محمد اسماعيل
جاء القبض على راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية التابعة لتنظيم الإخوان الدولي بمثابة ضربة جديدة تتلقاها ذيول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الدول العربية، وذلك بعد تهديده بتحويل البلاد إلى الحرب الأهلية، في ظل حالة الرفض الشعبي لحركته وتوجهاتها في الشارع التونسي.
ويرى مراقبون أن ما لوح به “الغنوشي” يعبر عن مدرسة الإخوان ونهج أردوغان نفسه الذي لطالما هدد شعبه بالفوضى والصراع الأهلي وعمل على شيطنة معارضيه وإذكاء الصراعات العرقية والإثنية في ظل تراجع شعبيته.
الغنوشي قانونيا متهم بجرائم إرهاب
في هذا السياق قال منذر قفراش رئيس جبهة إنقاذ تونس، في تصريحات خاصة لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن القبض على الغنوشي جاء على خلفية فيديو تم تسريبه خلال مناقشات لما يسمى بـ”جبهة الخلاص” المعارضة للرئيس قيس سعيد وقراراته برئاسة نجيب الشابي وثيق الصلة مع الإخوان وهؤلاء المأجورين من قبل حركة النهضة ورئيس النظام التركي.
وأضاف أن الفيديو يظهر فيه راشد الغنوشي مهددا بحرب أهلية ضد أنصار ثورة 25 يوليو التي أطاحت بالإخوان، ويهددهم بالرجم بالحجارة والمحاكمات والقتل، وهذه التصريحات في نص القانون التونسي جريمة إرهابية، لأن ما صرح به تهديد لهيبة الدولة وتحريض للسكان على قتال بعضهم البعض بالسلاح وإثارة الهلع والسلب، وهذه جريمة تقود للإعدام في القانون التونسي، وهي تهمة ثابتة عليه.
وأوضح “قفراش” أنه تم مداهمة المقر المركزي لحركة النهضة وتشميعه بالشمع الأحمر، وغلق كل مقرات الحركة في تونس ومنعها من النشاط بأمر من وزير الداخلية، وهذا أتى في سياق التحقيقات التي تجرى في تونس خلال الفترة الأخيرة بشأن بعض الأعمال الإرهابية.
اعترافات إرهابيين قاتلوا في سوريا تدين الغنوشي وأردوغان
ولفت “قفراش” إلى أن الدولة التونسية حصلت مؤخرا على اعترافات لكثير من الإرهابيين الذين تم القبض عليهم داخل سوريا، والذين أكدوا دور حركة النهضة في تسفيرهم إلى سوريا ومن قدم لهم المال مقابل تدمير سوريا والانخراط في تنظيم “داعش” الإرهابي والذي يرعاه الرئيس التركي هو وغيره من التنظيمات الإرهابية.
وأوضح رئيس جبهة إنقاذ تونس أنه إثر مداهمة منزل راشد الغنوشي تم العثور على وثائق خطيرة تمس أمن الدولة، كما تم العثور على أموال كثيرة وساعات فاخرة ومخططات ووثائق تثبت تخابره مع جهات خارجية، كما تم العثور لديه على أجهزة تنصت وأجهزة اتصال لا سلكي، وكأنه مقر فرقة مراقبة وتجسس وليس منزل لرئيس حزب أو حركة سياسية.
وقال “قفراش” إن الغنوشي تم توجيه تهم الإرهاب له رسميا وسيبقى على ذمة التحقيقات، وأودع في سجن المرناقية، وكنت قد تنبأت بذلك من قبل، وكان لدي معلومات حول ذلك.
“أردوغان” يتحرك لإنقاذ “الغنوشي” على طريقة مرسي والإخوان في مصر
وقال مسؤول تونسي، فضل عدم ذكر اسمه، لمنصة “تارجيت” إن قرار القبض على راشد الغنوشي أزعج بشدة الرئيس التركي الذي بدأ يتحرك ويمارس ضغوطا كبيرة من أجل إطلاق سراحه رغم أن القبض تم عليه في إطار القانون.
ولفت المصدر إلى أن “أردوغان” يتحرك للضغط على تونس مثلما فعل من قبل عندما تمت الإطاحة بحكم جماعة الإخوان في مصر وعزل رئيسهم محمد مرسي، وهو الأمر الذي تسبب في قطيعة دبلوماسية بين البلدين بدأت منذ عام 2013، بعد طرد “القاهرة” السفير التركي وإعلانه شخص غير مرغوب به.
وشدد المصدر على أنه مهما كانت الضغوطات لن يتم تنفيذ إلا القانون، القانون هو من أتى بالغنوشي إلى السجن وهو الذي يحدد مصيره، كما أن الدولة التونسية ترفض التدخل في شؤونها، وترفض أي مساس بسيادتها من أي جهة أيا كانت.
