميتهم بالصقور وجاؤوا بغيرهم من الضعفاء الذين خضعوا لإملاءات ديمستورا وغيره حيث بدؤوا بالتنازل شئياً فشيئا وتم إدخال منصة القاهرة وموسكو وكل منهما تتبع دولة ولا تلتزم بمبادئ وأهداف الثورة، وطالما أن الوفد مقسم فليس لديه أية أوراق قوة يمكن من خلالها طرح ما يريد ويفاوض بتلك الأوراق، مضيفاً “أنه مر وقت طويل للمفاوضات بين المعارضة والنظام ولم ولن يتحقق شيء لأن النظام يماطل كعادته ولا توجد آلية قوية من قبل بيدرسون يمكن أن تجبر النظام على الانخراط جدياً بالتفاوض والالتزام بجدول زمني وطالما الأمر هكذا فلن يحصل أي تقدم مالم تتدخل الولايات المتحدة والدول الغربية مع الأمم المتحدة بقوة لفرض حل أو التفاوض على حل وهذا الأمر غير متوفر الآن ولذلك لم ولن تستطيع روسيا وإيران وحتى تركيا أن يفرضوا حل”.

تغير كبير في المواقف

ويمثل إعلان المعارضة ممثلة بـ”هيئة التفاوض” الاستعداد للتفاوض المباشر مع حكومة دمشق بحسب محللين، عودة إلى المراحل الأولى من عمر الأزمة التي كانت قد دعت فيها أطراف سورية وطنية وجهات دولية إلى تفاوض سوري – سوري بعيداً عن أي أجندات خارجية، يفضي إلى حل نهائي للأزمة، إلا أن المعارضة رفضت الانخراط في أي محادثات قبل رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، قبل أن تتحول الأزمة إلى صراع دامي أدى لمقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين داخل البلاد وخارجها، ناهيك عن الدمار الكبير في البنية التحتية والانهيار الاقتصادي غير المسبوق وما تبع ذلك من أزمات إنسانية ومعيشية، ما يسلط الضوء على ارتباط هذه المعارضة بجهات وأجندات خارجية، حولت هي الأخرى بوصلتها نحو التطبيع مع دمشق، ما دفع المعارضة للسير في هذا الاتجاه.

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي سامر الخليوي: “فإنه إذا توفرت القوة والرغبة الحقيقية لدى أمريكا والغرب للتوصل إلى حل في سوريا فسوف يستطيعوا ليس إقناع النظام وروسيا بحل وإنما يجبرونهم على تنفيذه، ولكن أمريكا تعمل على إدارة القضية السورية وليس حلها والدول الغربية تتبع وتتماشى مع أمريكا”.

واعتبرت الدكتورة سميرة مبيض في حديثها لتارجيت: “أن مخرجات اجتماع هيئة التفاوض الذي اسمته بـ”الهزيل” في جنيف غير مجدية فهي تدور في أطر فشل الهيئة لسنوات في حين لا مستقبل للمحادثات السياسية السورية ما لم يتم ضمان حقوق ومصالح السوريات والسوريين على ركائز متينة ومستدامة وهذا ما لا تحققه هذه الجهة بأي شكل كان” على حد تعبيرها.

ويأتي طرح “هيئة التفاوض” في وقت تشهد فيه الأزمة السورية تطورات وتغيرات كبيرة ومتلاحقة، أبرزها عودة دمشق للجامعة العربية، في ظل غياب للمعارضة عن المشهد السياسي وافتقداها إلى أي أوراق أو أدوات يمكنها من خلالها التمسك بمواقف معينة تقود لمفاوضات الحل السياسي وذلك بعد أن استعادت قوات حكومة دمشق السيطرة على أغلب المناطق السورية كما أن المعارضة فقدت رصيدها الشعبي على خلفية الاتهامات بالارتباط بأجندات خارجية على حساب مصالح السوريين، ما يجعل من استجابة دمشق لأي محادثات أو قرارات أمر بعيد إلى حد كبير، على اعتبار أنها ترى نفسها في موقف يسمح لها بإملاء شروطها، وعليه فإن هذا الطرح لا يتعدى أن يكون تماهياً مع موقف تركيا التي بدأت منذ نهاية العام الماضي بشكل رسمي بتطبيع علاقاتها مع دمشق، في ظل تبعية كاملة من قبل المعارضة لأنقرة.

قد يعجبك ايضا