محمد إسماعيل
يشكل التحالف بين النظام التركي بقيادة رجب طيب أردوغان وحزب “هدى بار” الكردي المعروف بـ “حزب الله” واحدة من الأمور التي تثير الانتباه قبيل الانتخابات التركية المزمع انعقادها الشهر المقبل، في ظل نظرة إلى هذا التحالف باعتباره يعبر عن قلق “أردوغان” من الأصوات الكردية التي ربما تهدد موقعه في الدولة برلمانياً ورئاسياً.
ويعود التحالف بين “حزب الله” التركي أو الذراع السياسية له “هدى بار” المدعوم من إيران مع حكومة العدالة والتنمية إلى نحو عقد، لكن المختلف أنه بات هذه المرة تحالفاً علنياً، حيث حصل الحزب على كوتة تضم 4 مقاعد في قوائم حزب العدالة والتنمية الانتخابية.
تفاصيل الصفقة الخبيثة بين أردوغان والحزب الاسلاموي “بلبوس كردي”
التحالف العلني هذا استوقف مؤسسة “ميدل إيست فوروم” البحثية الأمريكية الشهيرة والتي قالت في تحليل حديث إن أعضاء حزب الله الذين تم ترشيحهم على قوائم العدالة والتنمية من المحافظات التي يتمتع فيها الأخير بدعم قوي حيث من المرجح فوزهم بالمقاعد الأربعة.
ويقول التحليل إن هذه هي المرة الأولى التي سيتم فيها تمثيل حزب الله كجبهة سياسية في الهيئة التشريعية التركية، ويأتي ترشيحهم كجزءً من صفقة بين أردوغان وقيادة حزب الله مقابل دعم الحزب لنظام أردوغان بين الناخبين الكرد وتحديدا التصويت للرئيس التركي في الانتخابات الرئاسية.
ولفت التحليل إلى أن حزب الله التركي يعد العدو اللدود لحزب العمال الكردستاني، الذي تم حظره في تركيا، ويتبع أفكار الشريعة الإسلامية، وبهذا الاتفاق يأمل أردوغان في الحصول على دعم من الناخبين الكرد ضد حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يتنافس في الانتخابات تحت راية حزب اليسار الأخضر.
وكان “أردوغان” تحالف من قبل مع “هدى بار” في الانتخابات العامة والمحلية منذ عام 2014، ولكن كان مجرد تحالف غير علني ولا يتضمن صفقة كأن يترشح أعضاء بهذا الحزب على قوائم العدالة والتنمية.
ولفتت مؤسسة “ميدل إيست فوروم” إلى أنه في مقابل الدعم من قبل “هدى بار” الكردي، أمّن أردوغان إطلاق سراح جميع إرهابيي هذا الحزب المدانين بما في ذلك قتلة تورطوا في قتل 31 شخصاً في التسعينيات وأوائل الألفية الثانية في تركيا، كما سمحت الحكومة بإعادة إنشاء منظمات حزب الله المحظورة.
ويبدو أن حزب الله أراد جني المزيد في الانتخابات المقبلة في ظل احتياج أردوغان إلى كل الأصوات للفوز في الانتخابات الرئاسية ضد المرشح المشترك من كتلة المعارضة، الذي يتفوق بفارق ضئيل، وفقًا لاستطلاعات الرأي، حيث يرجح أن يحصل كمال كليجدار أوغلو على أصوات الكرد، الذين تتجاوز كتلتهم التصويتية أكثر من 6 ملايين ناخب.
“هدى بار” يساعد “أردوغان” في ترويج رواية “حماية الإسلام”
ولا يتمتع حزب هدى بار بشعبية كبيرة سواء داخل الأوساط الكردية أو حتى التركية بصفة عامة، ففي انتخابات 2018، حصل على 155.539 صوتًا فقط، أو 0.31 في المائة من إجمالي الأصوات، لكن بما إن “أردوغان” يحتاج بشكل جاد لكل صوت انتخابي، فإنه قد يكون لأصوات هذا الحزب أهمية في الدوائر المتأرجحة.
لكن تحليل “ميدل إيست فوروم” لفت إلى أمر في غاية الخطورة، وهو أن “أردوغان” يعتمد على التحالف مع هدى بار ليستفيد من خلفية الأخير في الترويج لروايته المثيرة للانقسام، وهي أنه الرئيس الذي يدافع عن المسلمين وحامي الإسلام في مواجهة الغرب، وهي الدعاية التي يعتمد عليها الرئيس التركي بشكل رئيسي وفق المؤسسة البحثية الأمريكية.
