بعد قطيعة دامت أكثر من أحد عشر عاماً، وفي أعقاب زيارة لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى السعودية، واجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق في مدينة جدة السعودية لبحث عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية، وصل وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى العاصمة السورية دمشق يوم الثلاثاء والتقى الرئيس السوري بشار الأسد.
وزارة الخارجية السعودية، قالت في بيان، إن الوزير بن فرحان بحث مع الرئيس السوري بشار الأسد، “خطوات تحقيق تسوية سياسية شاملة” في سوريا، تساهم في عودتها إلى محيطها العربي ومقعدها بالجامعة العربية، مضيفةً أن بن فرحان أكد للأسد أهمية توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات الإنسانية لجميع المناطق السورية، واتخاذ مزيد من الإجراءات للمساهمة في استقرار الأوضاع بكامل الأراضي السورية، في حين قالت وكالة الأنباء السورية “سانا” إن الأسد وبن فرحان بحثا العلاقات الثنائية وعدة ملفات عربية ودولية.
استعجال سعودي لتطبيع العلاقات مع حكومة دمشق
وفي تجاهل للتقاليد البروتوكولية المعمول بها بين الدول، سارع بن فرحان إلى زيارة دمشق، رغم تواجد نظيره السوري فيصل المقداد في جولة خارجية، ما يظهر استعجال السعودية نحو المضي قدماً في خطوات التطبيع مع الحكومة السورية، ومحاولة إنهاء هذا الملف قبل القمة العربية المقررة بالرياض في التاسع عشر من أيار/ مايو المقبل، والتي قد تشهد حضور الرئيس السوري بشار الأسد لأول مرة منذ ألفين وأحد عشر.
توجه عربي للتطبيع مع حكومة دمشق بعد كارثة الزلزال
التوجه السعودي لتطبيع العلاقات مع حكومة دمشق، بدأت طلائعه بالظهور بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في السادس من شباط/ فبراير الماضي، حيث سارعت الرياض لإرسال طائرات محملة بالمساعدات الإنسانية إلى مطار دمشق وحلب واللاذقية، في خطوة بدت فارقة، قبل أن يصرح وزير الخارجية السعودي بعد ذلك بأيام، أنه “لابد في مرحلة ما من التواصل والمحادثات مع الحكومة السورية من أجل حل الأزمة وضمان العودة الآمنة للاجئين وإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين”.
دول عربية تعارض عودة سوريا إلى الجامعة العربية
لكن الجهود السعودية لتطبع العلاقات مع دمشق وإعادة الأخيرة إلى مقعدها في الجامعة العربية، تواجه معارضة من عدة دول عربية، حيث كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية قبل أيام نقلاً عن مسؤولين عرب، أن كل من الكويت والمغرب وقطر واليمن، إضافةً إلى مصر التي أحيت علاقاتها مع دمشق وتبادلت زيارات المسؤولين معها، ترفض عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وتشكل معارضة لجهود السعودية في هذا الشأن، موضحةً أن هذه الدول تريد من حكومة دمشق والرئيس السوري بشار الأسد بدء حوار مع “المعارضة السورية”، وإفساح المجال أمام السوريين لتقرير مستقبلهم واختيار قيادتهم.
ورغم ما يراه المحللون والخبراء السياسيون السعوديون، من أن الانفتاح العربي وخاصةً السعودي على حكومة دمشق، يمنح السوريين أملاً في وجود دور عربي قادر على التأثير من أجل فتح قنوات للحوار بين مختلف الفرقاء في سوريا، خاصةً بعد فشل جميع المؤتمرات والمسارات الإقليمية والدولية في إيجاد مقاربات تقود لإنهاء الأزمة، إلا أن أطرافاً سورية معارضة ترى في التوجه السعودي للتطبيع مع حكومة دمشق، ليس إلا محاولةً إعادة تعويمها رغم عدم تحقيق أي تقدم في ملف الحل السياسي وفق القرارات الأممية وعلى رأسها القرار اثنان وعشرون أربعة وخمسون، كما أنها لا يمكن أن تتخلى عن عقليتها المبنية على الحل العسكري والأمني.
عقبات كبيرة أمام استكمال مسار التطبيع مع حكومة دمشق
ومن الملفات التي يمكن أن تشكل عقبة أمام المضي في التطبيع بين العرب وحكومة دمشق، ملف المعتقلين السياسيين والمغيبين قسرياً، وعدم استجابة دمشق للدعوات العربية المتكررة بكشف مصيرهم والإفراج عنهم، إلى جانب ملفات النازحين واللاجئين في دول الجوار، واستمرار معارضة الولايات المتحدة ودول أوروبية عديدة لأي تطبيع مع دمشق قبل المضي في حل سياسي حقيقي، وما يرافق هذه المعارضة من عقوبات مفروضة على سوريا، تقف عائقاً أيضاً أمام إعادة إعمار البلاد.
وتؤكد تقارير صحف عربية وغربية، أن ملف تجارة المخدرات على الحدود السورية الأردنية وصولاً إلى دول الخليج، يعد من أبزر الملفات التي تثير القلق لدى السعودية التي تأمل في إيجاد حل في سوريا يقود لضبط الملف الأمني على الحدود الجنوبية وإنهاء تجارة المخدرات، وإبعاد جماعة حزب الله اللبناني والفصائل التابعة لإيران من هناك، والتي تتهم بالوقوف وراء هذه التجارة، إلا أن مراقبين للشأن السوري، يؤكدون أن حكومة دمشق باتت مسلوبة الإرادة أمام روسيا وإيران، ولا تمتلك الأدوات لفرض سلطتها بالجنوب السوري، أو إجبار هذه الفصائل على الانسحاب من هناك، كما أن ضباطاً في الفرقة الرابعة بقوات حكومة دمشق التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، متهمون بالتورط في تجارة المخدرات هناك.