بَاحِث اِقْتصاديّ لـ”تَارجِيت”: خِلافَات العائلة الحاكمة والْحَرْب الأوكْرانيَّة سرَّعتَا اِنهِيار اللِّيرة السُوريَّة
يعصف الغلاء والفقر بعموم السوريين، وبشكل خاص في المناطق الخاضعة لسلطة حكومة دمشق، إذ يستفيق المواطنون في كل يوم، على ارتفاع جديد في أسعار المواد الأساسية، وانهيار إضافي على قيمة الليرة السورية.
أكد الباحث الاقتصادي السوري خورشيد عليكا، وجود عجز في المُوازنة العامة للحكومة السورية، لافتاً إلى أن “مسألة تحديد المُوازنة هي شكلية، وما يُنشر على الورق أو في الإعلام، يُعاكس ما هو على أرض الواقع، فحتى العملة السورية تُتحدد بقرار سياسي، ولا تُوجد ميزانية واضحة في نهاية السنة، تُوضّح بشفافية النفقات والإيرادات، باعتبار أن الاقتصاد الحالي هو اقتصاد حرب”.
كسب الحوالات
جاء ذلك في معرض إجابته لـ”منصة تارجيت الإعلامية”، على ترجيح خبراء سوريين للاقتصاد، ارتفاع العجز في الموازنة العامة للدولة السورية الذي دخلت فيه العام 2023، وهو نحو 5 تريليون ليرة سورية، مدفوعاً بعدد من قرارات مصرف سوريا المركزي، ومنها خفض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، بنحو 44% في نشرة “المصارف”.
وتابع عليكا: “بالنسبة لقرار مجلس النقد والتسليف خفض سعر صرف الليرة السورية مُقابل الدولار الأمريكي نحو 44 في المئة، فهي من أجل كسب الحوالات، وأن يتم التحويل عن طريق مصارفها”.
مُوضحاً: “حيث كان هناك فرق كبير بين سعر صرف السوق السوداء، والسعر الرسمي للمصرف المركزي، وبالتالي كان الناس في مناطق الحكومة السورية، يتجنبون تحويل العملات عن طريقهم، كما أن المصرف المركزي كان يُعطي الدولار من أجل الاستيراد مُخفضاً للتجار، وبالتالي عملية الخفض كانت في صالح الشعب وصالح الحكومة، لأن ذلك يعني المزيد من الشفافية، وعودة الثقة نوعاً ما بين المصرف المركزي والمواطنين، رغم الانخفاض المُستمر في قيمة الليرة السورية، مُقابل الدولار الأمريكي”.
الخلافات العائلية والحرب الأوكرانية
وحتى العام 2018، كانت الليرة السورية مُتوازنة إلى حد ما، عند حدود الـ1500 ليرة مُقابل الدولار الواحد، لكن الانهيار تسارع بعد انباء عن إشكال بين قطبين ضمن العائلة الحاكمة، هما “رامي مخلوف” ابن خال بشار الأسد وذراعه الاقتصادية قبل العام 2011، و”أسماء الأسد” زوجة بشار، حيث تسارع انهيار الليرة السورية، بعد مُحاصرة رامي مخلوف ومُصادرة الكثير من أمواله، وهي قرارات رجّح مراقبون وقوف أسماء الأسد خلفها.
وبالصدد، عقّب عليكا لـ”تارجيت”: “المسألة مُتعلقة بشكل رئيسي، بطول أمد الأزمة السورية، وعدم وجود حل لها، ونفور الاحتياطيات من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، واستمرار التجار والعائلات بتهريب أموالهم إلى الخارج، وتوقف عجلة الإنتاج وسيطرة الإدارة الذاتية على الموارد الاقتصادية في شمال شرق الفرات، وعدم تمكن حلفاء الحكومة السورية من الاستمرار في دعمه بالشكل المطلوب”.
مُردفاً: “الخلافات ضمن العائلة الحاكمة كان لها أثر كبير على الانهيار المُتسارع لليرة السورية، وهذا الانهيار لاحظناه أيضاً من الحرب الروسية ضد أوكرانيا، فقد كان سعر الدولار الأمريكي الواحد يُعادل حوالي 3600 ل.س في 01.02.2022 قبل الحرب الروسية، ضد أوكرانيا، واليوم بتاريخ 16.04.2023 سعر الدولار الامريكي الواحد يُعادل تقريبا 7750 ل.س، وبالتالي واضح أنه خلال سنة وشهرين تقريباً، ارتفاع الدولار الواحد بمقدار 4150 ل.س”.
