القاهرة ـ حوار محمد اسماعيل
قبل أيام وجهت دولة الإمارات العربية المتحدة دعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيمين نتنياهو لحضور قمة المناخ “كوب 28” التي تستضيفها أبوظبي نهاية هذا العام، وكانت المفارقة أن الدعوة تم توجيهها أيضا لرئيس حكومة دمشق بشار الأسد، فعلى أرض واحدة سيتواجدا بشار ونتنياهو.
البعض ذهبت أنظاره على الفور إلى الإمارات وطرح تساؤلات حول فرضية أن يكون لها دورا ونرى تفاهمات بين بشار الأسد وإسرائيل في إطار ما يسمى باتفاقات السلام الإبراهيمي، والتي قد تتوج بتطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب، لما لا وهذه الاتفاقات تمت من قبل مع السودان والمغرب والبحرين وسلطنة عمان إلى جانب الإمارات، في وقت كان كثيرون يستبعدون ذلك.
في هذا السياق، حاورت منصة “تارجيت” الإعلامية الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية المصري وأحد أبرز المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط وإسرائيل، والذي لم يستبعد إمكانية تطبيع العلاقات بين بشار الأسد وبنيمين نتنياهو، بل إنه يرى أن التطبيع بينهما قد يحدث دون الحاجة إلى وساطة الإمارات أو غيرها. ويرجع “فهمي” ذلك إلى أن التطبيع سيحقق مكاسب للطرفين، كما أن الشرق الأوسط يعيش مرحلة جديدة من السياسة الواقعية التي تقوم لعى تفكيك كثير من الأزمات والمشكلات.
نص الحوار:
ـ قد يبدو أمراً بعيداً لكن هذا لا يمنع السؤال، هل يمكن أن يكون هناك تطبيع للعلاقات بين حكومة دمشق وإسرائيل تحت راية ما يسمى بـ”السلام الإبراهيمي”؟
التطبيع بين بشار الأسد وإسرائيل يمكن حدوثه جداً، وهذا لجملة من الاعتبارات، ففي تقديري فإن توجهات السياسة السورية الجديدة يجب أن نضعها في اعتبارنا، أولا لأن بشار الأسد يعمل على إعادة تموضع حضوره في الإقليم، وهذا يعني أنه يبحث عن موطئ قدم لتقديم نفسه في النظام الإقليمي الجديد الذي يتشكل، صحيح أن هذا التقديم له وجهة نظر وزاوية عربية باعتبار الأشقاء في السعودية والإمارات إلى جانب مصر هم من أعادوا تقديم بشار الأٍسد مرة أخرى بغض النظر عما جرى، لكن تطلعات نظام الأسد في الوقت الحالي تبدو إقليمية أكثر منها عربية في المقام الأول.
ـ ماذا يعني أن تطلعاته إقليمية وليست عربية؟ ما الفارق؟
المقصود بذلك أن النظام السوري لن يقدم على تفكيك علاقاته مع إيران وهذا من غير المتوقع، إنما الأمر هو قدرة الدول العربية التي تضغط في اتجاه على العمل على استعادة سوريا الآن أو غدا سواء في وجود بشار الأسد أو في وجود غيره، لكن إقدام بشار الأسد على هذه الخطوة أي الابتعاد عن إيران مستبعدة في الوقت الحالي، وهذا لأن الإيرانيين أصبحوا في موقع حضور استراتيجي في سوريا، والسبب الثاني التعاون بين الروس والإيرانيين في الأراضي السورية، وهذا التعاون بينهما لن يتفكك والروس لن يسمحوا بإبعاد طهران من المشهد لجملة من الاعتبارات، أبرزها أن إيران مضت اتفاق تطبيع العلاقات مع السعودية حتى وإن كانت ارتدادات هذا الاتفاق لا تزال غير واضحة ولن تتم بين يوم وليلة نتيجة واقعية السياسة الخارجية الإيرانية.
ـ نعود مرة أخرى لسؤالنا، هل يمكن أن يقدم بشار الأسد على التطبيع مع إسرائيل وسط هذه الأجواء؟
كما قلت نعم ممكن، أولا لأن السوريين لا يزال لديهم أرض محتلة من قبل إسرائيل، وإذا تفاوضوا فإنهم في هذه الحالة يتكلمون سياسة واقعية، أي يتم الاتفاق – وهو موجود حاليا في مناطق خفض التوتر في درعا والقنيطرة والجولان – ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيمين نتنياهو لديه سوابق مع الجانب السوري في مفاوضات سابقة ووصلت إلى مراحل نهائية قبل اتفاق واي ريفر وما بعد واي ريفر.
ـ هل يمكن أن تلعب الإمارات دور الوسيط؟
أعتقد أن الإمارات ليست بحاجة إلى لعب هذا الدور، لأن كل الأطراف في مثل هذه القمم كقمة المناخ يعمل على تقريب وجهات النظر مع الطرف الآخر بصورة وأخرى، على سبيل المثال كما حدث بين مصر وتركيا عندما التقى الرئيس عبدالفتاح السيسي نظيره التركي رجب طيب أردوغان دون أن يكون ذلك مرتباً في قمة العشرين، ثم حضر الرئيس السيسي حفل افتتاح مونديال قطر 2022 في وجود أردوغان وتصافحا. وفي الوقت ذاته، الإمارات حتى وإن كان ليس هناك حاجة لأن تلعب هذا الدور لكنها يمكنها القيام به، ويمكن لأطراف أخرى القيام بنفس الدور، لكن هناك توجهات من قبل الطرفين السوري والإسرائيلي للالتقاء.
