القامشلي ـ علي عمر
بعد غياب لأكثر من أحد عشر عاماً إثر تعليق عضويتها في تشرين الثاني/ نوفمبر عام ألفين وأحد عشر، على خلفية تعاملها مع الاحتجاجات الشعبية السلمية آنذاك، عادت حكومة دمشق لشغل مقعدها بالجامعة العربية بقرار اتخذ إثر اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء بالجامعة في العاصمة المصرية القاهرة.
وقال مجلس الجامعة العربية في بيان بعد الاجتماع: “إن الجامعة تجدد الالتزام بضرورة الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية استناداً إلى ميثاق الجامعة، كما أنها تؤكد على أهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا على الخروج من أزمتها انطلاقاً من الرغبة في إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة على مدار السنوات الماضية، واتساقاً مع العلاقات الأخوية التي تربط الشعوب العربية كافة بما في ذلك الشعب السوري.
استئناف مشاركة وفود سوريا باجتماعات الجامعة
البيان الوزاري العربي، أضاف: “أنه تم التوافق خلال الاجتماع على استئناف مشاركة وفود سوريا في اجتماعات مجلس الجامعة العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتباراً من السابع من أيار/ مايو الجاري، كما تم التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة السورية، وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة” وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بدءاً بالخطوات التي تتيح إيصال المساعدات الإنسانية لكل محتاجيها في سوريا، وفق الآليات المعتمدة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة”، إلى جانب تشكيل لجنة اتصال وزارية مكونة من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، لمتابعة تنفيذ بيان عمان والاستمرار بالحوار مع حكومة دمشق للتوصل إلى حل شامل للأزمة السورية، على أن تقدم اللجنة تقارير دورية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري”.
الحرص على دور عربي بجهود حل الأزمة السورية
وبحسب البيان، شدد المجتمعون في الاجتماع التشاوري العربي، على الحرص على إطلاق دور عربي “قيادي” في جهود حل الأزمة السورية يعالج جميع تبعاتها الإنسانية والأمنية والسياسية، ومعالجة انعكاساتها على دول الجوار والمنطقة والعالم خصوصاً فيما يتعلق باللاجئين وخطر الإرهاب وتهريب المخدرات، مطالبين حكومة دمشق بضرورة تنفيذ الالتزامات والتوافقات التي تم التوصل إليها في اجتماع عمان.
بشار الأسد سيحضر القمة العربية “إن رغب بذلك”
وبعد الاجتماع، قال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في مؤتمر صحفي، إن الرئيس السوري بشار الأسد يمكنه المشاركة في القمة العربية المقبلة المقررة في التاسع عشر من الشهر الجاري في السعودية “في حال رغب بذلك”، وإذا تم توجيه دعوة له من الدولة المستضيفة، في حين قالت الخارجية السورية في بيان، إنها تلقت قرار الجامعة العربية بإعادة سوريا إلى مقعدها “باهتمام كبير”، ودعت إلى “تعاون وشراكة عربية بشكل أكبر مستقبلاً”.
خلافات بشأن ربط مسار التطبيع بعودة سوريا للجامعة العربية
ويقول الباحث بمركز العرب للأبحاث والدراسات محمد عامر في هذا السياق: “إن عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية يمكن اعتباره شيئاً إجرائياً أو روتينياً لكن الأهم هو تطبيع علاقات الدول العربية بشكل منفرد مع النظام السوري لأنه كان هناك خلاف كبير بين هذه الدول بشأن ربط مسار تطبيع العلاقات بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، فكان القرار هو الفصل بين المسارين، وبالتالي النظام السوري عاد للجامعة العربية وسيشارك في القمة العربية المقبلة بالسعودية في التاسع عشر من أيار/ مايو الجاري، لكن الدول التي ترغب باستمرار مقاطعة بشار الأسد ستستمر مثل قطر التي أعلنت أنها لن تعيد علاقاتها مع هذا النظام حتى وإن عاد للجامعة، قبل أن يكون هناك إجراءات تسوية سياسية في سوريا.
