القامشلي
في خطوة تنذر بمخاطر وقد تؤدي لنقص بالمواد الأساسية الضرورية لسكان مناطق وشمال وشرق سوريا، الذين يعانون أصلاً من حصار متكرر يفرضه الاحتلال التركي والفصائل التابعة له، أقدمت سلطات إقليم كردستان على إغلاق معبر “سيمالكا” الحدودي من جانب واحد، والذي كان يستخدم لإدخال المواد الأساسية ودخول المنظمات الإنسانية التي تقدم الدعم لسكان المنطقة والمهجرين إليها لاسيما من مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض المحتلة شمالي سوريا، الموزعين في عدة مخيمات بالمنطقة. إدارة المعبر من جانب إقليم كردستان أعلنت الأسبوع الماضي إغلاقه بشكل كامل حتى إشعار آخر، وأعطت أهالي شمال وشرق سوريا المتواجدين في الإقليم إما للعلاج أو لأسباب أخرى، مهلة أسبوع للعودة إلى سوريا، حيث سيسمح لهم بالمغادرة أيام السبت والإثنين والأربعاء من الأسبوع الممنوح، في حين يحق لحاملي الإقامة الأوروبية المتواجدين في سوريا العودة إلى الإقليم خلال نفس الأيام حتى العشرين من الشهر الجاري، معللة الخطوة بما قالت إنه منع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وفد من “المجلس الوطني الكردي” من العبور للإقليم لحضور افتتاح معرض البارزاني بأربيل الذي تمت دعوتهم إليه.
إغلاق متكرر من جانب سلطات الإقليم
وهذه ليست المرة الأولى التي تغلق فيها سلطات إقليم كردستان معبر “سيمالكا” أو “فيشخابور” حيث أقدمت على الخطوة عدة مرات منذ افتتاحه عام ألفين واثني عشر، ويتحول لاحقاً إلى أحد شرايين الحياة الأساسية لسكان شمال وشرق سوريا خاصةً بعد إغلاق معبر اليعربية/ تل كوجر بفيتو روسي صيني في مجلس الأمن الدولي عام ألفين وعشرين، حيث تقول جهات حقوقية إن سلطات الإقليم تستخدم المعبر للضغط على الإدارة الذاتية وتقحمه في الخلافات السياسية، وذلك رغم المطالبات بتحييده عن أي خلافات كونه يستخدم للدعم الإنساني وإدخال المواد الأساسية.
معبر سيمالكا يدر مكاسب مالية على إقليم كردستان
وجاء قرار الإغلاق رغم المكاسب المالية التي تجنيها سلطات الإقليم من وراء فتحه، حيث تحول إلى طريق للمنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة والوفود الغربية القادمة إلى مناطق شمال وشرق سوريا وبوابة تجارية كبيرة تدخل منها البضائع والمواد الأساسية والتجارية إلى المنطقة، وما رافق ذلك من نشاط تجاري داخل الإقليم تمثل بحركة أعمال الفنادق وإقامات البعثات والوفود البرلمانية الغربية، إلى جانب رسوم الدخول التي تفرضها سلطات الإقليم على القادمين من سوريا والبالغة مئة دولار عن كل فرد على أقل تقدير، والتي تصب جميعها في خزائنها، ما يثير التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء إغلاقه بعيداً عن الخلافات السياسية التي ليست بالجديدة.
تفضيل المصالح الحزبية على حساب القضية الكردية
رئيس حركة التجديد الكردستاني وممثل مجلس سوريا الديمقراطية في ألمانيا الدكتور ريزكار قاسم، قال في تصريحات لمنصة تارجيت: ” إن الخلافات القائمة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والإدارة الذاتية في غربي كردستان ومناطق شمال شرقي سوريا بدأت منذ بداية الأزمة السورية عندما اتفق الطرفان على فتح معبر “سيمالكا” لأهدافٍ إنسانية وتجارية لخدمة طرفي المعبر غير أن المسألة أخذت منحىً آخر، عندما زج المعبر في المعادلة السياسية وتحول لوسيلة ضغط ودعم أحد محاور الصراع السياسي وهو المجلس الوطني الكردي ضد الإدارة وأحزابها، ما أدى لانعكاسات سلبية على الجانب الإنساني المتعلق بالشعب بغرب كردستان وشمال وشرق سوريا، وللأسف فإن المتضرر الوحيد هو الشعب الذي أنهكته الحرب، الأمر الذي يفرض على الأخوة بالحزب الديمقراطي وحكومة الإقليم آخذ ذلك بعين الاعتبار مهما كانت الخلافات السياسية وتحمل واجبهم القومي وضرورة تحليهم بالمسؤولية إلى جانب القوى الكردستانية الأخرى تجاه الشعب عبر اللجوء إلى الحوار الجاد لمعالجة الأمر وإيجاد حلول دائمة”.