وتقول إن هذا الحزب الصغير سيعمل على جذب الجماهير عبر استخدام مواضيع دينية مثل حوادث حرق القرآن في أوروبا والقضية الفلسطينية، إلى جانب أن أردوغان يريد الاستفادة من الحزب في بعض التجمعات والندوات التي ينظمها.
حيلة “أردوغان” لتفتيت الصوت الكردي
يقول مصطفى صلاح الباحث المتخصص في الشأن التركي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن “أردوغان” يتحالف مع “هدى بار” أو حزب الله التركي، لهدفين رئيسيين أولهما أنه يريد تشتيت كتلة التصويت الكردية والتي توصف بأنها الكتلة الحرجة في المشهد الانتخابي، وبدلاً من الاصطفاف التام خلف حزب الشعوب الديمقراطي والمعارضة يفكر أردوغان في الحصول على نصيب منها.
وأضاف “صلاح” أن الأمر الثاني هو أن “أردوغان” يريد الاستفادة من هذا التحالف عبر تسويق نفسه بأنه مرشح لتحالف يضم جميع أطياف المجتمع التركي بما في ذلك المكون الكردي، وهذه صورة كاذبة يريد النظام التركي تسويقها قبيل الانتخابات المرتقبة.
ويرى الباحث في الشأن التركي أن هذا التحرك لن يفيد كثيراً لأن “هدى بار” ليس الحزب صاحب التأثير الكبير في الشارع الكردي، ولا يمتلك كذلك شعبية بين الأتراك، ولكن “أردوغان” يريد أن يفعل أي شيء لكسب الانتخابات المقبلة.
إشارة خارجية لإيران وتاريخ من الصفقات المشبوهة
ويقول تحليل “ميدل إيست فوروم” كذلك إنه من خلال التحالف مع حزب الله التركي، أرسل “أردوغان” أيضًا إشارة إيجابية إلى إيران، التي كانت تمول سراً حزب الله التركي ذي الأغلبية الكردية والكيانات التابعة له وتوفر المعلومات الاستخباراتية والتدريب على الأسلحة لمقاتلي هذا الحزب.
بعبارة أخرى، وفق التحليل، أمّن أردوغان لمصلحته عمليات التأثير الإيراني في تركيا، والتي تغطي عديد من وسائل الإعلام والمنظمات والمؤسسات، مشيراً إلى أنه في تحقيقات فساد عام 2013 الشهيرة، تم الكشف عن استخدام الأموال الإيرانية لتمويل حملة “أردوغان” الانتخابية وكذلك توزيع الطعام المجاني في الأحياء الفقيرة لشراء الأصوات.
وكانت تلك التحقيقات، وفق وثائق نشرها موقع “نورديك موينتور” المعني بشؤون التنظيمات الإرهابية، كشفت عن أنه على سبيل المثال فقد حول فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني نصف مليون دولار إلى حزب الله في فبراير 2012.
بل إن تقرير شرطة مكافحة الإرهاب في مدينة “ديار بكر” ذكر في 9 مايو 2012 أن حزب الله يتلقى تمويلات من إيران تقدر بـ 100 ألف دولار شهريا، بل أن “طهران” كانت أنشأت وحدة خاصة داخل خزب الله التركي من أجل التجسس والمراقبة في تركيا وخصوصاً على قواعد حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
ورغم ما كشفت عنه تلك التحقيقات، إلا أن الحكومة التركية تكتمت عليها عام 2014 في التحقيق الذي كان يعرف بـ “فيلق القدس”، وتم إيقاف المدعي العام الذي كان يشرف على التحقيقات قبل أن يصدر أوامر باعتقال بعض المشتبه فيهم أو يقدم لائحة اتهام، وتم دفن جميع الأدلة من قبل رجال أردوغان الذين يتشاركون المصالح مع الحزب.
مخاوف “أردوغان” من أصوات الكرد
وفي ظل حملات القمع التي يمارسها الرئيس التركي بحق الكرد وقادة حزب الشعوب الديمقراطي المناصر لقضايا الأقليات، تؤكد المؤشرات المختلفة أن الكتلة الكردية ستذهب للتصويت في الانتخابات الرئاسية لصالح المرشح كمال كليجدار أوغلو مرشح المعارضة الرئيسي.
وفي ظل أن كتلة التصويت الكردية تتجاوز الـ 6 ملايين ناخب على الأقل، فإنها كفيلة بحرمان حزب العدالة والتنمية من تحقيق الأغلبية البرلمانية، ومن ثم تجعل “أردوغان” بحاجة إلى الدخول في مفاوضات مرهقة مع الأحزاب لتشكيل حكومة.
كما أنه يتوقع أن الرئيس التركي لن يستطيع كذلك بسبب كتلة التصويت الكردية حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، وبالتالي الذهاب إلى جولة ثانية تبقى حظوظه فيها مهددة.