بحث سعودي عن دور قيادي في المنطقة
عامر أضاف خلال تصريحات لمنصة تارجيت: “أن هناك في الفترة الأخيرة عملية إعادة حسابات للعلاقات الدولية في المنطقة، والسعودية ترى أنها تريد أن تحدث توازناً في العلاقات مع القوى الدولية فتقترب أكثر من روسيا وبناءً على ذلك تقترب من إيران واقترابها من الأخيرة يعني أن يكون هناك اقتراب من النظام السوري في إطار هذه العلاقات، كما أنها تريد أن تؤكد أنها دولة قائدة وأنها استطاعت في النهاية أن تتجه بمشروع عودة سوريا للجامعة العربية إلى التحقيق، وذلك رغم أنها كانت لوقت طويل من أشد الداعمين للمعارضين لبشار الأسد والمطالبين بسقوطه، كما أن هناك دولاً عربية تعتقد أن عودة سوريا للجامعة ربما تكون فرصة لأن يكون هناك طرح عربي للتعامل مع الأزمة السورية، لكن هناك شكوك في جدية النظام السوري للقيام بخطوات لدعم الحل السياسي وفتح حوار جاد مع المعارضة”.
وكانت تقارير ومصادر مطلعة تحدثت في وقت سابق، عن جهود عربية مكثفة تقودها بالدرجة الأولى السعودية والأردن، لإعادة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية وحسم هذا الملف قبل القمة العربية المقبلة المقررة في السعودية، تمهيداً لدعوة الرئيس السوري إلى القمة، ومحاولة إعطاء الرياض زخماً أكبر لملف التطبيع مع حكومة دمشق، إلا أن محللين يشككون في جدوى جني العرب ثمار أي تطبيع مع دمشق، بسبب التشكيك الكبير في إمكانية مضي الأخيرة في مسار الحل السياسي وقدرتها على الوفاء بالالتزامات التي تقطعها على نفسها، سواءً ما يتعلق منها بالجانب السياسي أو الأمني كونها تخضع بشكل كبير لإرادة روسيا وإيران التي تتهم الفصائل التابعة لها وجماعة حزب الله اللبناني بالمسؤولية عن ملف تهريب المخدرات على الحدود الأردنية، والذي يعتبر الملف الأكثر إثارةً للقلق لدى دول الخليج التي تحاول إنهاءه في أسرع وقت.
مزاحمة الدور الإيراني في سوريا
وبحسب الباحث في مركز العرب للدراسات والأبحاث محمد عامر، “فإن العديد من الدول العربية اتجهت خلال الفترة الماضية لتطبيع علاقاتها مع النظام السوري، ليس عن قناعة بالشراكة مع هذا النظام لكن تطبيع فرضه الواقع الحالي بالمشهد السوري، حيث أصبح هناك ضرورة للتعامل مع هذا النظام طالما أنه انتصر عسكرياً ولم يسقط”، لافتاً إلى أن بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر ترى أنه لا يجب ترك النظام السوري للارتماء في أحضان إيران لأنه بالنهاية سوريا دولة عربية، وعليه كان التوجه لمزاحمة الدور الإيراني في سوريا وإفساح المجال لطهران للاستفادة من القطيعة العربية والسيطرة على سوريا، ومحاولة تجنب التجربة التي حدثت في العراق ومقاطعة الكثير من الدول العربية وفي مقدمتها السعودية للحكومة العراقية، لكن مصر كانت ترى أنه لابد من إقامة علاقات مع هذه الحكومة حتى لا تبقى السيطرة هناك بيد إيران وحدها”.
رفض أمريكي مستمر لأي تطبيع مع حكومة دمشق
عامل آخر، يقلل من جدوى التطبيع مع حكومة دمشق أو إعادتها إلى مقعدها بالجامعة العربية، يتمثل باستمرار المعارضة الأمريكية الشديدة لهذا المسار ومواصلة واشنطن فرض العقوبات على دمشق، حتى قبول الأخيرة بالدخول في مفاوضات حقيقية تقود إلى حل سياسي حقيقي ينهي معاناة السوريين، وفق ما تؤكد تصريحات متكررة لمسؤولين أمريكيين.
آخر هذه التصريحات صدر عن متحدث باسم الخارجية الأمريكية في أعقاب الإعلان العربي عن إعادة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية، قال فيها: “إن واشنطن لا تعتقد أن سوريا تستحق العودة إلى الجامعة العربية في هذه المرحلة، مضيفاً “أن الولايات المتحدة تشكك في رغبة الرئيس السوري بشار الأسد في حل الأزمة السورية، لكنها تتفق مع الشركاء العرب بشأن الأهداف النهائية، وتتفهم مساعيهم للاتصال المباشر مع الرئيس السوري من أجل مزيد من الضغط لحل الأزمة السورية”.