القاهرة ـ محمد اسماعيل
يبدو أن الأيام القليلة المتبقية على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا ستشهد مفاجئات من العيار الثقيل، والتي كان أحدثها فضيحة فساد تطال الرئيس رجب طيب أردوغان والذي يترشح لولاية رئاسية جديدة وسط مخاوف كبيرة من الهزيمة، في ظل تقدم منافسه الرئيسي كمال كليجدار أوغلو في استطلاعات الرأي.
ويتهم نظام أردوغان بالاستيلاء على مليار دولار عام 2007 في مناقصة تشغيل مطار أنطاليا، والتي كشفها علي يشيلداغ وهو أحد أفراد عائلة يشيلداغ المقربة من الرئيس التركي، كما أنه عمل من قبل مساعدا لـ”أردوغان”، حيث وعد بنشر سلسلة من الفيديوهات يكشف خلالها عن معلومات كارثية.
تلاعب واحتيال أردوغان مع إحدى منظمات المافيا لتريح المليار دولار
التفاصيل التي نقلتها عدد من المنصات الإعلامية التركية المعارضة ذكرت أن الصحفي التركي جيفيري جوفين نشر أول مقاطع الفيديو التي تحتوي على اعترافات علي يشيلداغ، شقيق حسن يشيلداغ الذي كان الحارس الشخصي للرئيس أردوغان، والذي قال إن الرئيس التركي تربح مليار دولار من تلك الصفقة بالتعاون مع إحدى منظمات المافيا في تركيا.
إذ قال إنه عندما تم الشروع في إنشاء مشروع مطار أنطاليا تم إقصاء شركات تشالبي القابضة منها بسلسلة من الأعمال الاحتيالية والألاعيب وتم تسليمها إلى رجل الأعمال إبراهيم تشاشان، حيث عرضت شركة تشالبي القابضة 4 مليارات دولار لمطار أنطاليا، ثم رفعت المبلغ إلى 5 مليارات دولار.
ويكشف الرجل عن كارثة بأن أردوغان ومجموعته سرقوا المستندات من ملف العطاء الذي قدموه وألغوا عطاء شركة تشالبي القابضة بسبب المستندات المفقودة، حيث تمت ترسية المناقصة وبقيمة أقل هي 3 مليارات دولار على إبراهيم تشاشان، بينما حصل رجال أردوغان على مليار دولار مقابل هذا العطاء، أي أن الشعب التركي خسر مليارين دولار بسبب هذه الألاعيب في تلك الصفقة.
ويشير “يشيلداغ” إلى مفارقة، وهو أن أردوغان حين أعلن عن الصفقة بقيمة 3 مليارات دولار لاقت نجاحا كبيرا وحظيت بتصفيق من الجمهور، مضيفا أن “أردوغان يمكنه أن يسرق أموالك ثم يجعلك تصفق له”.
وكشف “يشيلداغ” أن الشخص الرئيسي الذي أدار هذه العملية وتربح مليار دولار لصالح “أردوغان” هو على إحسان أرسلان المعروف بمجاهد أرسلان، وهو نائب عن حزب العدالة والتنمية منذ عام 2015.
عائلة يشيلداغ وصلتها بـ “أردوغان”
وعلي يشيلداغ هو شقيق حسن يشيلداغ، والأخير كان تعمد دخول السجن عام 1999 ليكون برفقة رجب طيب أردوغان عندما تم سجنه، وداخل السجن كان بمثابة الخادم والحارس الشخصي له، والذي تحول لاحقا إلى أحد أثرياء تركيا.
وفقا للمعلومات التي ذكرتها وسائل إعلام تركية، فإن مجموعة “إيه أس” الإعلامية، التي تضم قنوات مثل “ستار نيوسبيبر” و”أكشام نيوسبيبر” و”تي في 360″ و”كانال 24″ ذهبت ملكيتها إلى عائلة “يشيلداغ” عام 2017، كما أن هذه العائلة هي المالكة لشركة “يابي يابي” للإنشاءات”.
ومن المعروف عن شركة “يابي يابي” الحصول على مليارات الدولارات من الأراضي والأعمال العامة، بما في ذلك أرض مدرسة شرطة إتيلر المطلة على مضيق البوسفور، والتي تقدر قيمتها بعدة مليارات من الدولارات، حيث تثار مزاعم بأن 50 ٪ من الحيازة في الشركة تعود إلى الرئيس التركي.
ليست المرة الأولى التي تطارد “أردوغان” اتهامات الفساد
وليست هذه المرة الأولى التي ينشر فيها مقاطع فيديو تكشف فساد النظام الحاكم في تركيا، حيث سبق وأن نشر شخصان مقاطع فيديو وكشفا عن فساد وجرائم أردوغان، أبرزهم سادات بكر الذي استخدمه أردوغان لفترة طويلة في بعض الأعمال لكن يبدو أن المصالح تضاربت بينهم.
لكن علي يشيلداغ يختلف عن سادات بكر وغيره، إذ أنه أحد أفراد عائلة يشيلداغ، والتي تربطها بـ”أردوغان” علاقة طويلة ووثيقة استمرت 40 عامًا، إذ أنه عندما تم القبض على أردوغان وسجنه في عام 1999، ذهب حسن يشيلداغ، الأكبر بين الإخوة يشيلداغ، إلى السجن مع أردوغان عبر ارتكاب جريمة بسيطة ليرافق أردوغان ويعمل كحارس شخصي له في السجن.
