محمد اسماعيل
اكتسبت المبادرة التي طرحتها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لحل الأزمة السورية تأييداً ودعماً من قبل بعض المثقفين والسياسيين العرب، خصوصاً وأن المبادرة تنطلق، وفقا لهم، من ثوابت وطنية سورية تؤكد الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، كما أنها تأتي في توقيت ثبت خلاله فشل جميع محاولات الحل الخارجية والتي في الواقع أطالت أمد الأزمة.
وأكدت الإدارة الذاتية أنها ستسعى جاهدة لاتخاذ الخطوات اللازمة لحلِّ الأزمة وإحلال السلام والاستقرار، ولاسيمّا أنه حتى هذه اللحظة لم تسفر المنصات والمبادرات الدولية والإقليمية مثل (جنيف -أستانا -اللجنة الدستورية- وغيرها) عن أيّ نتائج تُذكر في سياق تقديم حلٍّ للأزمة السورية، كما أنه يجب البحث عن حل داخل البلاد، وعلى الحكومة السورية أن تظهر موقفاً مسؤولاً، وأن تتخذ إجراءات عاجلة تساهم في إنجاح الحل.
تأكيد كردي على التمسك بوحدة الأراضي السورية
في هذا السياق، قال محمد فتحي الشريف رئيس مركز العرب للدراسات والأبحاث في القاهرة: “إن ما تم طرحه خلال المبادرة مبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا يكشف وطنية المكون الكردي السوري، وأنه يعطي مصلحة الوطن السوري ووحدة أراضيه الأولوية قبل أي اعتبار”، موضحاً أن “هذا ظهر من خلال تأكيد الإدارة الذاتية على وحدة الأراضي السورية وأنه لا يمكن حل المشاكل التي تعاني منها سوريا إلا في إطار دولة موحدة، وأن الإدارة في سبيل ذلك مستعدة للحوار والجلوس مع جميع أطراف المشهد السوري من أجل التوصل لحل ينهي معاناة الشعب السوري”.
وأضاف “الشريف” أن “المبادرة الكردية أكدت في مجملها على أولوية الديمقراطية كحل للأزمة السورية، الديمقراطية التي تقوم على أساس وطني وعملية سياسية تعبر عن جميع مكونات وطوائف الشعب السوري دون تمييز أو استثناء أو إقصاء، وديمقراطية هدفها رفاهية الشعب السوري وتحقيق الاستقرار، لا الديمقراطية التي تستغل كغطاء من قبل بعض الأطراف التخريبية، ومن ثم فالإطار الديمقراطي هو جزء مهم في روشة علاج الأزمة السورية”.
ولفت الباحث المصري في الشؤون العربية إلى أن “الكرد لعبوا دوراً مهماً في مواجهة التنظيمات الإرهابية التي كان تريد التهام الدولة السورية، وليس سوريا فقط بل المنطقة العربية ككل، مثل تنظيم “داعش” الإرهابي، وقدموا تضحيات غالية، وهذه التضحيات لا تجعل من المستغرب عليهم أن يقدموا مبادرة للحل طالما أن هذه المبادرة تأتي في إطار الحفاظ على وحدة الدولة، وأي مبادرة من هذا النوع يجب دعمها خصوصاً وأنها تتقاطع مثلاً مع كثير من الثوابت التي تؤمن بها مصر لحل الأزمة السورية”.
وكانت الإدارة الذاتية أكدت في المبادرة أن “نضالها وجهودها في سبيل مكافحة الإرهاب كانت وما تزال مستمرة لردع إرهاب تنظيمات داعش الإرهابية وأخواتها، والقضاء على تهديداتها لسوريا والمنطقة والعالم أجمع، لافتةً إلى أنها تحملت مسؤولية درء خطر هذه التنظيمات نيابة عن العالم عن طريق تقديم التضحيات الجمة المتمثلة في الآلاف من الشهداء ومثلهم من الجرحى”.
