هيڤي سليم
لا يبدو منطقياً أن تأتي دولة كتركيا، تعد البوابة الأولى لعبور الإرهابيين الدوليين إلى سوريا، وبالتحديد إلى شمالها الشرقي، لتعلن بعد سنوات من الانتقادات الحقوقية والسياسية لدورها المريب منذ العام 2014، بشكل مُفاجئ عن مزاعم مشاركتها في محاربة تنظيم داعش الإرهابي.
على عكس ذلك، يظهر الأمر إلى حد بعيد، بأنه محاولة للتشبّه بقيام الرؤساء الأمريكيين بالإعلان عن تصفية متزعمي التنظيمات الإرهابية حول العالم، والتي تعد إحدى أدوات كسب الشعبية في المعارك الانتخابية، وهو ما تُقبل عليه أنقرة في منتصف مايو الجاري.
أردوغان وأبو الحسين القرشي
إذ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الثلاثين من أبريل الماضي، عن “تحييد الزعيم المفترض لداعش، واسمه الحركي أبو الحسين القرشي، خلال عملية نفذها جهاز الاستخبارات الوطني في سوريا”، وذلك بعد أن أعلن تنظيم داعش في 30 نوفمبر، عن مقتل زعيمه السابق أبي الحسن الهاشمي القرشي، وتعيين أبي الحسين القرشي خليفة له.
وقالت وكالة أنباء الأناضول الرسمية التركية الموالية لأردوغان وحملته الانتخابية، إن القرشي كان في منزل “يضم مخبأ مموّهاً تحت الأرض” في منطقة جنديرس التابعة لعفرين المجاورة لتركيا، فيما نشرت وسائل إعلام تركية مشاهد يظهر فيها منزل مؤلف من طابقين محاط بحقول وجدرانه محطمة جزئياً، إذ “تمّ توجيه نداء للقرشي لتسليم نفسه، لكن لم يتمّ تلقّي أي رد”، مشيرةً إلى أن القرشي “فجّر نفسه بحزام ناسف كان يرتديه بعدما أدرك أنه سُيلقى القبض عليه”.
عفرين ملاذ للدواعش
ووفق معلومات أوردتها وسائل إعلام كُردية سورية، تمت مُداهمة المنزل، وهو مقر لفصيل “جيش الشرقية” بناحية جنديرس، حيث وقع انفجار في فيلا المواطن الكرديّ “محمد كوردا” التي حولتها الميليشيات لمقر عسكري لها، وتقع في منطقة “دشتا حنارا – حقول الرمان” على طريق قرية مسكة – سيندانكة.
الغريب في الأمر، أن عفرين التي كانت تخضع منذ نهاية العام 2011، وحتى بداية العام 2018، أي على مدار أكثر من 7 سنوات، لسيطرة “وحدات حماية الشعب” الكُردية، والتي تعتبر العمود الفقري لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، لم تشهد في أي يوم من تلك الأيام، احتضاناً للراديكاليين المتطرفين، ممن يتبنون أفكاراً دينية متطرفة، بل واجهت المنطقة ذات الخصوصية الكُردية، هجمات مستمرة خلال تلك السنوات، من تنظيمات راديكالية كـ (النصرة وداعش) وأخواتهما.
ولم تستقبل عفرين أي متطرف، إلا عقب سيطرة أنقرة وميليشيات “الجيش الوطني السوري” المُعارض عليها، إذ تضم تشكيلات المُعارضة السورية المُسلحة، وفق تقارير حقوقية وصحفية، الكثير من منتسبي تنظيم داعش الإرهابي، وهو ما تكشفه بين الفينة والأخرى، العمليات العسكرية التي يشنها التحالف الدولي لمُحاربة الإرهاب، والتي كان من بينهما تصفية أو بكر البغدادي، وكبار مسؤولي تنظيم داعش الإرهابي، في محافظة إدلب، الخاضعة للنفوذ الاستخباري التركي وميليشيات الجيش الوطني الموالية لأنقرة وعلى مقربة من الحدود التركية.
ليست عفرين وحدها
ليست إدلب أو عفرين وحدهما، مَن باتتا ملاذً آمن للمتطرفين، بل جُلّ المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، ففي جرابلس، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في بيان، بتاريخ الثامن عشر من أبريل الماضي، إن قيادياً كبيراً في تنظيم “داعش” مُتهم بالتخطيط لشن هجمات في الشرق الأوسط وأوروبا قتل في غارة أميركية بطائرة هليكوبتر في شمال سوريا.
وأفيد حينها، بأن إنزالاً جوياً نفذه أفراد من نخبة المهام الخاصة التابعة لقوى التحالف الدولي، في قرية السويدة تقع في جرابلس، بريف حلب الشرقي، أسفر عن احتجاز شخص مجهول الهوية، كما جاءت العملية بعد اشتباك مع مجموعة تتبع إحدى تشكيلات ميليشيات المُعارضة السورية المسلحة، حيث حاصرت القوة المداهمة الأمريكية منزلاً يقع في تلك القرية.
فيما قام فصيل “صقور الشمال” التابع لقوات لميليشيات الجيش الوطني، بتبادل إطلاق النار الكثيف مع القوة الأمريكية، مما أسفر، عن مصرع مسلحين اثنين منه، وقال سكان في المنطقة والمرصد السوري لحقوق الانسان لوكالة الأنباء الفرنسية، إن الشخص المستهدف، كان مُعتقلاً لدى “قسد” سابقاً، وانتقل إلى قرية السويدة قبل ستة أشهر، فيما أكد مدير المرصد، رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية، إن “العديد من مقاتلي التنظيم سابقاً التحقوا بصفوف فصائل موالية لأنقرة” في شمال سوريا.
الإعْلان الزَّائف والنِيَّة الحقيقة
وعليه، لا يبدو حديث الرئيس التركي إلا إعلاناً مشوباً بالغايات السياسية، والتي يسعى من خلالها لإظهار نفسه كمُشارك في مُحاربة الإرهاب، رغم أن القوة السورية شبه الوحيدة التي حاربت الإرهاب بحق ونالت منه في عقر داره، وهي قوات سوريا الديمقراطية، لا تزال منذ سنوات تتلقى الضربة تلوى الأخرى من الجانب التركي، وهو ما يصفها مراقبون بالانتقام التركي من هزيمة “داعش” على يد “قسد”.
آخر تلك العمليات التي أثارت حفيظة العالم بأثره، كانت محاولة اغتيال القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، في مدينة السليمانية في إقليم كُردستان العراق، ولعلى ما حمى الرجل وقتها، وجود ضباط أمريكيين برفقته، وإلا فإن العواقب لم يكن لتُحمّد عقباها على الإطلاق.
والأهم، أن مساعي الرئيس التركي لكسب نقاط انتخابية سواء في الداخل التركي أو لدى القوى العالمية، بالإعلان عن استهداف هذا القيادي الداعشي أو ذاك، لن تؤتي أكلها غالباً، لكون الدور التركي مفضوح داخلياً وخارجياً، وما هو إلا إعلان زائف يضمّر نية حقيقة لأغراض انتخابية محضة، بينما يتوقع مراقبون بأن قوات التحالف الدولي كانت ستستهدف أبو الحسين القرشي فسارع أردوغان بتنفيذ هذه العملية.