القامشلي
بعد تأجيل متكرر لاجتماع وزراء خارجية روسيا وإيران وسوريا وتركيا، لبحث تطبيع العلاقات بين الأخيرة وحكومة دمشق، ووسط ملفات خلافية عديدة وغموض يلف المشهد، اجتمع وزراء دفاع ورؤساء استخبارات كل من روسيا وإيران وسوريا وتركيا في العاصمة الروسية موسكو، لمناقشة استكمال مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، في عودة إلى المربع الأول الذي شهد اجتماعات أمنية بين الأطراف نهاية العام الماضي.
خلافات مستمرة وبيانات متناقضة
البيانات المختلفة التي خرجت من الأطراف المتحاورة في موسكو وعدم الخروج ببيان مشترك، تؤكد عمق الهوة واتساع نطاق الملفات الخلافية بين حكومة دمشق وتركيا، التي قالت وزارة دفاعها في بيان: “إن الاجتماع ناقش الخطوات الملموسة التي يمكن اتخاذها لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وسبل تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم وسبل مكافحة التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة على الأراضي السورية”، مضيفةً “أن الاجتماع شدد على احترام وحدة الأراضي السورية وتوفير الاستقرار في سوريا والمنطقة”.
وزارة الدفاع السورية من جانبها، قالت في بيان: “إن الاجتماع بحث موضوع انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية وتطبيق الاتفاق الخاص بالطريق الدولي “إم فور” شمالي سوريا”، في حين قال مصدر عسكري سوري رفض الكشف عن اسمه في تصريحات إعلامية، “إنه لا صحة للبيان الذي بثته وزارة الدفاع التركية بشأن “التوصل لخطوات ملموسة” تتعلق بتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، مشيراً إلى أن ما جرى في الاجتماع كان بحث آلية انسحاب القوات التركية من سوريا ولم يتطرق لأي خطوات تطبيعية، مشدداً على أن عودة “العلاقات الطبيعية” بين البلدين مشروطة بانسحاب كامل من الأراضي السورية، وأن هذه الخطوة يجب حسمها خلال مباحثات التطبيع.
تأن سوري بشأن استكمال مسار التطبيع مع تركيا
التصريحات التركية السورية المتناقضة بعد الاجتماع، تؤكد صحة التقارير عن أن هناك ملفات خلافية كبيرة لا تزال عالقة بين الجانبين، وأن حكومة دمشق ورغم رضوخها للضغوط الروسية للانخراط بشكل رسمي في محادثات التطبيع مع أنقرة، لا تزال تتأنى كثيراً للمضي قدماً في هذا المسار وتلعب على عامل الوقت، بانتظار نتيجة الانتخابات التركية القادمة المقررة في الرابع عشر من أيار/ مايو القادم، وسط مخاوف لدى دمشق من إعادة العلاقات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ثم خسارة الأخير للانتخابات لصالح المعارضة التي وعدت في مناسبات عديدة، بالانسحاب من الأراضي السورية وإعادة العلاقات مع دمشق ودفع تعويضات للأخيرة عن التدخل في الحرب السورية، إلى جانب عدم الثقة بأن أردوغان سيغير من مواقفه ويتملص من وعوده في حال فوزه بالانتخابات.
محاولة استغلال مسار التطبيع لتحقيق نصر انتخابي
ويقول مراقبون، إن الرئيس التركي يضغط من أجل المضي قدماً في ملف التطبيع مع حكومة دمشق قبل الانتخابات القادمة، وحسم على الأقل ملف إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، لاستغلال ذلك في تحقيق نصر انتخابي مستغلاً تصاعد موجة الرفض للسوريين بين الأتراك، خاصةً أن أغلب استطلاعات الرأي تؤكد تفوق مرشح المعارضة كمال كيلتشدار أوغلو عليه في تلك الانتخابات، كما أن إعادة اللاجئين تبرر له احتلال أجزاء من الأرض السورية وبالتالي توطينهم في هذه الأجزاء خدمةً لمشروع التغيير الديمغرافي والتخلص من تهديداتهم فيما يتعلق بالتوازنات الداخلية في تركيا، كما أنه يسعى لاستغلال الانفتاح العربي على دمشق من أجل دفع مسار التطبيع معها، إلا أن الأخيرة تحاول الفصل بين المسارين وتمضي قدماً في تطبيع إعادة علاقاتها مع محيطها العربي.
روسيا من جانبها، تواصل الضغوط من أجل تحقيق خطوات ملموسة في مسار التطبيع وإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، في إطار ما يقول محللون إنه محاولةً لإظهار ثقلها الدبلوماسي في ظل الأزمة التي تعيشها بعد الحرب الأوكرانية والعزلة الغربية المفروضة عليها، إلى جانب محاولة الدفع بكل ما يلزم لإنجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة، خاصة في ظل التقارب التركي الروسي خلال حكمه، والمخاوف من أن نجاح مرشح المعارضة سيعيد تركيا إلى حضن الغرب وحلف شمال الأطلسي “الناتو” الذي توترت علاقاته مع أنقرة خلال حكم أردوغان رغم عضويتها فيه، في حين تصر إيران على أن تكون طرفاً في أي محادثات تخص الأزمة السورية، كما أنها تحاول جعل حل الأزمة السورية يمر أولاً عبر طهران وليس موسكو، خاصةً بعد اتفاقها الأخير مع السعودية برعاية صينية، كما أنها تريد استغلال الملف لإثبات “ثقلها الإقليمي” في ظل الازمات الداخلية العديدة التي تعيشها، والضغوط الغربية عليها بشأن ملفها النووي”.
وكان نواب وزراء خارجية كل من سوريا وتركيا وإيران وروسيا، قد عقدوا اجتماعاً رباعياً في العاصمة الروسية موسكو مطلع نيسان/ أبريل الجاري، قالت وزارة الخارجية الروسية إن المشاركين فيه اتفقوا على مواصلة الاتصالات والمشاورات تحضيراً لاجتماع وزراء خارجية هذه الدول، في حين قالت مصادر روسية مطلعة حينها: “إنه حقق تقدماً ملموساً وأن المحادثات كانت ذات طابع فني وليس سياسياً، وأن التركيز خلالها كان منصباً على الخروج بتوافقات للمسائل العالقة بين دمشق وأنقرة”.