ويرى “الشريف”، في سياق حديثه لمنصة “تارجيت” كذلك، أن “المكون الكردي لعب دوراً مهماً في مواجهة التدخلات التركية، والمضي قدماً في التشاور والتوصل إلى حل للأزمة في الإطار السوري السوري، يعني مزيداً من وحدة الصف التي ستساهم في التصدي للتدخلات الخارجية وتحديداً الاحتلال التركي الذي استغل فترة الانقسام السوري وغذاها ليحقق كثير من المكاسب السياسية والاقتصادية على حساب الشعب السوري”.
وفي ختام تصريحاته، أكد “الشريف” على أن “المبادرة الكردية تنطلق من قناعة وطنية، خصوصاً وأن التجربة العملية أثبتت أن الاجتماعات المختلفة التي جرت خارج التفاهمات السورية السورية، أي مثل “جنيف” و”أستانة” وغيرها من الاجتماعات في واقع الأمر لم تفض إلى شيء سوى استمرار الأزمة دون حل، وبالتالي جاء الوقت لنعطي فرصة لمثل هذه المبادرات الوطنية”.
ودعا “الشريف” جميع المكونات والأطياف السياسية السورية إلى ضرورة التفاعل مع المبادرة التي طرحتها الإدارة الذاتية، خصوصاً وأن الفرصة في الوقت الحالي تبدو بقدر كبير مهيأة لإمكانية تحريك المياه الراكدة في الملف السوري، مشددا على أن أي مبادرة تهدف للحفاظ على وحدة سوريا هي موضع ترحيب.
المبادرة تؤكد أنه لا حل إلا من الداخل السوري
وتؤكد مبادرة الإرادة الذاتية أهمية أن يكون لكلِّ القوى السياسية: (أحزاب – منظمات نسائية، وشبابية) بغض النظر عما إذا كانت كبيرة أو صغيرة رأي في رسم مستقبل إدارة البلاد وشكلها في سوريا، وأن لهذا الموضوع أهميةً كبيرة في تحقيق السلام والاستقرار فيها.
الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي جاسم خلفان اهتم بدوره بمسألة أن المبادرة في جوهرها تقوم على فكرة الحل السوري السوري، وقال، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إن أي مبادرة للوضع السوري يجب أن تكون في الإطار السوري، أي الحوار بين الرئاسة الحالية “بشار الأسد وحكومته” مع كل الفرقاء في داخل سوريا وخارجها”.
وأضاف أنه “من الأفضل أن يكون هناك اجتماع في مكان محايد ويكون هناك تمثيل للجميع وأن يتم النقاش فيما بينهم كسوريين، ويتفقون على ما يرونه مناسبا لحل مشاكلهم، لأن سوريا لن تستطيع التواصل مع العالم في ظل هذا الوضع، وأبناء الشعب السوري بين مشردين ومهجرين ولاجئين”.
وقال “خلفان”: “إن المسألة الآن لا تتعلق برحيل النظام السوري وإنما بتعامل النظام مع كل مكونات الشعب السوري، وأن يكون هناك حل سوري، ويمكن أن يكون تحت رعاية عربية سواء كانت هذه الرعاية مصرية أو سعودية أو امارتية من أجل إعادة اللحمة إلى سوريا وعودة السوريين في الخارج إلى وطنهم”.
وتؤكد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أن طرح هذه المبادرة تم على قاعدة وطنية وتدعو الجميع للمشاركة والإسهام فيها في المرحلة الحالية، من خلال تسريع الجهود والمساعي الرامية إلى رأب الصدع وإنهاء الصراع، بما لا يتعارض مع قرار مجلس الأمن: (٢٢٥٤) وجميع القرارات الأممية ذات الصلة، مؤكدة كذلك استعدادها لمناقشة جميع وجهات النظر ومشاريع الحلول وترتيب كافة الإجراءات اللازمة لاحتضان الأطراف وإطلاق مباحثات الحوار والحل الوطني.