الدكتور قاسم، أضاف: “أن عدم القدرة على تحييد المعبر عن الخلافات السياسية، يعود لقصر نظر الأطراف في معالجة الأمر وعدم قدرتهم على مواكبة الظروف والتغيرات السياسية بالمنطقة وعلو المصالح الحزبية على مصالح الشعب والقضية الكردستانية، حيث أنه في الوقت الذي يتحدث فيه محتلو كردستان عن أمنهم القومي المصطنع تلجأ القوى والأحزاب الكردستانية للانهماك بمسائل جانبية على حساب الأمن القومي الكردستاني، وذلك بدلاً من أن يتحول المعبر لوسيلة لتكريس الأمن القومي من خلال العمق الاستراتيجي لهذين الجزأين من كردستان، لا وسيلة لتكريس التجزئة التي تمت من خلال اتفاقية سايكس بيكو، إذ أن الإغلاق المتكرر للمعبر يعود لأهداف سياسية لا تخدم سوى أجندات أعداء الكرد”.
من جانبه، يقول عضو المجلس الرئاسي لمجلس سوريا الديمقراطية والممثل المشترك لحزب الحداثة والديمقراطية في سوريا إبراهيم الثلاج في تصريحات لتارجيت: “إن إغلاق معبر سيمالكا من قبل سلطات إقليم كردستان هو أمر متكرر ومؤسف جداً حيث يتم إقحام معبر خدمي يخدم السكان في الطرفين وشريان حياة أساسي بأمور سياسية ولأسباب بسيطة جداً ولا ترتقي لأن تستحق إغلاق معبر، مضيفاً أنهم في مسد يستهجنون هذه الخطوة ويعتبرون أنها تضر بمصالح شعوب المنطقة”.
الإدارة الذاتية تندد بإغلاق المعبر
الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، نددت من جانبها بقرار حكومة الإقليم إغلاق المعبر، وقالت في بيان رسمي: “إنه وفي ظل الحصار المفروض على مناطقنا ومع استمرار جهود مكافحة تنظيم داعش والتعرض المستمر لتهديدات مباشرة من قبل تركيا ومرتزقتها، تفاجئنا نحن في الإدارة الذاتية بإغلاق معبر سيمالكا الحدودي مع إقليم كردستان دون إعلامنا بأي من الأسباب المعقولة أو اطلاعنا على أي تفاصيل، مضيفةً أن قرار الإغلاق تم اتخاذه بشكل فردي من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأنه مسخر من أجل الأمور الإنسانية والمنظمات الداعمة وبعض الأعمال التجارية.
الإدارة الذاتية تدعو لتحييد المعبر عن المواقف السياسية
بيان الإدارة الذاتية، دعا إلى عدم استخدام المعبر بأي شكل من الأشكال كأداة ضغط سياسية ضد مناطق شمال وشرق سوريا، مطالباً بضرورة تحييده عن “المواقف السياسية الضيقة” وعدم استخدامه كأداة استفزاز بين حين وآخر، وأن يتم تحكيم لغة العقل بهذا الملف وتجنب “القرارات المزاجية” التي تأتي مجحفة بحق السكان في المنطقة وتخدم أجندات أطراف معينة تبحث عن النيل من شعوب المنطقة ومكاسبها”، على حد تعبير البيان.
