ادلب ـ غيث العبدالله
في الوقت الذي تتسابق فيه أنقرة ودول عربية عدة لإعادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع حكومة دمشق ضمن موجات التطبيع الإقليمية التي انعكست سلباً على المعارضة السياسية السورية المرهونة للقرارات التركية، ودورها، توجه وفد من هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة بزيارة مفاجئة “اعتبرها بعض السياسيين غير رسمية” إلى واشنطن للسعي في إحياء الملف السوري وإعادته إلى أولويات الولايات المتحدة الأمريكية، سيما بعد أن باتت تدرك حجم الخطر الدولي المحيط بوضعها كممثل رئيسي عن الثورة وحراكها الشعبي.
وتضاربت الأنباء حول طبيعة هذه الزيارة التي جرت قبل أيام وبدت حافلة من ناحية عقد العديد من اللقاءات مع مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى والمبعوث الخاص إلى سوريا إيثان داس غولدريتش، وأعقبها لقاءات مع أعضاء في الكونغرس وعدد من المنظمات الأمريكية، بالإضافة إلى ندوة حوارية.
وقال رئيس هيئة التفاوض الذي ترأس الوفد للسيدة ليف; أن أي حل سياسي في سوريا يجب أن يكون وفق قرارات مجلس الأمن وخصوصاً القرار 2254، وأن غياب الحل السياسي وتحقيق المرحلة الانتقالية سيزيد من مأساة الشعب السوري، كما نقل وفد الهيئة للإدارة الأمريكية مطالب السوريين المحقة برفضهم التطبيع الذي ينهي أملهم في الوصول لدولة الحرية والقانون، وأن الشعب السوري ينتظر محاسبة ومساءلة النظام عن مئات الجرائم التي ارتكبت بحقه “وفق بيان الهيئة الذي صدر عقب اللقاء.
وشدد الجاموس خلال المباحثات “على ضرورة تحييد اللاجئين السوريين في دول الجوار عن ضغوطات أو ممارسات تزيد من معاناتهم، كما أكد أن ملف اللاجئين هو ملف إنساني بالدرجة الأولى، مشيراً إلى خطورة ما يجري في لبنان من انتهاكات خطيرة بحق اللاجئين السوريين تودي بحياتهم بسبب تسليمهم للنظام”. وحث رئيس الوفد المعارض المسؤولين الأمريكيين على إيجاد حلول لحماية اللاجئين السوريين ومساعدتهم في السودان في ظل النزاع العسكري المحتدم.
وفي بيان مقتضب، قال مكتب الشؤون الأدنى في الخارجية الأمريكية; إن “باربرا ليف” أكدت للوفد السوري المعارض، أن سياسة الولايات المتحدة في سورية لم تتغير، وشددت على أنه لا تطبيع مع نظام الأسد في ظل غياب التغيير السياسي الدائم، بالإضافة إلى الدعم القوي لقرار مجلس الأمن رقم 2254 بما في ذلك دور المعارضة السورية.
برود في اللقاء وتناقض في البيانات
كشف مصدر إعلامي مقرب من هيئة التفاوض ومطلع على فحوى اللقاء الذي جمع وفد المعارضة بمسؤولين أمريكيين في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن المباحثات التي جرت في العاصمة لم تكن إيجابية ولا ذات فحوى على الرغم من تأكيد الخارجية الأميركية على اللاءات الثلاثة الخاصة بالملف السوري “لا للتطبيع، لا لرفع العقوبات، لا لإعادة الإعمار” قبل إقرار حل سياسي وشامل في سوريا.
وأوضح المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن أجواء التعامل مع وفد المعارضة السياسية السورية لم تكن مشجعة على الإطلاق من جانب الأمريكيين، حيث نوه إلى أن مساعدة وزير الخارجية “باربرا ليف” طلبت من الوفد إيجاد صيغة مناسبة وعاجلة لتوحيد المعارضة سياسياً، كما طالبت بأن يكون هناك أفكار جديدة ومن خارج الصندوق للدفع حيال هذا الشأن، ”الأمر الذي يشير إلى أن واشنطن قد تكون بصدد التحول إلى موقف جديد بما يخص الملف السوري، ومن الممكن أن يصل إلى تبني ممثل جديد للمعارضة يضم الإدارة الذاتية و“قسد” ، سيما بعد موجات التطبيع العربي والإقليمي مع “حكومة دمشق” فضلاً عن الاجتماع التشاوري الذي انعقد في العاصمة الأردنية عمان لبحث عودة النظام للجامعة العربية وأثار مخاوف المعارضة.
وأردف، أن المسؤولين الأمريكيين أشاروا للوفد بطريقة مباشرة إلى ضرورة فتح قنوات اتصال بين المعارضة السياسية و “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سوريا، على خلفية المبادرة التي طرحتها في الثلث الثاني من أبريل\ نيسان الفائت لحل الأزمة السورية، والتي من الممكن أن تكون طُرحت باتفاق وموافقة من الولايات المتحدة والدول العربية المنفتحة على التطبيع مع نظام الأسد “بموافقة ودفع من واشنطن مقابل تأييد وقبول مبادرة الإدارة الذاتية التي لاقت ترحيباً واسعاً على الصعيد السياسي”.
ولم يستبعد مصدر “تارجيت” أن يكون للمملكة السعودية “الراعي الرئيسي لعملية التطبيع عربياً، وفق تعبيره” دور في ما حصل باجتماع واشنطن، لافتاً إلى أن حديث مسؤولي المملكة مع رئيس هيئة التفاوض الدكتور بدر جاموس خلال زيارته الأخيرة للرياض التي سبقت توجهه إلى الولايات المتحدة، كانت غير ودية على الإطلاق أيضاً، حيث تم إبلاغه حينها بضرورة الموافقة على المبادرة العربية لأن الولايات المتحدة موافقة عليها وتدعمها، كما أن موقف الدول من المعارضة السورية التي باتت ترتهن لأنقرة في كل شيء سيتحدد بناء على ذلك.
وفي حين بدأت المعارضة السياسية السورية تشعر بأن خيارات التأثير الدولية والإقليمية لديها باتت قليلة بالتوازي مع شح وانعدام الأوراق التي تملكها، سارعت إلى التشاورات الموسعة إلى جانب التحرك دبلوماسياً بغية الوصول إلى خيارات دولية وغربية تستطيع من خلالها تحريك ملف الحل السياسي دولياً من قاعدة العودة للتفاوض بموجب المخرجات الأممية للحل، أو الضغط الغربي لتنفيذ بعض من تلك المخرجات وتوقيف قطار التطبيع أو فرملته بشكل مؤقت على أقل تقدير، إلا أن ذلك لم يعد يجدي نفعاً ”كما يرى مصدر تارجيت المقرب من هيئة التفاوض“ في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن ترتيب دعوة لعقد مؤتمر موسع بعيداً عن البيئة الإقليمية، يضم القوى والشخصيات الديموقراطية السورية وعدداً من النشطاء السوريين المؤثرين في واشنطن ودول أخرى، بالإضافة إلى شخصيات ومسؤولين في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لتشكيل ممثلين جدد يمثلون كافة أطياف المعارضة، والخروج بموقف جامع يمكنه أن يشكل انعطافة كبيرة في الملف السوري ويسرع عملية الحل السياسي.