بموازاة التطبيع العربي.. فرنسا تدعو لمحاكمة بشار الأسد

القامشلي 

في سياق الموقف الغربي – أمريكياً وأوروبياً- الرافض لأي تطبيع مع حكومة دمشق إلا بشروط محددة ليس أقلها الحل السياسي والإفراج عن المعتقلين، جددت فرنسا رفضها أي إعادة للعلاقات مع دمشق وأكدت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا تأييد بلادها محاكمة الرئيس السوري بشار الأسد على ما قالت إنها الجرائم التي ارتكبها خلال سنوات الحرب.

كاترين كولونا، قالت في تصريحات صحفية: “إن نظام الرئيس السوري بشار الأسد تسبب بسقوط مئات آلاف القتلى والجرحى من السوريين، واستخدم الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين العزل، مضيفةً أن موقف الحكومة الفرنسية تجاه الأسد ثابت ولم يتغير وأن محاربة الجرائم والانتهاكات والإفلات من العقاب جزء أساسي من الدبلوماسية الفرنسية، ولافتةً في الوقت نفسه إلى أن مسألة رفع العقوبات الأوروبية عن دمشق وبشار الأسد ليست على جدول الأعمال الأوروبية بالمطلق.

وتأتي التصريحات الفرنسية، في وقت تتجه فيه الولايات المتحدة لتشريع قانون “حفار القبور” الذي تقول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ومسؤولون في الكونغرس الأمريكي، إنه يستهدف إدانة النظام السوري على خلفية الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحق السوريين، وذلك بعد أسابيع على إقرار الكونغرس ومجلس النواب الأمريكيين مشروعي قرار “الكبتاغون” و”مكافحة التطبيع”، حيث يعتبر الأول حكومة دمشق المسؤولة الأولى عن تجارة وتهريب المخدرات، ويوجه الثاني تحذيرات للدول التي تطبع مع دمشق من مواجهة “عواقب وخيمة” كما يمدد عقوبات “قيصر” الأمريكية على سوريا إلى ألفين واثنين وثلاثين.

دول تبحث عن مصالحها ولا يمكن التعويل على مواقفها

وفي هذا السياق، يقول رئيس منظمة كرد بلا  حدود كادار بيري: “إنه أياً كانت المواقف فلا يمكن التعويل عليها خاصةً بالنسبة للدول لأن الكل يبحث عن مصالحه، فدول الاتحاد الأوروبي أو أمريكا لا يمكن التعويل على مواقفها لأنه في لحظة ما تأتي المواقف بحسب المتطلبات والمصالح، لكن بالمجمل كافة الدول الأوروبية وخاصةً التي تقود السياسية الأوروبية مثل فرنسا هي تبحث عن حل شامل للملف السوري، ولا يمكن لأي دولة أن تتصرف بالملف السوري دون استشارة فرنسا، خاصةً أن النظام “الكولونيالي” مازال موجوداً، والذي يعتبر أن سوريا إحدى الدول التابعة لفرنسا مثل الجزائر وتونس ولبنان، لكن بسبب مصالحها يمكن أن تغض النظر عن أي مواقف تحصل أو تؤجل مواقفها الحقيقية تجاه أي حل”.

ويضيف بيري في حديث لمنصة تارجيت: “أن موقف الدول العربية بدا وكأنه تدارك أو تسابق لأن لا يكون هناك حل “روسي تركي إيراني” في سوريا وتبقى الدول العربية بعيدة عن هذا الحل، لذلك شهدنا تحركاً عربياً تمثل بالبداية بالإمارات ثم المملكة العربية السعودية، كي يكون حاجزاً أمام الحل التركي الذي يريد عودة النظام السوري وكأن شيئاً لم يكن، أو تثيبت مواقف لتركيا بسيطرتها على أجزاء من سوريا كإحداث التغيير الديمغرافي مثلاً الذي هو مشروع تركي بعد فشل محاولة القضاء على قوات سوريا الديمقراطية، خاصةً أن العرب يدركون أطماع تركيا بالمنطقة في حال بقاء أردوغان بالسلطة بإعادة الحكم العثماني، إلى جانب أطماع إيران التي كانت تتحدث عن “الهلال الشيعي” واليوم يتحدثون عن “البدر الشيعي” الذي يشمل كل من طهران بغداد دمشق وبيروت، مشيراً إلى أن دمشق لا يمكنها تلبية المتطلبات العربية ولا يمكنها الانفكاك عن محور إيران التي أيضاً لا يمكنها إلا إن تراعي مصالح تركيا، فالإثنين لهما أهداف مشتركة وتحديداً كيفية القضاء على الشعب الكردي والقضية الكردية”.

