أحمد عبد الرحمن
بعد سلسلة الزلازل المدمرة التي ضربت جنوب تركيا وشمال سوريا في السادس من فبراير 2023، بدأت خطوات التطبيع العربية مع النظام السوري تتقدم بشكل متسارع تزامناً مع ترميم جسور التواصل على مستوى الدول الإقليمية في المنطقة لأسباب إنسانية، يأتي ذلك وسط غياب وتهميش تام للمعارضة السياسية السورية عن المشهد النهائي الذي سيفرض حلول دائمة للأزمة التي تجاوز عمرها عقد وعامين من الزمن، وفق تطلعات عدد من المحللين والباحثين المعارضين.
إقصاء التشكيلات والتكتلات السياسية المعارضة عن ساحة التفاهمات على الصعيدين المحلي والدولي، وعودة بعض الدول العربية للتواصل مع النظام السوري بعد سنوات من العزلة المفروضة عليه، يشير إلى أن روسيا نجحت بالجزء الأول من الخطة التي رسمتها قبل سنوات وبدأت العمل فيها بعد فترة وجيزة من غزوها للأراضي الأوكرانية في شباط 2022، والذي واجهت فيه بطئاً كبيراً بتحقيق أهدافها التي سعت إليها مراراً خلال عملياتها العسكرية، ولم يثنها هذا عن العودة إلى الملف السوري للسعي في إعادة العلاقات بين أنقرة وحكومة دمشق، ومحاولة تعويم النظام عربياً ثم إقليمياً لتتفرغ بشكل كامل إلى عملية غزوها لـأوكرانيا.
روسيا الوسيط بين الدول العربية والنظام
يرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور نصر اليوسف أن التطبيع العربي الذي تسعى له موسكو بكافة الجهود والوسائل” مع النظام السوري لن يسمح للأخير أن يعيش أفضل حالاته أو حتى أن يعتبر نفسه أصبح بموقف المنتصر، كذلك التقارب لا يسعى إلى نزع فتيل وأسباب ثورة السوريين على النظام، وأنه من الممكن أن يتم خلاله الوصول إلى حل شامل من شأنه أن يرضي كافة الأطراف السورية المتنازعة، وبكل أشكالها، بعد تعنت رأس النظام ورفضه تقديم أي إشارات توحي إلى تغير سلوكه سواء الداخلي تجاه الشعب الذي ادعت الدول “التي تسعى للتطبيع معه” مناصرته، أو تغير سلوكه الخارجي، إذ لم يقدم أي بيان يستدرك من خلاله نظرته الدونية إلى الأنظمة العربية.
ويقول اليوسف خلال حديثه مع منصة “تارجيت” : “إن المواقف التي اتخذتها بعض الدول العربية ومن قبلهم تركيا مرضية تماماً لروسيا، خاصة من جهة عدم الالتزام بالعقوبات الغربية، ولهذا السبب تسعى لمنع حدوث أي مستجدات ممكن أن تغير بمواقف الدول لأن ذلك سيؤدي إلى تضرر اقتصادها وموقفها في عملياتها العسكرية ضد الدولة الأوكرانية، لافتاً إلى أن السنوات الماضية شهدت محاولات دبلوماسية عديدة قادتها الإمارات والأردن والجزائر بموافقة مصرية بحرينية ومباركة عمانية بهدف إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، وطي صفحة أكثر من عشر سنوات من القطيعة العربية، إلا أن تلك المحاولات اصطدمت برفض سعودي وتمسك قطري بالحل الذي أقرته الأمم المتحدة وخاصة القرار رقم 2254 الذي يعد خارطة الحل في سوريا، إلا أن زلزال شباط غير اتجاهات العديد من الدول على رأسهم المملكة العربية السعودية التي هبطت طائراتها في مطاري دمشق وحلب للمرة الأولى منذ نحو عقد، وسرع عجلة التقارب بينها وبين النظام السوري.
موقف المعارضة السياسية والعسكرية من التطبيع
اختلفت وجهات النظر حيال التطبيع العربي مع حكومة دمشق بين المعارضة السياسية والعسكرية في شمال غرب سوريا، إذ أخذت الأولى دور المتفرج في الأيام الأولى من زخم التصريحات واللقاءات بين وزراء خارجية الحكومات العربية التي باتت قاب قوسين أو أدنى من تطبيع علاقاتها مع النظام، في وقت كان ينبغي على هيئة التفاوض والائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة العمل على مخاطبة الدول التي تتوجه للتطبيع مع الأسد، والتواصل مع خارجيات تلك الدول وطلب لقاء معهم بدلاً من توجيه انتقادات وإصدار بيانات إعلامية متأخرة كثيراً، بحسب ما أردف “السياسي نصر اليوسف” الذي شدد على أن الاستسلام للوضع الراهن ليس خياراً جيداً، وأن على القوة الفاعلة في الملف السوري التحرك بسرعة لأنها ليست معدومة الخيارات.
