ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان يثير موجة تنديد ويشعل خلافاً داخلياً

القامشلي

وسط تصاعد بخطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين في لبنان، ورغم الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشونها هناك، تشن السلطات اللبنانية حملة كبيرة لترحيل هؤلاء وإعادتهم إلى بلادهم، رغم التنديد الواسع من قبل جهات دولية ومنظمات حقوقية تؤكد أن الأوضاع في سوريا لا تزال غير ملائمة لإعادة اللاجئين، وأن كثير منهم سيكونون عرضة للاعتقال والانتهاكات على يد الأجهزة الأمنية التابعة لقوات حكومة دمشق.

تقارير إعلامية أفادت أن الجيش اللبناني، شن منذ مطلع الشهر الجاري حملة مداهمات واسعة ونفذ اعتقالات عشوائية طالت عشرات اللاجئين السوريين في مناطق متفرقة من لبنان لاسيما في العاصمة بيروت ومنطقة وادي خالد والهرمل والشوف وكسروان وغيرها، بحجة عدم امتلاك أوراق ثبوتية، ليتم نقلهم إلى الحدود السورية وترحيلهم إلى الأراضي السورية، وسط تقارير عن عمليات اعتقال واسعة وانتهاكات جسيمة ارتكبت بحقهم من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق، حيث كشفت منظمة العفو الدولية نقلاً عن شقيق لاجئٍ سوري رحّلته السلطات اللبنانية، أن قوات حكومة دمشق اقتادت شقيقه إلى مكانٍ مجهول، وقالوا لزوجته وابنته اللتين رُحّلتا معه “اذهبا وانسيا أمره”.

العفو الدولية تطالب لبنان بوقف ترحيل السوريين
منظمة العفو الدولية، طالبت السلطات اللبنانية بوقف عمليات ترحيل اللاجئين السوريين، معتبرةً أن هذه العمليات غير قانونية، ومحذرةً من تعرضهم للانتهاكات على يد الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق عند عودتهم، وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة آية مجذوب: “إنه يجب حماية اللاجئين السوريين الذين يعيشون في لبنان من المداهمات التعسفية والترحيل غير القانوني، وعدم إعادة أي لاجئ إلى مكان تتعرض فيه حياته للخطر”، مضيفةً أنه “من المقلق أن يقرر الجيش اللبناني مصير آلاف اللاجئين دون احترام الضمانات بإجراء قانوني يتعلق بترحيلهم وضمان عدم تعرضهم للانتهاكات بعد عودتهم”.

مساع إقليمية لإعادة تدوير نظام بشار الأسد
الأكاديمية وعضو اللجنة الدستورية السورية الدكتورة سميرة مبيض، قالت في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إن هناك عدة عوامل حركت موضوع اللاجئين السوريين في لبنان، أهمها المساعي الإقليمية لتدوير منظومة بشار الأسد والتظاهر بأن شيئاً لم يكن خلال العقد المنصرم والترويج لوهم الانتصار الذي تروج له أطراف ضليعة في الانتهاكات التي ارتكبت بحق الشعب السوري، مضيفةً: “أن ترحيل اللاجئين الهاربين من سطوة القمع والحرب في هذه المرحلة هو مشاركة في الانتهاكات التي تجري بحقهم على الأخص في ظل غياب أي إمكانية لتقصي أحوالهم أو لحمايتهم، لذلك يتوجب التصدي لهذه الممارسات التي يتحمل القائمون بها مسؤولية قانونية وإنسانية”.

من جانبه، كتب جورج عطا الله النائب عن “التيار الوطني الحر” في لبنان الذي يتزعمه جبران باسيل، على حسابه في “تويتر” رداً على بيان منظمة العفو الدولية: “ندعو منظمة العفو للاهتمام بشؤونها وعدم التدخل في القرارات السيادية اللبنانية والمساهمة في إعادة كافة النازحين السوريين لكي يعيشوا بأمان وكرامة في بلدهم”، واصفاً بيان المنظمة الدولية بـ “التآمري” الذي تهدد فيه الجيش اللبناني بوجوب وقف ترحيل المخالفين للقوانين”.

تباين مواقف الأحزاب اللبنانية بشأن ترحيل السوريين
في غضون ذلك، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، دعوات للتظاهر أمام مقر مفوضية شؤون اللاجئين في بيروت من قبل مجموعة أطلقت على نفسها اسم “الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديمغرافي السوري”، للمطالبة بترحيل اللاجئين السوريين من البلاد، في حين برزت تباينات كبيرة في مواقف القوى والأحزاب السياسية اللبنانية بشأن ترحيل السوريين، حيث دعا رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” سامي جميّل بعد لقائه منسقة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يوانا فرونتسكا، إلى ترحيلهم إلى بلادهم وتغيير طريقة تعاطي لبنان مع الملف، مطالباً حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي بإسقاط صفة لاجئ عن كل من يدخل البلاد عن طريق التهريب، في حين حذر نائب رئيس البرلمان السابق إيلي فرزلي بعد لقائه رئيس البرلمان نبيه بري مما أسماه “الاقتتال السوري اللبناني”.

في المقابل، يطالب “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي يترأسه وليد جنبلاط، بضمانات من أجل عودة آمنة للاجئين السوريين ويطالب بوقف الترحيل القسري لهم، وقال النائب عن الحزب هادي أبو الحسن في تصريحات لصحيفة “الشرق الأوسط”: “إن حزبهم ليس متمسكاً بالسوريين وفي النهاية لابد من عودتهم إلى بلادهم، لكن هذه العودة يجب أن تترافق مع ضمانات دولية خاصةً من الأمم المتحدة تتعلق بتوفير الأمان ومقومات الصمود والظروف الاجتماعية الملائمة، وإلا فإنه سيتم إرسالهم إلى حتفهم”.

تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية انهيار الدولة اللبنانية
وبحسب الدكتورة سميرة مبيّض، “فإن العامل الثاني المحرك لموضوع اللاجئين هو بحث المنظومة اللبنانية المتهالكة عن جهة تحملها أعباء فشلها في إدارة الدولة وانهيار المؤسسات وهنا يتم توجيه الاتهامات للاجئين السوريين زوراً، لأن حالة الانهيار في الدولة اللبنانية والسورية على حد سواء تعود لتراكم عقود من الانحرافات السياسية والمؤسساتية العميقة في عموم المنطقة ولا شأن لحالة اللجوء في هذا السياق، إنما هو حال البلدان التي تم تحويلها لمستنقع صراع إيراني خليجي تدفع ثمنه شعوب لبنان وسوريا وغيرها من الدول التي يدمرها الصراع العسكري”.

يشار إلى أنه وبحسب تقارير حقوقية، فإن أكثر من مليون سوري لجؤوا إلى لبنان منذ اندلاع الأزمة السورية في آذار/ مارس عام ألفين وأحد عشر، فيما تقول السلطات اللبنانية، إنه يوجد على الأراضي اللبنانية أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري، نحو تسعمئة ألف منهم مسجلون لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في وقت تؤكد منظمات حقوقية أن معظمهم يعيشون أوضاعاً إنسانية صعبة هناك ويفتقدون للخدمات الأساسية، ناهيك عن الممارسات العنصرية بحقهم من قبل لبنانيين.

قد يعجبك ايضا