بَيْن الحكومة والْمُعارضات السُّوريَّة.. مَن الأقْرب لِتلقُّف مُبَادرَة “الإدارة الذَّاتيَّة”؟

طرحت “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، يوم الثلاثاء\الثامن عشر من أبريل، مُبادرة أطلقت عليها مُسمى “الحل السلمي للأزمة السورية”، لتكون واحدة من المُبادرات الداخلية لحل المُعضلة السورية، عقب إخفاق المُبادرات الدولية.
ووجهتها “الإدارة الذاتية” صوب حكومة دمشق أولاً، وجميع الأطراف السورية ثانياً، والتي تُشير فيما يبدو إلى المُعارضات السورية، المُنقسمة على نفسها بين الدول الداعمة (الائتلاف المدعوم من تركيا، منصة القاهرة المدعومة من مصر، منصة موسكو المدعومة من روسيا)، وغيرها.

مضمون المُبادرة
وقالت “الإدارة الذاتية” بأنه ستسعى جاهدة لاتخاذ الخطوات اللازمة لحلِّ الأزمة وإحلال السلام والاستقرار، ولا سيمّا أنه حتى هذه اللحظة، لم تسفر المنصات والمبادرات الدولية والإقليمية مثل (جنيف -أستانا -اللجنة الدستورية- وغيرها) عن أيّ نتائج تُذكر في سياق تقديم حلٍّ للأزمة السورية، داعيةً بالصدد حكومة دمشق، إلى إظهار موقف مسؤول، واتخاذ إجراءات عاجلة تًساهم في إنجاح الحل.

كما شدد البيان على وحدة الأراضي السورية، واستعداد “الإدارة الذاتية” للقاء حكومة دمشق، والحوار معها، ومع جميع الأطراف السورية، من أجل التشاور والتباحث لتقديم مبادرات وإيجاد حل للأزمة السورية، بالإضافة إلى عرضها، توزيع الثروات والموارد الاقتصادية الحالية “بشكل عادل”، بين كل المناطق السورية، من نفط، غاز، ومحاصيل زراعية، من خلال الاتفاق مع حكومة دمشق.

كما طالبت “الإدارة الذاتية”، الأمم المتحدة وجميع القوى الدولية الفاعلة في الشأن السوري، أن يؤدوا دوراً إيجابياً وفعالاً، يسهم بحل مُشترك مع الحكومة السورية والإدارة الذاتية والقوى الوطنية الديمقراطية، وتطوير حلّ ديمقراطي وسلمي في سوريا، مُعتبرةً أن لديها حلاً واضحاً ومعقولاً.

المُبادرة وجهّت لمَن؟
من خلال التمعن فيما بين سطور المُبادرة، يتضح أنها مُوجهة لكل الأطراف السورية، سواء الموالية لحكومة دمشق أو المُعارضة لها، حيث من المُفترض أن تُشكل 9 نقاط ذكرت في البيان، جوهراً ولبّاً لأي اتفاق قد يحصل بين الإدارة الذاتية والجهات التي تقبل بالمُبادرة، وهي بالمُجمل نقاط لا يختلف عليها السوريون، ممن أدركوا تلاعب الدول الإقليمية بهم، لتحقيق مصالحها على دمائهم.

وتتلخص تلك النقاط في:
1- وحدة الأراضي السورية
2- الاعتراف بخصوصية سائر المكونات السورية
3- اعتماد نموذج الإدارات الذاتية لإشراف المواطنين على تسيير أمور مناطقهم
4- توزيع الثروات والموارد الاقتصادية بشكل عادل
5- استعداد الإدارة الذاتية لاحتضان واستقبال النازحين والمهجرين
6- الاستمرار بمكافحة الإرهاب
7- تحميل الحكومة التركية مسؤولية تعميق الأزمة في سوريا
8- دعوة الدول العربية، والأمم المتحدة للمساهمة في الحل المُشترك
9- ألا يتعارض الحلّ مع قرار مجلس الأمن (٢٢٥٤)

ليست الأولى من نوعها
وليست المُبادرة الأخيرة، الأولى من نوعها، إذ عقب ترسيخ قوتها العسكرية، المُتمثلة بـ”قوات سوريا الديمقراطية”، لسيطرتها على مساحة تقدر بربع حجم سوريا الكامل، أطلقت مؤسسات “الإدارة الذاتية”، السياسية منها والعسكرية، الكثير من التصريحات، وأجرت الكثير من اللقاءات، ونظمت العديد من الحوارات في الداخل، والمُلتقيات في الخارج، بحثاً عن أرضية حوار سوري داخلي، وقد نجحت في ذلك بشكل نسبي، إذ وسعت نسبة المؤيدين لنظرتها للحلّ في سوريا، عبر التوجّه للحكم اللامركزي.