أما إدارة الشؤون السياسية في إدلب “الذراع السياسي لهيئة تحرير السام” فقد رفضت واستنكرت التطبيع العربي مع النظام وفق بيان حصلت “تارجيت” على نسخة منه بعد أن طالبت المنصة الإدلاء بتصريح تبين فيه موقفها، حيث أشارت الإدارة إلى أن الثورة السورية ساهمت في كشف مخططات إيران في المنطقة من خلال التصدي لإجرامها العسكري وتحريفها وعبثها الاجتماعي بهوية الشعب السوري وثقافته ومعتقداته، وتضليل الرأي العام الداخلي والخارجي عن طموحهم العسكري التوسعي كدولة قومية، عبر تسترهم بالمذهب الديني، وتسخير الإمكانيات العسكرية المتمثلة بالحرس الثوري الإيراني وصولاً لذلك. فيما أشادت بوقوف المملكة العربية السعودية سابقاً إلى جانب ثورة الشعب السوري بكافة أشكال الدعم السياسية والإنسانية والعسكرية، إذ أعلنت عن توجهها آنذاك بضرورة إزالة النظام السوري المجرم بما يحقق الحرية التي يطلبها الشعب السوري ويعزز الاستقرار في المنطقة، وطالبتها بضرورة الحفاظ على دورها الأصيل في المنطقة العربية والوقوف إلى جانب مطالب الشعوب ودعمهم.
كما شدّدت الشؤون السياسية على أن هذه الخطوات لن تغير من حقيقة النظام وإجرامه في ذاكرة أحرار العالم، ولن تعيد الشهداء أحياء أو اللاجئين إلى بيوتهم وديارهم التي هُجّروا منها ولن تعدل سلوك النظام الوحشي، بل لن تعدو أن تكون محاولات فاشلة لتلميعه سياسياً، ولن تجدي معه كل تلك المحاولات لفساده وإجرامه، وستصبح المواجهة مع إيران مباشرة وبأثمان باهظة تهدد الهوية الدينية للمملكة وثقافتها العربية الأصيلة.
وعلى الصعيد العسكري فقد كثفت الفصائل المعارضة العاملة شمال غرب سوريا خلال الأيام الأخيرة، عملياتها الهجومية المباغتة على مواقع تخضع لسيطرة قوات النظام والميليشيات الإيرانية في أرياف إدلب وحلب واللاذقية موقعة عشرات القتلى والجرحى في صفوف الأخيرة فضلاً عن السيطرة المؤقتة على النقاط التي هاجمتها، يأتي ذلك في إطار توجيه رسائل للرأي العام أن الفصائل العسكرية لن تقبل بحلول لا تتوافق مع تطلعات السوريين المهجرين “وفق ما أفاد به مصدر عسكري من هيئة تحرير الشام فضل عدم الكشف عن هويته لأسباب خاصة”. وأشار المصدر ذاته خلال حديثه مع منصة “تارجيت” إلى أنه من الممكن أن تشهد المنطقة تصعيداً عسكرياً في المرحلة المقبلة من جانبها، في حال لم يتم التوصل إلى حلول نهائية ترضي كافة الأطراف في الساحة.
أخيراً، لا يخفى على أحد أن زلزال السادس من شباط 2023 الذي ضرب بعنف مناطق الجنوب التركي والشمال السوري وقتل عشرات آلاف المواطنين السوريين والأتراك وشرد الملايين فور وقوعه، قد خدم نظام الأسد على كافة الأصعدة بعد أن استغل حجم الكارثة والمأساة لصالحه، إذ بدأت حينها العديد من الدول العربية المؤثرة في الملف السوري بفتح أبوابها أمام ممثليه لإجراء تفاهمات في الغرف المغلقة ترسم مسارات التواصل بينهما لاحقاً، إلا أن كل ما يحاك الآن لن يمر إلا بموافقة وقبول أميركي، حيث أكدت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى “باربارا ليف” في تصريح لصحيفة “ذا ناسونال” معارضة بلادها لتعويم النظام السوري وأنها لم تغير موقفها منه مطلقاً على الرغم من قيام المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى بمساعٍ مكثفة لتطبيع علاقاتها مع الأسد، وأن واشنطن لن تنظر في رفع العقوبات عنه حالياً للسماح بإعادة الإعمار، كما أنها لن تغير موقفها منه ولن تقوم بالتطبيع مع حكومته، حتى يأتي الوقت الذي ترى فيه بشار الأسد يتقدم بطريقة واضحة وبشكل حقيقي بشأن القضايا المنصوص عنها في قرار مجلس الأمن رقم 2254.