الكرة في ملعب النظام السوري
وأشارت المبادرة إلى أن السلطة السورية أخفقت في القيام بدور إيجابي فعال يفضي إلى حل سياسي للأزمة السورية، فكان ينبغي عليها منذ البداية البحث عن تسوية سلمية للأزمة ودعوة كل الأطراف إلى إيجاد مخرج لها، ولكنها بقيت خارج هذه المعادلة وهو ما أخرَ الحل وأطال عمر الأزمة، وهذا ما زاد في تفاقم معاناة شعبنا.
وقال حازم العبيدي المحلل السياسي العراقي، في تصريحات لمنصة “تارجيت”: “إن كرد سوريا يجب أن يشكروا ويحيوا على هذه المبادرة التي تنطلق من أساس وطني يهدف إلى حل عملي وواقعي يخرج من السوريين أنفسهم ولا يفرض عليهم من الخارج أو يكون وفق أولويات بعض الأطراف الخارجية التي لا يعنيها الشعب السوري وإنما مصالحها الخاصة”.
وأضاف “العبيدي” أن المشكلة الحقيقية ترتبط هنا بالنظام السوري، ومدى تجاوبه مع هذه المبادرة، خصوصاً وأن التجارب السابقة أثبتت عدم جدية نظام بشار الأسد في مساعي التوصل إلى حل سياسي، أو القبول بالدخول في حوار جاد يفضي إلى رفع المعاناة التي يعيشها الشعب السوري”.
وقال المحلل السياسي العراقي: “إن الكرة الآن في ملعب النظام السوري، عليه أن يتحرك خطوة للأمام، ويدخل في حوار جاد مع مختلف القوى السياسية والمكونات السورية”، لافتا إلى أن “هذا يتقاطع حتى مع المبادرة الأردنية العربية التي دعت النظام إلى الدخول في حوار مع قوى المعارضة من أجل عملية سياسية تفضي إلى حل للأزمة السورية”.
ولفت “العبيدي”، في سياق حديثه لمنصة “تارجيت”، إلى “أمر مهم في مبادرة الإدارة الذاتية، وهي أنها تعرض استقبال جميع السوريين الذين نزحوا أو هجروا خارج البلاد، وهذه نقطة في غاية الأهمية، لأنها أولاً تؤكد أن الإدارة الذاتية تتحرك في إطار الوطنية السورية والتساوي بين كل أبناء الوطن السوري، وليس المصالح العرقية والقومية الضيقة”.
وكانت مبادرة الإدارة الذاتية قد ذكرت أنه “بهدف التقليل والحد من المشاكل والمخاطر التي تواجه أبناء الشعب السوري من جميع المكونات من الذين نزحوا من مناطقهم أو هاجروا إلى خارج البلاد، وإنهاء معاناتهم الإنسانية، فإن الإدارة تبدي استعدادها لاحتضانهم واستقبالهم ضمن إمكانياتها المتاحة، كما استقبلت غيرهم من السورين منذ بداية تأسيسها حتى الآن، وأنها سوف تتخذ الإجراءات اللازمة بهذا الخصوص”.
وتؤكد الإدارة الذاتية على أنه من أجل حل الأزمة السورية، فقد أخذت على عاتقها مسؤولية تاريخية وإنسانية، واعية تماماً بأن مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري قد فقدوا أرواحهم وملايين المواطنين يعانون ظروفاً حياتية صعبة واستثنائية، وانطلاقاً من هذه المسؤولية، فإنها تدعو الحكومة السورية وجميع القوى الوطنية الديمقراطية للاستجابة للمبادرة هذه، والعمل على إيجاد حل مشترك ينهي الأزمة ويضع حداً لمعاناة السوريين، ويسهل الاتفاق على بناء وطن من جديد.