من جانبها، نددت إدارة معبر سيمالكا في بيان رسمي بقرار سلطات الإقليم إغلاق المعبر، معتبرةً أن “المسؤولين في الحزب الديمقراطي الكردستاني، يحاولون استخدامه كورقة ضغط وأداة لفرض سلطتهم على مناطق شمال وشرق سوريا من خلال استغلال حاجة سكان المنطقة للمعبر”، ودعت في الوقت نفسه إلى تحييده عن المواقف والمسائل السياسية والتعامل من باب إنساني فقط، وإعطاء الأولوية للجرحى والمرضى من أجل المرور والمعالجة وترك الممارسات الأمنية التعجيزية بحق سكان المنطقة”.
وبحسب رئيس حركة التجديد الكردستاني، فإن هناك أسباب إقليمية تتعلق بالأنظمة الغاصبة لكردستان وهنا تجدر الإشارة لاجتماعات الأتراك مع النظام السوري وإيران وتوزيع الأدوار لضرب الإدارة الذاتية وحتى ضرب مصالح الإقليم بخلق خلافات كردية كردية، فليست هذه الاجتماعات بين غاصبي كردستان سوى لضرب مكتسبات الكرد الأمر الذي يفرض على القوى الكردستانية التحلي باليقظة واللجوء للحوار ووضع حد لهذه الخلافات، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة بذلت جهوداً في السابق وستبذل هذه المرة أيضاً بالضغط على الإقليم لفتح المعبر، رغم أنه لو لجأت القوى الكردستانية إلى تحييد المعبر عن المسائل السياسية وفتح قنوات الحوار الجاد مع الإدارة الذاتية، فليس هناك حاجة للوساطة الأمريكية، فهذا واجب ملقى على عاتق الكرد وقواهم السياسية لتجاوز الخلافات والتوجه نحو أهداف استراتيجية أكبر.
وبحسب عضو المجلس الرئاسي في مسد إبراهيم الثلاج، “فإن مثل هذه الخطوة بعيدة عن روح وقيم الديمقراطية، مطالباً بضرورة تحييد القضايا الخدمية والإنسانية عن الأمور السياسية، ومعرباً في الوقت نفسه عن أمله في أن يتم التراجع عن القرار ويتم إعادة فتح المعبر، خاصةً في ظل إغلاق أغلب المعابر مع المنطقة بقرارات أممية”.
محاولة لإرضاخ حزب الاتحاد الديمقراطي
بدوره، يقول الكاتب والمحلل السياسي حسين عمر: “إن المعبر بدأ العمل منذ عام ألف وتسعمئة وواحد وتسعين بشكل غير رسمي بعد الانتفاضة ضد النظام العراقي ومنذ حينه أصبح أحد نقاط العبور بين الحدود السورية العراقية، لكن أهميته ازدادت بعد اندلاع الثورة السورية وتحرير المناطق واستلام وحدات حماية الشعب المنطقة الحدودية وإدارة المعابر مع إقليم كردستان والعراق، ما دفع الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى تغيير نهج التعامل ووضع رؤية جديدة نابعة من موقفه الإيديولوجي والسياسي من حزب الاتحاد الديمقراطي الذي شكّل وحدات حماية الشعب واستطاع ملء الفراغ داخل المؤسسات والنقاط الحدودية، ما انعكس في تعامل الديمقراطي الكردستاني مع المعبر الذي يمثل شريان الحياة لشمال وشرق سوريا، فبدأ هذا الحزب بوضع الشروط في محاولة لإرضاخ حزب الاتحاد الديمقراطي وجعله ينصاع لقبول تسليم إدارة المنطقة لأحزاب تابعة له، وهو الأمر الذي لم يحصل لذلك يتم إغلاق المعبر بين الحين والآخر.
ويضيف عمر في حديث لـ”تارجيت”، “إن الرأي العام استغرب قبل أيام إعلان هولير”أربيل” إغلاق المعبر بحجة منع الإدارة الذاتية لشخصيات مدعوة لحضور افتتاح متحف بالإقليم، لكن الحقيقة هي أن الانتخابات التركية كانت على الأبواب وكما هو معلوم علاقة الحزب الديمقراطي الكردستاني بالحكومة التركية وتبعيته لها ودفاعه عن ممارساتها الإجرامية بحق الكرد وخاصة بشمال وشرق سوريا، وهو ما دفع بالديمقراطي الكردستاني على ما يبدو وبتوجيه من الاستخبارات التركية لإغلاق المعبر، خاصةً أن علاقته هذه الفترة ليست على ما يرام مع الولايات المتحدة، ما يعني إضعاف الدور الأمريكي وزيادة تأثير النفوذ التركي.
