بعد فشل جميع المؤتمرات الإقليمية والدولية بإحداث اختراق في ملف الحل السياسي للأزمة السورية، وفي إطار تأكيداتها المستمرة على أن أي حل لهذه الأزمة لا يكون إلا داخلياً وبين السوريين أنفسهم بعيداً عن أي تدخلات خارجية، أطلقت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مشروع مبادرة لحل الأزمة السورية، تهدف للوصول إلى حل سلمي ديمقراطي ينهي معاناة الشعب السوري المستمرة منذ أكثر من عقد.
الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أكدت في بيان تلاه الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي فيها عبد حامد المهباش عبر مؤتمر صحفي من مدينة الرقة، على وحدة وسيادة واستقلال سوريا، وضرورة إنهاء الاحتلالات الأجنبية، مشيرةً إلى أن الأزمة السياسية التي أعقبت الحراك الشعبي الثوري الذي بدأ في ألفين وأحد عشر، نتيجة التراكمات والإقصاء والتهميش لقوى فاعلة في سوريا، ما تزال مستمرة ولم ينتج أي حل سياسي عن جميع المؤتمرات التي جرى عقدها، وعليه وانطلاقاً من المسؤولية أمام الشعب السوري، فإن الإدارة الذاتية تتقدم بهذه المبادرة من أجل التوصل إلى حل سلمي ديمقراطي للأزمة”.
ضرورة مشاركة جميع القوى السورية في الحوار
بيان الإدارة الذاتية، طالب جميع القوى السياسية المسؤولة بالعمل على اتخاذ الخطوات المطلوبة في سبيل إيجاد حل سلمي مشترك قائم على الحوار والتعاون والتوافق، لافتاً إلى أن جميع المنصات والمبادرات الدولية والإقليمية كجنيف و”أستانا واللجنة الدستورية” وغيرها، لم تسفر عن أي نتائج تذكر في تقديم حل للأزمة وذلك بسبب غياب التحليل والتشخيص الصحيح للأزمة السورية وعدم الخروج ببرنامج حل سلمي وديمقراطي إلى جانب عدم إشراك جميع القوى السورية الفاعلة في عملية الحوار والإصرار على الحلول المطروحة من الخارج.
الإدارة الذاتية أوضحت في بيانها، “أن السلطة السورية أخفقت في القيام بدور إيجابي فعال يفضي إلى حل سياسي للأزمة السورية، فكان ينبغي عليها منذ البداية البحث عن تسوية سلميّة للأزمة، ودعوة كلِّ الأطراف إلى إيجاد مخرج لهذه الأزمة، لكن بقائها خارج المعادلة هو ما أطال عمر الأزمة وأخر الحل وفاقم معاناة الشعب السوري، مطالبةً حكومة دمشق بإظهار موقف مسؤول واتخاذ إجراءات عاجلة تسهم في إنجاح الحل، مشددةً على أنه “من المهم جداً أن يكون لكل القوى السياسية من أحزاب ومنظمات نسائية وشبابية، بغض النظر عن حجمها، رأي في رسم مستقبل البلاد وشكل الحكم فيها”.
تأسيس نظام ديمقراطي تعددي لا مركزي
وبحسب البيان، فإنه ينبغي التوصل إلى حل ديمقراطي تشارك فيه جميع مكونات المجتمع السوري عبر الاعتراف بالحقوق المشروعة لسائر المكونات الإثنية والدينية التي تشكِّل المجتمع السوري، وحماية الحقوق الجماعية لهذه المكونات وتطوير القيم والآليات الديمقراطية وتأسيس نظام إداري سياسي ديمقراطي تعددي لامركزي يحفظ حقوق الجميع دون استثناء، وأن تجربة النظام الديمقراطي المعمول به بمناطق شمال وشرق سوريا، أكدت أنه يمكن لشعوب المنطقة أن تحل مشكلاتها من خلال الإدارات الذاتية، معتبراً أن النموذج الاجتماعي المطبق في مناطق الإدارة الذاتية كفيل بأن يشكل مرتكزاً ولبنة أساسية للتوصل إلى حل للأزمة السورية.
الثروات والموارد الاقتصادية ملك لجميع السوريين
الإدارة الذاتية، جددت التأكيد، على استعدادها للحوار مع حكومة دمشق وجميع الأطراف السورية من أجل التشاور والتباحث لتقديم مبادرات تهدف لإيجاد حل نهائي للأزمة، إضافةً لاستعدادها لاحتضان واستقبال النازحين أو الذين أجبروا على الهجرة خارج البلاد ضمن حدود إمكانياتها، بهدف التقليل من المخاطر التي تواجه السوريين، كما اعتبرت أن الموارد والثروات الاقتصادية الموجودة بمناطق شمال وشرق سوريا والمناطق السورية الأخرى، هي ملك لجميع السوريين، ويجب توزيعها عليهم بشكل عادل، ومشددةً على ضرورة مشاركة هذه الموارد من خلال الاتفاق مع حكومة دمشق عبر الحوار والتفاوض، كما يجب فتح جميع المعابر الحدودية وعلى رأسها معبر اليعربية/ تل كوجر من أجل توفير الاحتياجات الأساسية للسكان والوصول بالمساعدات إلى جميع المناطق، مبينةً أن المسؤولية الأساسية في هذا الشأن تقع على عاتق حكومة دمشق.
ونوهت إلى أن حكومة الاحتلال التركي عمدت منذ اندلاع الأزمة في سوريا على تعميقها وتفكيك وحدة وأراضي البلاد، كما دعمت المجموعات الإرهابية مثل داعش وأخواتها، معتبرةً أن تدخل الحكومة التركية في سوريا جاء لصرف الانتباه عن أزماتها الداخلية ومحاولة تصدير مشكلاتها إلى جيرانها عبر هجمات استخدمت فيها مجموعات إرهابية ومرتزقة، كما أن أسباب المشكلات على الحدود السورية التركية تعود إلى السياسات العدوانية لحكومة حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية، التي تريد التأثير على سياسة سوريا الداخلية وإعادة تشكيل الأوضاع حسب مصالحها، مؤكدة مواصلة مكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية حتى القضاء عليها نهائياً.
ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تطرح فيها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مبادرة لحل الأزمة السورية، إلا أن هذه المبادرة تتميز في أنها تأتي في وقت يبدو فيه المناخ الدولي، أكثر تقبلاً لحل سياسي في سوريا بعد ثبات فشل جميع الحلول العسكرية، كما أنها تأتي في وقت بدأت عدة دول عربية وإقليمية بتطبيع علاقاتها مع حكومة دمشق، فقد تكون بوابة للولوج في محادثات تقود إلى إنهاء للمعاناة المستمرة منذ أكثر من اثني عشر عاماً وترسخ الأسس لحل يشمل جميع السوريين على اختلاف مشاربهم دون أي إقصاء.