“سجن كبير”.. تركيا أردوغان تقترب من كوريا الشمالية في مؤشر حرية الصحافة
القاهرة ـ محمد إسماعيل
تكشف المؤشرات الدولية المعنية بمراقبة حرية الصحافة من وقت لآخر زيف المبادئ التي يدعيها نظام رجب طيب أردوغان في تركيا بأنه رجل الديمقراطية، وأن بلاده لم تعرف الحريات الحقيقية إلا في عهده، لكن الواقع، وفق تلك المؤشرات، يقول إنه حول بلاده إلى “سجن كبير للصحفيين” بل ولكل صوت ينتقد سياساته.
وتراجعت تركيا بشكل كبير في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2023 لمنظمة مراسلون بلا حدود، حيث تراجعت 16 مرتبة دفعة واحدة واحتلت المرتبة 165 من بين 180 دولة، والمفارقة أنها بهذه المرتبة اقتربت من كوريا الشمالية، التي تحتل ذيل القائمة.
مراسلون بلا حدود: حرية الصحافة في تركيا سيئة للغاية
ونُشرت النسخة الحادية والعشرون من المؤشر العالمي لحرية الصحافة، الذي تجمعه سنويًا مراسلون بلا حدود، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف 3 مايو من كل عام، حيث أنه على الرغم من أن تركيا حصلت على ترتيب أفضل نسبيا في نفس المؤشر في عام 2022، في المرتبة 149 من بين 180 دولة، فقد تدهورت حرية الصحافة في البلاد بشكل كبير، حيث انتقلت من تصنيف حرية الصحافة تواجه “إشكالية” إلى “سيئة للغاية”.
وأشار التقرير، الذي نقله موقع “توركيش مينيت” التركي، إلى أن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان زادت من حملتها القمعية على الصحفيين في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر انعقادها في 14 مايو الجاري.
وفي أول مؤشر لحرية الصحافة لمراسلين بلا حدود نُشر في عام 2002، وهو العام الذي تولى فيه حزب العدالة والتنمية السلطة، احتلت تركيا المرتبة 100 من بين 139 دولة، وانخفضت إلى المرتبة 151 في عام 2016، والمرتبة 155 في عام 2017، والمرتبة 157 في عامي 2018 و2019. والمرتبة 154 في 2020 و 153في 2021.
“أردوغان” يكثف هجماته على الصحفيين لصرف الانتباه عن التدهور الاقتصادي
وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إن ما وصفته بـ”الرئاسة المفرطة” لـ”أردوغان” كثفت هجماتها على الصحفيين في محاولة لصرف الانتباه عن التدهور الاقتصادي والديمقراطي في البلاد وتعزيز قاعدتها السياسية.
ومن خلال استفتاء في أبريل 2017، تحولت تركيا من نظام حكم برلماني إلى نظام رئاسي تنفيذي منح أردوغان وحكومته سلطات واسعة جعلتها تواجه انتقادات واسعة بسبب إزالة الضوابط والتوازنات الدستورية، مما أدى إلى مزيد من إضعاف الديمقراطية التركية.
كما أن التكتيكات الحكومية مثل الرقابة شبه المنهجية على الإنترنت، والدعاوى القضائية التافهة ضد وسائل الإعلام الناقدة أو إساءة استخدام النظام القضائي، قد مكنت، حتى الآن، أردوغان من استعادة شعبيته، بينما لا يزال متورطًا فيما هو أكبر وهو “الفساد والمحسوبية السياسية”، بحسب مؤشر مراسلون بلا حدود.
انتخابات 14 مايو تحد كبير أمام “اردوغان”
ويقول محللون سياسيون إن أردوغان يواجه الانتخابات الأكثر تحديًا في حياته المهنية وسط المشاكل السياسية والاجتماعية في البلاد، التي ضربها زلزالان قويان في فبراير أوديا بحياة أكثر من 50000 شخص وجلب كثيرا من الانتقادات للحكومة بسبب استجابتها غير الفعالة في التعامل مع هذه الكارثة.
وأظهرت استطلاعات الرأي أن وضع أردوغان متذبذب أمام منافسه الرئيسي كمال كيليجدار أوغلو، المرشح الرئاسي المشترك لتحالف المعارضة، وقد يخسر أمامه، خصوصا وأن كتلة التصويت الكردية ستذهب بدرجة كبيرة إلى “كليجدار أوغلو” وهي كتلة مؤثرة تتجاوز 6 ملايين صوت على الأقل.
رقم قياسي.. اعتقال 34 صحفياً في أقل من عام غالبيتهم من الكرد
ووفقًا لجمعية دراسات الإعلام والقانون، هناك ما لا يقل عن 66 صحفيًا وعاملا في مجال الإعلام سجنوا في تركيا، 32 منهم اعتقلوا في الأشهر العشرة الماضية وحدها، ونسبة كبيرة منهم من الكرد والذين عادة ما توجه لهم الحكومة تهم الإرهاب، وهي التهمة التي باتت جاهزة لدى الرئيس التركي لإلصاقها بمعارضيه خصوصا الكرد.
ومنذ الأسبوع الماضي، شهدت تركيا اعتقال تسعة صحفيين، يعملون في الغالب لصالح وسائل إعلام كردية، بتهم تتعلق بالإرهاب، وبحسب وكالة أنباء ميزوبوتاميا، فقد تم اعتقال 34 صحفياً يعملون في وسائل إعلام موالية للكرد خلال الأشهر الـ 11 الماضية، أي أقل من عام.