وساطة أمريكية لإعادة فتح المعبر
ومنذ قرار إغلاقه قبل نحو أسبوع، تبذل الولايات المتحدة جهوداً للوساطة بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من جهة وسلطات إقليم كردستان والمجلس الوطني الكردي من جهة أخرى من أجل حل الخلافات وإعادة فتح المعبر، كان آخر هذه الجهود لقاء المبعوث الأمريكي إلى شمال سوريا نيكولاس غرينغر بوفد من المجلس الوطني الكردي بالقامشلي، سبقه مباحثات مع مسؤولين بالإدارة الذاتية، لكن الجهود الأمريكية لم تثمر حتى الآن عن أي نتائج، مع إصرار سلطات الإقليم على قرار الإغلاق.
توافقات بين قوى إقليمية لضرب الإدارة الذاتية
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي حسين عمر، “فإن هذا الإغلاق يمكن أن يكون نهائياً في حال فوز أردوغان بجولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية التركية، كما أنه لا يمكن استبعاد شبهة الاتفاق مع النظام السوري من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، وخاصةً أنهم أبدوا علناً رغبتهم بإعادة العلاقات معه رغم أن تلك العلاقات لم تنقطع يوماً “من تحت الطاولة”، سيما أن النظام السوري بدأ يستعيد علاقاته مع الدول العربية وهرولة النظام التركي للتطبيع معه، ما يمثل فرصة لتحقيق الهدف الذي أعلنه على إحدى قنواتهم القيادي بالمجلس الوطني الكردي إبراهيم برو حين قال: “نهدف لتدمير الإدارة الذاتية”، واعتبر عمر أنه في حال فوز أردوغان فإنهم سيقومون بالتنسيق العلني مع تركيا لمحاولة القضاء على الإدارة الذاتية وتجويع سكان المنطقة وفرض الاستسلام عليهم وهو هدف يمكن أن يحصل بالتنسيق مع النظام السوري الذي يفرض حصاراً خانقاً على ريف حلب الشمالي وحيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب ذوي الخصوصية الكردية، كما أن التنسيق بين النظامين التركي والسوري ليس مستبعداً في سبيل ضرب الإدارة الذاتية وخنقها، والأكيد أن الديمقراطي الكردستاني سيكون رأس الحربة من الجهة الشرقية في هذه الحرب الاقتصادية، لكن تبقى مسألة الاعتماد على الذات والأصدقاء هما العاملان الحاسمان في إفشال ذلك.
ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إغلاق المعبر، إلا أن الخطوة في هذا التوقيت تطرح تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء ذلك، حيث أن القرار جاء بالتزامن مع افتتاح معبر جديد بين تركيا وإقليم كردستان، وبعد يوم واحد فقط من الاجتماع الرباعي بين وزراء خارجية كل من روسيا وإيران وتركيا وسوريا في العاصمة الروسية موسكو، وعادةً ما تكون مثل هذه الاجتماعات مكاناً للمساومات والصفقات لاسيما في الأراضي السورية.
حصارات متعددة على شمال وشرق سوريا
وتأتي الخطوة من قبل حكومة إقليم كردستان، لتكمل حلقة الحصارات المفروضة على مناطق شمال وشرق سوريا بشكل ممنهج سواءً من قبل قوات حكومة دمشق التي تفرض حصاراً منذ أشهر على حيي الأشرفية والشيخ مقصود بحلب ومناطق الشهباء بريف المدينة الشمالي، أو من قبل الاحتلال التركي والفصائل التابعة له الذين يفرضون حصاراً على المنطقة برمتها منذ سنوات، ما ينذر بمخاطر لملايين السكان يعيشون في المنطقة، قدموا على مدى السنوات الماضية تضحيات في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، حيث لا تزال المنطقة ضحية صفقات واتفاقات تعقد بين أطراف متدخلة في الأزمة السورية خدمةً لأجنداتها ومصالحها.