الديمقراطية شماعة أردوغان للضغط على تونس
في هذا السياق، يقول الناشط السياسي التونسي محمد بن نور، لمنصة “تارجيت”، إن تحركات أردوغان لمساندة الغنوشي في الوقت الحالي كانت متوقعة، وسيمارس قدرا كبيرا من الضغوط على تونس عبر بعض حلفائه، خصوصا تحت مزاعم حماية الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان التي لا يعرفها النظام التركي.
وأضاف “بن نور” أن راشد الغنوشي قبض عليه على خلفية الفيديو المسرب له، ويواجه 113 اتهاما متنوعا بعضها يتعلق بالإرهاب، مثل المساهمة في تسفير الشباب التونسي للقتال في مناطق الصراعات مثل سوريا وليبيا، وتورط حركة النهضة في تشكيل تنظيم سري أو جهاز سري متهم بتنفيذ اغتيالات سياسية مثل اغتيال السياسيين البارزين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وشدد الناشط السياسي التونسي على أن الدولة التونسية تتعرض لضغوط شديدة منذ أن اتخذ الرئيس قيس سعيد قراراته الشهيرة بحل مجلس نواب الشعب والحكومة على خلفية احتجاجات شعبية عارمة ضد حركة النهضة وضد الهيمنة الإخوانية على الدولة التونسية.
وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين هاجم علنا القبض على راشد الغنوشي، ودعا إلى الإفراج عنه ومراجعة القرار، بداعي أن القرار الصادر بحق رئيس حركة النهضة الإخوانية يشكل تهديدا للسلم الاجتماعي في تونس، وهي التصريحات التي رأى بعض المراقبين أنها صيغة أخرى لما صرح به الغنوشي من أن البلاد ستذهب إلى الحرب الأهلية.
تونس ترفض الانتقادات الموجهة لها بعد القبض على الغنوشي
وأعرب الرئيس التونسي قيس سعيّد في فيديو بثته الرئاسة مساء الخميس الماضي بشدة عن رفضه الانتقادات التي صدرت عن “بعض العواصم والجهات إثر الإيقافات الأخيرة” في بلاده واعتبره تدخلا غير مقبول في شؤون تونس.
وكانت أحزاب تونسية على رأسها حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني نددت بإصدار مذكرة إيداع بالسجن في حق راشد الغنوشي، فيما كانت أطراف دولية عدة بينها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة انتقدت توقيفه.
وقال الرئيس التونسي إن “ما صدر عن بعض العواصم والجهات إثر الإيقافات الأخيرة غير مقبول”، مضيفا: “نحن دولة مستقلة وذات سيادة ولا نقبل بأن يتدخل أحد في شؤوننا”. وشدد على أن التوقيفات والتحقيقات أمام القضاء لعدد من الأشخاص والتي نددت بها عواصم وجهات “تتعلق بدعوة إلى حرب أهلية”. وقال: “تم تطبيق القانون (على الموقوفين) من قبل قضاة شرفاء”، نافيا “اعتقال أي شخص من أجل رأي أبداه أو من أجل موقف اتخذه”.
وكانت وزارة الخارجية التونسية بدورها أشارت إلى أن هذه الانتقادات “تشكل تدخلا مرفوضا في الشأن الداخلي التونسي من قبل جهات على دراية بحقائق الأوضاع في تونس”. وشددت على أن تعليقات كهذه “من شأنها الانعكاس سلبا على جهود الدولة المكثفة لتصحيح الوضع الاقتصادي والمالي الواقع تحت الضغط نتيجة سوء الحوكمة والهواية التي اتّسم بهما العقد الماضي، وما انجر عنهما من تداعيات لا يزال التونسيون يتحملون تبعاتها”.
الغنوشي وأردوغان شراكة الإرهاب والتخريب
وتجمع أردوغان والغنوشي علاقة وطيدة قوية، خصوصا وأن أردوغان راهن بقوة على استمرار الإخوان في تونس بعد الإطاحة بهم في مصر وانقلاب الوضع ضدهم كذلك في ليبيا، إلا أن تلك الشراكة ليست قاصرة على مجرد دعم سياسي.
إذ أن كثير من الاتهامات لاحقت راشد الغنوشي بالمسؤولية عن التعاون مع النظام التركي وبعض الجمعيات التونسية من أجل إغراء الشباب التونسي بالمال من أجل السفر للقتال في سوريا تحديدا، حيث أقيمت لهم معسكرات تدريبات في ليبيا ثم تم نقلهم لاحقا إلى الأراضي السورية عبر تركيا.
كما أن الغنوشي يواجه انتقادات من قبل أوساط سياسية ترى أن حزبه سهل خلال حكمه الفرضة أمام تركيا للهيمنة على الاقتصاد التونسي، وإرساء بعض العطايا والصفقات للشركات التركية على حساب الشركات التونسية.
ومن المتوقع أن يتم خلال الساعات المقبلة الإعلان رسميا عن تعيين منذر لونيسي رئيسا مؤقتا للحركة، وتشكيل مجلس مصغر لإدارة الحركة خلال الفترة المقبلة في ظل إيداغ الغنوشي خلف القضبان.