ويتعرض الصحفيون الكرد أو العاملون في وسائل الإعلام الموالية للكرد لمضايقات قانونية متكررة وملاحقات قضائية في تركيا، حيث يتم اتهامهم بصلات مع حزب العمال الكردستاني المحظور داخل تركيا، وذلك لتغطيتهم بعض المشكلات التي تتعلق بالمجتمع الكردي في البلاد.
90% من وسائل إعلام الدولة تحت سيطرة أردوغان
وقالت مراسلون بلا حدود إن 90% من وسائل الإعلام الوطنية أو التابعة للدولة باتت تحت سيطرة الحكومة الآن، في وقت يتحول الشعب التركي خلال السنوات الخمس الماضية إلى وسائل الإعلام الناقدة أو المستقلة ذات الآراء السياسية المختلفة عن الحكومة للتعرف على تأثير الأزمة الاقتصادية والسياسية على البلاد ومنها بعض القنوات المحلية وأخرى دولية.
إلا أن القنوات التلفزيونية المحلية تواجه تهديدات بالحظر وغرامات متكررة للبث من قبل هيئة الرقابة الإعلامية في البلاد، وهو المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون (RTÜK)، وذلالك لبث محتوى ينتقد حكومة حزب العدالة والتنمية، كما تلقى المواقع الإخبارية الدولية مثل VOA Turkish و Deutsche Welle Turkish حصتها من الإجراءات العقابية، حيث تم حظرها في يونيو 2022 لفشلها في التقدم بطلب للحصول على تراخيص البث عبر الإنترنت وهو طلب يوصف بأنه نوع من الرقابة والتضييق.
القضاء التركي يقدم الولاء للحكومة على حساب حرية الصحافة
وقالت مراسلون بلا حدود في تقريرها أيضًا إن الممارسات التمييزية ضد الصحفيين الناقدين ووسائل الإعلام، مثل تجريدهم من التصاريح الصحفية أمر شائع، في حين أن القضاة الذين يقدمون الولاء للحكومة يحاولون الحد من النقاش الديمقراطي من خلال فرض الرقابة على المقالات التي تنشر عبر الإنترنت التي تتناول الفساد والمواضيع الحساسة.
وهذا يجعل من الصعب نشر تقارير تتسم بالجودة الصحفية، نتيجة هذا النوع من التضييق، ومع ذلك، حاول بعض الصحفيين البقاء مخلصين لمهمتهم في تغطية الأخبار باستقلالية تامة، إلا أنهم يتعرضون لمظالم كثيرة، منها على سبيل المثال أن الصحفيين الذين ينتقدون أو يوجهون أسئلة لبعض الشخصيات الدينية المعروفة يكونون أحيانًا أهدافًا لدعاوى قضائية تتهمهم بـ”إهانة” هذه الشخصيات.
ومن الشائع أن يواجه الصحفيون والمواطنون العاديون في تركيا اتهامات بالإهانة بسبب انتقادهم لأردوغان أو أعضاء حكومته، والتي يأتي أبرزها على سبيل المثال تهمة “إهانة الرئيس” والتي أصبحت تهمة مطاطة يستطيع بها النظام التركي ملاحقة كل من ليس على هواه.
أما فيما يتعلق بسلامة الصحفيين وأمنهم والتي تعد ضرورة لممارسة مهنتهم، قالت مراسلون بلا حدود إن دوامة العنف التي تستهدف الصحفيين الذين ينتقدون تحالف حزب العدالة والتنمية والحركة القومية الحاكم قد اشتدت منذ الانتخابات المحلية لعام 2019.
ومع اقتراب انتخابات عام 2023، تخرج الجماعات القومية المتطرفة، مدفوعة بالخطاب السياسي المناهض لوسائل الإعلام، إلى الشوارع لمهاجمة المراسلين وكتاب الأعمدة والمعلقين والصحفيين المواطنين الذين يغطون السياسة ويناقشون الأزمة الاقتصادية.
“أردوغان” انقلب على كل شيء وخصوصاً الحريات
وتعليقاً منه على هذا التقرير وتلك المؤشرات، يقول محمد ربيع الديهي الباحث المصري المتخصص في العلاقات الدولية، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن نظام أردوغان انقلب بشكل تام على الحريات في تركيا، وأصبح تلفيقه الاتهامات ضد معارضيه أمرا معتادا، حتى أصبحت تركيا في عهده سجنا كبيرا للصحفيين والمعارضين بل وكل من ينتقد سياسات النظام حتى لو لم يكن منتميا لأحزاب المعارضة.
وتحدث “الديهي” عن وضع القضاء وموقفه مما يجري، وقال إن الرئيس التركي هيمن بشكل كامل على القضاء من خلال التنكيل بكثير من القضاة عقب ما سمي بـ “محاولة الانقلاب الفاشلة” في عام 2016، حيث أطاح بآلاف القضاء ونكل بهم، والتهم عادة ما تكون جاهزة وهي التعاون مع الإرهاب.
ولفت الباحث في العلاقات الدولية إلى أنه نتيجة التضييق الشديد الذي تمارسه الحكومة، اضطر كثير من الصحفيين إلى ترك مهنة الصحافة، والبحث عن مهنة أخرى تجنبهم الممارسات التي يواجهونها من قبل الحكومة والتي تجعلهم غير قادرين على أن يعيشوا حياة طبيعية.