وتبلغ قيمة شركة يابي يابي، التي تمتلك عائلة يشيلداغ حصة فيها، عدة مليارات من الدولارات، وهي ثروة تم جمعها في عهد أردوغان الذي أرسى عليهم كثيرا من المناقصات منذ أن كان رئيسا لبلدية “إسطنبول”، ويعتبر مقهى إتيلر أولوس، المملوك لعائلة يشيلداغ، بإطلالته الرائعة على مضيق البوسفور، مكانًا مهمًا للقاء حكومة حزب العدالة والتنمية ومسؤولي الدولة، بما في ذلك أفراد عائلة أردوغان.
حسن يشيلداغ مهندس الأعمال القذرة في تركيا
وفي أغسطس الماضي ظهر زعيم المافيا التركي سادات بكر في فيديو تعهد فيه بكشف المستور عن أردوغان وصلاته بالفساد، كنوع من الانتقام بعد محاولة القبض عليه قبل أن يفر إلى الإمارات، وردا على ما قال “بكر” إنه إساءة تعامل من قبل الشرطة مع عائلته.
وفي هذا الفيديو تحدث بكر عن حسن يشيلداغ الذي أرتكب جريمة صغيرة بشكل تطوعي ليكون مع أردوغان في السجن، بداعي حمايته من التعرض للقتل، وبعد ذلك بدأ اسم عائلة يشيلداغ في الظهور في الأوساط السياسية والاقتصادية في تركيا، وأصبحوا من مهندسي كل الأعمال القذرة في تركيا، وفقا له.
وكشف زعيم المافيا التركي عن أن حسن يشيلداغ حصل مؤخرا على مناقصة بقيمة 25 مليار ليرة من الدولة، لتشغيل أحد المطاعم الشهيرة والذي يقع في الطابق 40 من برج تشامليجا، وهو الرمز السياحي لمدينة إسطنبول، بقسميها الأوروبي والآسيوي.
بل إن بكر أشار إلى ما هو أخطر من ذلك، وهو أن حسن يشيلداغ قتل شخصين مع إخوته وأصاب 7 إلى 8 أشخاص بجروح خطيرة في سجن باشاكابيسي، كما أنه صاحب عديد من وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية وعدد من المجلات والإذاعات، فضلا عن شراكتهم في شركة “يابي يابي”.
ويقول زعيم المافيا، في تغريدات عبر تويتر لاحقا، إن عائلة “يشيلداغ” هم أيضا أصحاب المقهى الشهير في أولوس، حيث يتم اتخاذ جميع القرارات السرية الحاسمة للحكومة، كما كونت هذه العائلة نفوذا كبيرا بفضل علاقتها بـ “أردوغان”.
تأثير تصريحات “يشيلداغ” على سباق الانتخابات
ويشكل فيديو علي يشيلداغ بالتأكيد ضربة كبيرة للرئيس التركي قبيل الانتخابات التي ستجرى يوم 14 مايو، وفي هذا السياق، يقول محمد عامر رئيس وحدة الدراسات التركية بمركز العرب للأبحاث والدراسات، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن أخطر ما في تصريحات علي يشيلداغ أنها تأتي من فرد كان ضمن الدائرة المقربة من النظام التركي، مؤكدا أنه حين تأتي هذه التصريحات قبيل الانتخابات، فهذا يعني أن الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجئات.
وأضاف “عامر” أن هذه التصريحات وما كشف عنه “يشيلداغ” بلا شك تمثل خصما جديدا من رصيد “أردوغان” في الشارع التركي والذي يتآكل اليوم تلو الآخر خلال الفترة الأخيرة، حيث تتضافر مجموعة من العوامل التي تشير إلى أن الرئيس التركي يواجه انتخابات مصيرية، ولن تكون باليسيرة أمامه.
ولفت إلى أنه على الأقل لن يستطيع حزب العدالة والتنمية تحقيق الأغلبية البرلمانية، كما أن “أردوغان” لن يكون بمقدوره الفوز بالانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى إن فاز بها، كما أن ما كشف بشأن صفقة المليار دولار يعيد إلى الأذهان وقائع قضية الفساد الكبير التي كانت عام 2013، والتي جعلت الرئيس التركي يطيح بعشرة من وزرائه طالتهم الاتهامات، كما أطاح بكثير من القضاة ورجال الشرطة والمدعين العوام الذين تحركوا للقبض على المتهمين، ليستطيع التعتيم على القضية.
وذكر رئيس وحدة الدراسات التركية بمركز العرب للأبحاث أن واحدة من أشهر علامات فضيحة الفساد الكبير كانت التسريبات الصوتية التي نسبت للرئيس التركي، وفيها يتحدث مع نجله بلال من أجل نقل 30 مليون دولار من أحد المنازل، ورغم أن أردوغان شكك في تلك التسريبات، إلا أن خبراء أكدوا وقتها أنها صحيحة.
يذكر أن تركيا احتلت المرتبة 101 على مؤشر الفساد الذي صدر عن منظمة الشفافية الدولية بداية هذا العام، وهو أدنى مستوى تصل إليه تركيا منذ عام 1995، كما أن هذا يأتي توازيا مع تذيل تركيا مؤشرات حرية الصحافة في العالم على نحو جعلها تقترب من النظام الكوري الشمالي، وفق منظمة “مراسلون بلا حدود”.