ولعل آخر ما حرر في ذلك السياق، كانت التصريحات القوية لقائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، في الرابع عشر من أبريل الجاري، عندما تحدث صراحةً عن أمله في انضمام “قسد” إلى الجيش السوري المستقبلي، قائلاً لـتلفزيون “الشرق” إن “قسد لديها علاقات مع النظام السوري وتريد تطويرها”، لكنه اعتبر أن “النظام السوري يتعنت في ذلك”، مشيراً إلى أنه “لا يعارض عودة علاقات دمشق مع الدول الأخرى ويدعم الحل السياسي في سوريا”.

كما أوضح آنذاك أن “قسد، قوات سورية، وجزء من منظومة الدفاع عن الأراضي السورية، وقوة لا يستهان بها يفوق عدد مقاتليها الــ100 ألف”، مشدداً على وجوب أن تكون “قسد” ضمن “منظومة الدفاع عن سوريا”، وهو يطرح بذلك نموذج مُشابه للوضع القانوني لقوات البيشمركة الكُردية في إقليم كُردستان العراق، والتي تعتبر جزءاً من المنظومة الدفاعية العراقية بشكل دستوري.

هل تفعلها حكومة دمشق، أم المُعارضات؟
لكن بمقياس الأمر الواقع، وبالاعتماد على حصيلة 12 عاماً من الحرب الأهلية المُستعرة، والتي دمرت مدناً كاملة في سوريا، لم يتنازل خلالها النظام للمعارضة، ولم يسمح لها بمشاركته السلطة، لا تبدو “الإدارة الذاتية” بأنها قد تشكل استثناءً في ذلك.

فالإدارة الذاتية، وعلى الرغم من أنها لا تُطالب بإسقاط النظام الحاكم في دمشق بشكل صريح، لكنها عملياً تقاسمه في الحكم على الأرض، وتفرض قوانينها وتمتلك مؤسساتها وقراراتها، وهو ما يتنافى مع رغبة دمشق، التي لطالما تحدثت عن سعيها لاستعادة كامل الأراضي السورية، وإعادة الوضع إلى ما كانت عليه قبل العام 2011.

وفي الوقت الراهن، بظل مساعي الدول العربية والجانب التركي، لمُصالحة دمشق، وإعادة تعويم نظامه الحاكم، لن يكون الأخير غالباً، بموضع قبول حلّ سياسي، ما دام ينظر إلى نفسه على أنه المنتصر من الحرب الطاحنة التي دارت رحاها طوال عقد من الزمان.

أما المُعارضات السورية، فهي مُنقسمة على نفسها، بين “ائتلاف” وفصائله المُسماة بـ”الجيش الوطني السوري”، والتي تعتبر أدوات بيد الطرف التركي، تسيطر من خلالها على شمال غرب البلاد، وبين مُعارضة مُقيمة في القاهرة أو موسكو، لا تملك فصائل عسكرية مُسلحة، ولم تُشارك بشكل فعلي بالحرب التركية على مناطق “الإدارة الذاتية” و”قسد”.

وإن كانت أنقرة تتوجه لمُصالحة دمشق، فهي بالضرورة تأخذ معها من ترعاهم سياسياً وعسكرياً، وعليه، لن يكون هؤلاء في وارد قبول مبادرة “الإدارة الذاتية” للحلّ، باستثناء القوى العسكرية التي قد تنشق عن فصائل “الجيش الوطني السوري”، وتعلن الانضمام إلى “قوات سوريا الديمقراطية”، وهو سيناريو ليس بمُستبعد، بل ربما يكون الأقرب للتحقق.

في حين تبدو القوى المُعارضة في موسكو والقاهرة، قريبة أكثر من غيرها، إلى القبول بمُبادرة “الإدارة الذاتية”، خاصة وأن لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” لقاءات سابقة عديدة، تصب في هذا السياق، مع مجموعة أطراف في الفريقين.

وعليه، ربما سترسم الشهور القادمة، خارطة تحالفات جديدة في سوريا، تجمع (الإدارة الذاتية، والمُعارضات السورية السياسية في القاهرة ودمشق، مع قوات وسوريا الديمقراطية، والفصائل المُنشقة عن الجيش الوطني السوري)، من جهة، و(حكومة دمشق مع الائتلاف المُدار من قبل تركيا، والفصائل العسكرية المُؤتمرة من أنقرة)، من جهة أخرى.

قد يعجبك ايضا