فريق التحرير
مع استمرار تركيا بمحاولة إحداث اختراق بملف تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق وتحقيق تقدم في المسار قبل الانتخابات التركية القادمة في الرابع عشر من الشهر الجاري، أكدت مصادر دبلوماسية روسية مطلعة، أن وزراء خارجية كل من سوريا وتركيا وإيران وروسيا، سيعقدون اجتماعاً في العاصمة الروسية موسكو في العاشر من أيار/ مايو الجاري لبحث استكمال التطبيع بين أنقرة ودمشق.
المصادر الروسية، كشفت لصحيفة “الشرق الأوسط”، أن “نشاطاً مكثفاً يجري في موسكو والعواصم المعنية لوضع الترتيبات النهائية لهذا الاجتماع الذي سيبحث إزالة العقبات أمام التطبيع بين أنقرة ودمشق ومعالجة عدد من الملفات المتعلقة بتعزيز فرص التسوية السياسية في سوريا، مشيرةً إلى أن موسكو ترى أنه “ليس هناك مخرج لبدء تعافي الأوضاع في سوريا على الصعد كافة وعودة السيادة السورية، دون تسوية العلاقات مع دول الجوار، وأنها تؤيد ما جرى التوصل إليه في اللقاء التشاوري لوزراء خارجية عرب في العاصمة الأردنية عمّان، وتعد ذلك خطوة باتجاه مساعدة سوريا للخروج من أزمتها ودفع مسار التطبيع بين تركيا وسوريا.
وعلى ما يبدو أن هذا المسار بدأ بالتباطئ والاصطدام بعراقيل تمنعه من التقدم بعد الدخول الإيراني على الخط، ويعاد المشهد نفسه بالتطبيع العربي مع دمشق وفشل اجتماع عمان في ابعاد سوريا عن إيران والذي من شأنه بقاء المقعد السوري في الجامعة العر بية فارغاً.
تباينات كبيرة في المواقف
حديث المصادر الروسية عن مطالبة موسكو قبيل الاجتماع لجميع الأطراف وخاصة حكومة دمشق، بالعمل لـ “إنجاح الجهود الروسية بشأن استكمال التطبيع بين دمشق وأنقرة، والتخلي عن الشروط المسبقة وتنفيذ الخطوات التي يتم التوصل إليها”، يؤكد عمق الخلافات والتباين بالمواقف بين المجتمعين وصعوبة الوصول إلى نقاط مشتركة يمكن البناء عليها لإعادة العلاقات، خاصةً بعد عدم القدرة على تحقيق أي تقدم في مسار التطبيع الذي انطلق نهاية العام الماضي.
ويبدو جلياً أن مسار التطبيع بدأ بالتباطئ أكثر فأكثر منذ تحول المثلث الروسي السوري التركي إلى رباعي بعد دخول ايران على المسار مما يوحي أن للهمسات الإيرانية دوراً فاعلاً بإذن حكومة دمشق حسب بعض المحللين، وكيف لا ولكل طرف من أطراف هذا الرباعي أجندة ومشروع قد تتباعد في زوايا وتتقارب في أخرى، يضاف لها التباين الحاد في رؤيتي نظامي أنقرة ودمشق، فما تراه دمشق استراتيجياً لبدء مسار التطبيع والمتمثل بانسحاب القوات التركية من الشمال السوري تراه أنقرة شرطاً تعجيزياً مسبقاً، وفي حين تسارع أنقرة لجني ثمار التطبيع مع دمشق واستثماره انتخابياً يقابله امتناع دمشق عن اكساب أنقرة نقاط مجانية تقوي جبهة حزب العدالة والتنمية ورئيسها أردوغان وكذلك حزب الحركة القومية التركية اليمينية أمام المعارضة التركية في الانتخابات.
رفض تركي للانسحاب من الشمال السوري
تباينات يبدو أنها عميقة ومن الصعب تجاوزها وتتعلق بملفات تعتبرها الأطراف المتحاورة أساسية، خاصةً ما يتعلق منها بالانسحاب التركي من الشمال السوري وإصرار دمشق على تحقيقه أو على الأقل جدولة الانسحاب قبل المضي في مسار التطبيع، والذي جددت تركيا على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو رفضه، حيث قال في مقابلة تلفزيونية: “إن الشروط المسبقة التي يطرحها الرئيس السوري بشار الأسد وخاصة المتعلقة بالانسحاب التركي من سوريا غير واقعية ولا يمكن تحقيقها”، مضيفاً “أن هذه الحوارات والمحادثات مهمة لكن لا يمكن مواصلتها بوجود شروط مسبقة”.
