سيكون عيد الفطر هذا، الخامس، الذي يمضيه أهالي عفرين، المهجرون قسراً عنها، إلى مناطق الشهباء في شمال حلب، وهم بعيدون عن أرضهم وطقوسهم التي عهدوها على الدوام، لإحياء هذا النوع من المُناسبات.
وبجانب رحلة التهجير القسرية تلك، يُمضي نحو 150 ألفاً من مُهجري عفرين في الشهباء، وقرى شيراوا جنوب عفرين، العيد في ظروف قاسية، لكنها لم تعد استثنائية، منذ أن استولى الجيش التركي وفصائل المُعارضة السورية في مارس العام 2018، على المنطقة ذات الغالبية الكُردية شمال غرب سوريا.
حيث يُسيطر الغلاء وانهيار الليرة السورية، وقلة فرص العمل، بحكم تدمير أغلب المنطقة خلال سنوات الحرب الأهلية السورية، على واقع الأهالي، بجانب ما يتعرضون له من قصف تُركي مُتواصل ومُتكرر، أودى في العديد من المرات، بحياة الكثير من الضحايا، إضافة إلى ما يتسبب به من ضرر نفسي للأطفال والنساء وكبار السن، ناهيكم عن حصار قوات النظام لمنطقة الشهباء وحيي الأشرفية والشيخ مقصود.
العيد بين الماضي والحاضر
“أبو بيمان”، مُهجر من عفرين ومُقيم في الشهباء، قال في حديث لـ “منصة تارجيت الإعلامية”: “حصيلة خمس سنوات من تهجيرنا، إننا نعيش في ظروف صعبة للغاية، والصعوبة الأكبر التي تعترضنا، هي حسرة العودة إلى أرضنا وبيوتنا في عفرين، فبالنسبة إلى العفرينيين، يوم العيد هو يوم عودتهم إلى أرضهم، إلى أملاكهم وجبالهم وبلداتهم، وهو أكبر الأعياد لديهم”.
مُقارناً بين واقع العيد قبل احتلال أرضهم، وعقب تهجيرهم منها، بالقول: “كان العيد سابقاً مُقدساً، كنا نتوجه في صباحه إلى زيارة قبور موتانا، ومن ثم كنا نتوجه إلى زيارة أقربائنا وأحبائنا، لمُعايدتهم ومُباركتهم، وهو ما نفتقده اليوم في مهجرنا”.
مُتابعاً: “يُعاد العيد علينا بطقوس غريبة، وفي ظروف صعبة، حيث الصعوبة في تأمين ضروريات إحياء العيد، خاصةً تلك المُتعلقة بالأطفال، سواء من أجلهم، أو أمن أجل ضيوفنا، بما فيها ثياب العيد، لكن هذه الأمور، صعبة التأمين في الشهباء”.
مُوضحاً الأسباب بالقول: “من جهة الغلاء، ومن جهة الفقر، ومن جهة ثالثة، حسرة العودة إلى عفرين، ومن جهة رابعة، القصف التُركي المُتكرر على مناطق إقامتنا، ومن جهة خامسة، الحصار المفروض من قبل الحواجز التابعة لحكومة دمشق، ولذلك فإننا غير قادرين على تأمين الكثير من الاحتياجات”.
حرقة قلب وهموم
أما المُهجر الثاني المُنحدر من عفرين، وهو “ولات”، فيقول لـ “تارجيت”: “لا يستطيع مُهجرو عفرين في الشهباء، الاحتفال بالعيد، في ظل عدم مقدرة الكثير منهم على شراء ثياب جديدة لأطفالهم، بسبب الغلاء، بجانب وجود قسم منا تحت الخيام في المخيمات، أو في البيوت المُدمرة بشكل جزئي في قرى الشهباء، بعيداً عن أقربائنا وأحبائنا، وبعيداً عن أرضنا، ولذلك فإن العيد يمضي علينا بحزن وحرقة قلب وحسرة وهموم”.
ويُردف حول واقع العيد في الأحياء ذات الغالبية الكُردية في حلب، “في المناطق التي يُقيم فيها الكُرد وأهالي عفرين في مدينة حلب، في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية، ورغم توفر الأسواق وكثرتها هناك، إلا أن شراء وتأمين احتياجات العيد، أمران صعبان، نتيجة الظروف المادية لعموم الناس”.
مُؤكداً أن لأهالي عفرين أملاً وحيداً، مُتمثلاً في العودة إلى أرضهم، “ليعودوا إلى الإحساس بنشوة العيد وبريقه، على أرض أجدادهم”، وفق “ولات”.
هذا وفيما تعيش مُختلف المدن السورية، واقعاً لا أقل قسوة بكثير، من الناحية المادية عن حالة أهالي عفرين المُهجرين في شمال حلب، بيد أن الظروف المادية قد تجد حلاً لدى الكثيرين، من خلال الحوالات المالية الخارجية، بينما لا يجد واقع التهجير القسري الذي يعيشه أهالي عفرين، حلاً حتى الآن.
الانتخابات التركية
وفي الوقت الذي يتحسر فيه مهجرو عفرين على أرضهم المُستباحة، والتي يعجزون عن العودة إليها مع استمرار الوجود التركي، فإن آمال الكثير منهم تبقى مُعلقة على ما ستتمخض عنه الانتخابات التركية.
ففي الوقت الذي أبدت فيه حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاستعداد للانسحاب من الأراضي السورية، مُقابل اللقاء مع السلطات المركزية في دمشق، فإن المُعارضة التركية تبدو أكثر استعداداً لتحقيق ذلك، في حال فوزها بالانتخابات المُقررة بعد أقل من شهر في 14 مايو القادم.
وبينما كانت السلطات التركية تعتبر سابقاً، الحديث عن الانسحاب من الأراضي السورية، من المُحرمات التي لا يجوز الخوض فيها إعلامياً في تركيا، فإن الانسحاب التركي من الأراضي السورية، بات قضيةً شبه مُسلم بها في الوقت الراهن، ضمن الوسط الشعبي التركي، مع إدراكه لإخفاق حزب العدالة والتنمية بشرعنة تدخله بدول المنطقة، إن في سوريا أو ليبيا ومصر والخليج العربي وغيرها.
وتسعى أنقرة منذ أكثر من عامين، إلى رأب التصدعات الكبرى التي أصابت علاقتها مع الدول العربية، نتيجة تدخلاتها في شؤون دول المنطقة، وإذكائها نار الحروب الأهلية فيها، من خلال دعم وتمويل المليشيات المسلحة، بينما يبدو التطبيع بين العرب وتركيا، بعد سنوات الصدام السابقة، مرهوناً بانسحاب الجيش التركي من ليبيا وسوريا، وكف يدها عنهما.
وتعتبر تلك المُطالبات العربية من جهة، ووعود المُعارضة التركية لحكومة دمشق بالانسحاب من الأراضي السورية، حال فوزها بالانتخابات الرئاسية، من الجهة الثانية، بواعث أمل لدى المُتضررين من السياسات التركية، وعلى رأسهم مُهجرو عفرين في الشهباء، وفي كل المناطق التي هجروا إليها.