ـ حال التفاوض أو التطبيع لاحقاً، ما المكاسب التي يمكن أن تعود على الطرفين؟
أول المكاسب بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي أنه يعتقد أنه بالاتفاق مع حكومة دمشق يمكنه إبعاد سوريا ولو قليلا عن إيران عبر جذبها لتحالفات أخرى، هكذا يفكر نتنياهو، والأمر الثاني أن الجولان لا تمثل أي شيء بالنسبة لنتنياهو، وإذا تم الاتفاق سيكون هناك ضبط للسلاح فيها أو حظر للتسلح كما حدث من قبل في سيناء، أي أن هناك تجربة مع مصر ومستمرة وناجحة بشكل كبير، فما بالك بسوريا، وبالتالي هذا مكسب لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي.
ـ ماذا عن مكاسب بشار الأسد من الذهاب إلى التفاوض مع إسرائيل؟
شرعية النظام في سوريا منذ أيام حافظ الأسد قائمة على أن هناك جزء من الأرض محتل، كانت الشرعية لدى حافظ الأسد قائمة على أساسين العلويين والأرض المحتلة، وبالتالي بشار يريد تكرار نموذج والده الذي تفاوض مرات كثيرة، ولغة المكاسب والخسائر هي التي تدفع الطرفين الإسرائيلي والسوري للتفاوض، وهي مكاسب رابحة للطرفين وأعتقد أنه ليس هناك خسائر لأي من الطرفين.
ـ لكن يا دكتور طارق، كيف ستقبل إيران بتفاوض بين بشار الأسد وإسرائيل في ظل ما نراه من توترات بين طهران وبين تل أبيب؟ وأين شرعية ما يسمى بمحور المقاومة هنا؟
لا توجد شرعية لمحور المقاومة، فعلى سبيل المثال حزب الله اللبناني المدعوم من إيران لم يفعل أي شيء بخصوص ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وهدد بأمور كثيرة مثل ضرب الآبار ولم يقم بأي شيء، بل بالعكس ما يحدث الآن أن الإسرائيليين واللبنانيين يتفاوضون على ترسيم الحدود البرية، وفق مصادر مؤكدة، وبالتالي ليس هناك ما يسمى بشرعية محور المقاومة.
ـ وماذا عن موقف الجانب الإيراني من أي خطوات للتطبيع بين دمشق وتل أبيب؟
لا أعتقد أن أيران ستعترض على هذا، بل بالعكس، يمكن أن يتم استخدام سوريا في هذا الإطار حتى لو لاحقا من قبل النظام الإيراني لتخفيف العبء عن الإيرانيين، أي تفاوض سوريا مع تل أبيب يمكن أن تستفيد منه طهران ليتم تخفيف الضغوط عليها، وهذه هي السياسة، ولن تمنع طهران حكومة دمشق من التفاوض، وبشار الأسد في الوقت ذاته يتحدث عن سياسة واقعية نفعية برجماتية، فتحدث عن “الاحتلال العثماني التركي” خلال كلمته في القمة العربية بجدة، في الوقت الذي يجري حاليا تطبيع للعلاقات بين تركيا وبشار الأسد، بل وحاول العرب عبر مصر التوسط بين دمشق وأنقرة فتم رفض ذلك وأكد أنهما سيتفاوضان بشكل مباشر أي مع الأتراك بشكل مباشر دون الحاجة لوسيط.
ـ يبدو كما لو كان هنا تغيير لكثير من الخطوط السياسية التي ترسم واقع الشرق الأوسط، أليس كذلك؟
نحن أمام جزء من السياسة الواقعية يرسم في الإقليم حاليا، هذه السياسة تقوم على تفكيك الأزمات وتخفيف التوترات، وهذا يفسر لنا أيضا توجهات التقارب بين مصر وإيران، حتى لو نفي وزير الخارجية المصري سامح شكري ذلك، لكن الإيرانيين أكدوا توجهات التقارب سواء من قبل وزير الخارجية الإيراني وحتى الرسائل التي جاءت على لسان مرشد إيران بشأن السياسة الخارجية، وكما فعلت مصر مع الأتراك ستفعل مع إيران، ما يجري سياسة واقعية قائمة على المصلحة.
ـ هل يمكن أن يكون تفاهم بشار الأسد مع إسرائيل يحمل استفادة له من خلال تخفيف الضغوط الأمريكية عليه؟ أو تذكرة مرور له للشرعية الدولية؟
بالطبع، هذا هو بالفعل الذي سيحدث، سيكون الاتفاق أو التفاهم مع إسرائيل وسيلة بشار الأسد للحديث مع أمريكا والكونجرس، والصعوبات التي تفرض على الدول التي تريد العمل مع سوريا ستقل، صحيح أن واشنطن لديها تحفظات على عودة العلاقات العربية مع بشار، لكن وقتها سيكون هناك حديث عن أبعاد إنسانية وغيرها، ستجد واشنطن مبرراتها وقتها، وسيعمل نتنياهو نفسه على تخفيق العقوبات على حكومة دمشق، الأمر سيتم حسابه هكذا.