وخلال زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لموسكو قال في لقاء بثته وكالة “سبوتنيك” الروسية إن لديه شروطا من أجل لقاء الرئيس التركي، على رأسها انسحاب القوات التركية من شمالي سوريا، ووقف ما وصفه بـ”دعم أنقرة للإرهاب”، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبيل التدخل العسكري التركي في شمالي سوريا. معتبراً أنها “الحالة الوحيدة التي يمكن عندها أن يكون هناك لقاء بينه وبين أردوغان”، مضيفاً “عدا عن ذلك ما هي قيمة هذا اللقاء ولماذا نقوم به إن لم يكن سيحقق نتائج نهائية بالنسبة للحرب في سوريا؟”.
ولربما أدخلت تصريحات الأسد من موسكو الراعي الروسي في حرج وهي التي تحاول إنجاح هذا المسار والمرتبط بأطراف سوتشي لفرضه أمراً واقعاً للحل في سوريا متجاوزاً القرارات الأممية وخصوصاً القرار “2254”، وعلى الضفة الأخرى فان تركيا لا تفكر بالانسحاب من الشمال السوري ولا يستبعد مراقبون محاولة أنقرة “قبرصة” الشمال السوري.
استغلال ملف اللاجئين السوريين لتحقيق نصر انتخابي
جاويش أوغلو، اعتبر أن “العودة الآمنة” للاجئين السوريين المتواجدين في تركيا إلى بلادهم، أهم الخطوات التي يمكن العمل عليها حالياً في مسار التطبيع، وأن أهداف الحوار مع حكومة دمشق تتمثل في ضمان “العودة الآمنة” لهؤلاء اللاجئين، ما يؤكد صحة التقارير عن أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول حسم ملف اللاجئين قبل الانتخابات الرئاسية التركية القادمة، من أجل تحقيق نصر انتخابي مستغلاً تنامي مشاعر الرفض والكراهية للسوريين بين الأتراك، وبعد أن أصبح هؤلاء اللاجئين “كرتاً محروقاً” بعد أن استخدمهم لسنوات في ابتزاز الغرب من أجل الحصول على مكاسب سياسية ومالية.
ضغوط روسية على حكومة دمشق
ورغم ما كشفته مصادر عن ضغوط روسية كبيرة على حكومة دمشق خلال اجتماع وزراء دفاع ورؤساء استخبارات الدول الأربع في موسكو وقبله اجتماع نواب وزراء الخارجية، من أجل “إبداء ليونة” والتخلي عن الشروط المسبقة بشأن التطبيع مع تركيا، تؤكد مصادر أن دمشق لا تزال تتمسك بشروطها خاصةً المتعلقة بالانسحاب التركي من الشمال السوري ووقف دعم الجماعات المسلحة، كما أنها “متأنية وغير مستعجلة” بشأن استكمال مسار التطبيع، بانتظار نتائج الانتخابات التركية القادمة، واحتمالية فوز مرشح المعارضة كمال كيلتشدار أوغلو، والذي أطلق وعوداً لحكومة دمشق في حال فوزه، تعتبرها الأخيرة أكثر ضماناً ويمكن الوثوق بها قياساً بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
عراقيل كبيرة تعترض مسار التطبيع مع حكومة دمشق
ورغم الزخم الكبير الذي تكتسبه محادثات التطبيع العربية والتركية مع حكومة دمشق، والخطوات المتسارعة التي يشهدها هذا الملف، إلا أن هناك عقبات كبيرة تعترض مساره سواءً عربياً أم تركياً، من حيث عدم تحقق أي اختراقات في مجال الحل السياسي للأزمة السورية على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وعلى رأسها القرار اثنان وعشرون أربعة وخمسون، إلى جانب استمرار المعارضة الأمريكية والأوروبية برفض أي تطبيع للعلاقات مع دمشق أو رفع العقوبات المفروضة عليها قبل الانخراط في مفاوضات سياسية حقيقة تقود إلى حل سلمي للأزمة، ناهيك عن التأكيدات على أن حكومة دمشق لا تمتلك أي استقلالية في قرارها الوطني وتخضع لتبيعة شبه كاملة لروسيا وإيران، وبالتالي يصبح من الصعب التزامها بتطبيق أي اتفاقيات تتوصل إليها مع أي طرف، لا تتوافق مع مصالح الدولتين، لاسيما البنود المتعلقة بخروج الفصائل المسلحة من الأراضي السورية ووقف عمليات تجارة وتهريب المخدرات عبر الحدود، التي تتهم فيها الفصائل التابعة لإيران وجماعة حزب الله اللبناني.
هذا المشهد يطرح تساؤلات كبيرة فكيف لرباعي الأزمة والمقتلة السورية أن تجسد حلاً؟، كما أن كل مسببات هذه الأزمة والحرب الدائرة في سوريا منذ اثني عشر عاماً لازالت بل وتتعمق أكثر، فما الذي غيره النظام السوري في سلوكه لتبدأ موجة التطبيع العربي والإقليمي؟.