التصريح الفرنسي رداً على أصوات داخلية

من جانبه، يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي نمرود سليمان: “إن تصريح وزيرة الخارجية الفرنسية جاء رداً على بعض الأصوات الفرنسية –أحزاباً وأفراداً- التي تطالب بعودة العلاقة بين باريس ودمشق وهو تصريح للاستهلاك المحلي، مشيراً إلى أنه لم يأت رداً على دعوة بشار الأسد لحضور القمة العربية وشغل سوريا مقعدها بالجامعة العربية، بل أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شجع الرئيس الأوكراني زيلينسكي على حضور مؤتمر القمة وبوجود الأسد وقدم طائرة فرنسية لنقل زيلينسكي إلى جدة”.

ومنذ بدء العديد من الدول العربية تطبيع علاقاتها مع حكومة دمشق في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، توالت التصريحات الغربية التي تؤكد رفض أي علاقات مع دمشق، ما يظهر تشدد الموقف الغربي في هذا السياق، رغم التطلعات العربية لأن تكون عودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى حضنها بوابة للبدء بحلحلة الأزمة السورية، وتحقيق خطوات يمكن البناء عليها لإنهاء هذه الأزمة بشكل نهائي، وبالتالي يسلط هذا الأمر الضوء على تباعد المواقف الغربية والإقليمية بشأن مقاربات الحل.

ويضيف المحلل السياسي نمرود سليمان في حديث لمنصة تارجيت: “أنه دعنا نسأل هل الانفتاح السعودي والمصري والإماراتي والدول الأخرى على سوريا جاء بدون ضوء أخضر أمريكي”، معتبراً أن “زيلينسكي حاجة أمريكية أوروبية في مرحلة صعبة بعد الحرب الأوكرانية، وهل كان بمقدور الرئيس الأوكراني حضور قمة جدة دون طلب أمريكي أوروبي”.

حكومة دمشق لا يمكنها تلبية المطالب العربية

وبحسب رئيس منظمة كرد بلا حدود كادار بيري، “فإن النظام السوري لا يمكنه تلبية المطالب العربية بإبعاد تركيا وإيران والبدء بحل سياسي شامل وأن يكون هناك وقف لعمليات تهريب المخدرات، ولا يمكنه التحرك في هذا الاتجاه لأن إيران متغلغلة وتركيا لديها يد طولى بالملف السوري، خاصةً بعد اتفاقات “سوتشي وأستانا” بين الرباعي المتمثل “بتركيا وإيران وروسيا والنظام السوري”، معتبراً أن الأخير لا يمكن أن يكون متعاوناً بشأن القرار 2254، لأنه لا يزال يفاوض على موضوع الوقت وإعادة الأمور إلى ما قبل ألفين وأحد عشر، وبالتالي ستبقى الضغوطات العربية والغربية عليه وعلى داعميه، روسيا وإيران وتركيا التي بدأت مؤخراً بدعم النظام ومحاولة إعادة تعويمه، وشرطها في ذلك القضاء على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، هذا المكون الديمقراطي والقوة التي أنشأت حديثاً وتمكنت من الدفاع عن نفسها، وأثبتت جدارتها على الساحة كقوة ديمقراطية سورية، تدافع عن وحدة الأراضي السورية والوقوف في وجه الإرهاب والمحتل التركي”.

شروط غربية لتطبيع العلاقات مع دمشق

وتضع الولايات المتحدة ودول أوروبية، شروط قديمة جديدة من أجل القبول بإعادة العلاقات مع حكومة دمشق ورفع العقوبات عنها والسماح بإعادة الإعمار، أبرزها حل سياسي وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وعلى رأسها القرار اثنان وعشرون أربعة وخمسون، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والناشطين، والكشف عن مصير المغيبين قسرياً وضمان عودة آمنة للاجئين السوريين، كلها تجعل من المقاربات أمراً مستبعداً خلال المدى المنظور، خاصةً مع اختبار تملص حكومة دمشق على مدى اثني عشر عاماً من الأزمة، من أي اتفاقات تقود لتطبيق القرارات الدولية وخاصة القرار 2254 المتضمن انتقال سياسي وإجراء انتخابات بإشراف دولي ووجود طرفين أساسيين معنيين بذلك هما حكومة دمشق والمعارضة، التي بات من الجلي أنها أصبحت خارج الحسابات الإقليمية بالنسبة لأي مفاوضات بشأن سوريا.

التصريحات الغربية المتوالية بشأن رفض أي تطبيع مع دمشق، تأتي في أعقاب القمة العربية التي عقدت بمدينة جدة السعودية في التاسع عشر من أيار/ مايو، وشهدت حضور الرئيس السوري بشار الأسد لأول مرة منذ ألفين وأحد عشر، حيث تحدث وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان خلال مؤتمر صحفي في نهاية القمة، عن توجهات عربية لإجراء مشاورات مع “الشركاء الغربيين” بشأن العلاقات مع دمشق، التي قال إنها ضرورية من أجل التوصل إلى حل للأزمة السورية وإنهاء معاناة السوريين المستمرة منذ أكثر من اثني عشر عاماً.

قد يعجبك ايضا