لولا التحويلات.. لانهارت الليرة
كما قال خبراء اقتصاد سوريون، أن رفع سعر الدولار في نشرة “المصارف” من 4522 ليرة سورية إلى 6532، أدى إلى ارتفاع العجز في المُوازنة العامة، ولن يكون هناك انفاقات استثمارية بالموازنة، مع توقّع وصول العجز إلى 8 تريليونات ليرة.
وحول ذلك، قال عليكا لـ”تارجيت”: “في الحقيقة، الحكومة السورية لم تعد تملك أي عملة أجنبية أو احتياطيات اجنبية، والعملة المحلية أصبحت فاقدة للثقة، نتيجة التضخم الجامع في الاقتصاد السوري، فالاقتصاد السوري الحالي قائم على المساعدات الأممية والمساعدات الخارجية والتحويلات الخارجية، من السوريين المغتربين والمهجرين واللاجئين في الخارج”.
مُؤكداً: “لولا تلك التحويلات والمساعدات، لانهارت الليرة السورية منذ عام 2016، باعتبار أنه لم يبقى من أصل 17 مليار دولار أمريكي من الاحتياطيات، سوى 600 مليون دولار أمريكي، حسب صندوق النقد الدولي”، مُتابعاً: “لا يوجد استثمار من قبل الحكومة السورية، في الوقت الذي لا يكفي رواتب موظفيها لمعيشة لأكثر من يومين”.
المُوازنة المُحددة تكفي 4 أشهر
أيضاً، يقول خبراء للاقتصاد، إن العجز المُتوقع في الموازنة العامة للدولة السورية، نتيجة القرار رفع سعر الدولار في نشرة “المصارف” من 4522 ليرة سورية إلى 6532، سيصل إلى 65 في المئة، مُعتبرين أن أرقام الموازنة باتت خُلبيّة، وليس لها أي جدوى اقتصادية، والأجدى اعتماد المُوازنات الصفرية.
وحيال ذلك، بيّن عليكا: “العجز في تصاعد، ولا زلنا في الشهر الرابع، والمُوازنة المُحددة لا تكفي لأكثر من 4 أشهر، ويبقى 8 أشهر يبدأ فيها التمويل بالعجز، وانتظار المُساعدات الأمُمية والعربية والتحويلات الخارجية للاجئين المُغتربين والمُهجرين لأقربائهم”.
مُشيراً إلى أنه “لا توجد إحصائيات وبيانات حقيقية في الاقتصاد السوري، وبشكل خاص بعد عام 2011، ومن الأفضل اعتماد مُوازنات صفرية، وكُلّ الأرقام المُوجودة في الاقتصاد السوري، هي عبارة عن أرقام شكلية، وهمية وغير حقيقية”.
المُصالحات والتطبيع
ومع إعادة تعويم السطلة الحاكمة في دمشق، تقول تقارير صحفية أن السكان في المناطق الخاضعة لحكومة دمشق، يتأملون في أن تُساهم عمليات المُصالحة والتطبيع مع الدول العربية من جهة، والجانب التركي من جهة ثانية، في تشكيل انفراجة اقتصادية لهم، إذ تعصف بهم ريح الفقر والغلاء منذ عدة سنوات، مُثقلةً كاهلهم.
وبخصوص ذلك، يلفت خورشيد عليكا لـ”تارجيت”، إلى أن “مسألة العجز تنعكس بشكل مُباشر على الدخل، وترتفع معها مُعدلات التضخم، وتتراجع مدخولات الأسرة مع تراجع الليرة السورية مُقابل الدولار الأمريكي، وهذا يعني زيادة البطالة والفقر والتشرد والهجرة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية”.
لكن لا يبدو أن المُصالحات والتطبيع مع السلطة الحاكمة في دمشق، قد تجلبان الكثير للداخل السوري، إذ يستدرك الباحث الاقتصادي خلال حديثه لـ”تارجيت”، فيقول: “من الصعب لهذه العلاقات أن تُقوي موقع الليرة السورية، باعتبار أن الاقتصاد منهار، وعجلة الإنتاج متوقفة”، مردفاً: “من الصعب أن تحقق المُساعدات العربية تحسناً مُباشراً في الاقتصاد السوري، كما أن تركيا تُعاني من مشاكل اقتصادية عدة، وهي بحاجة إلى مُساعدة، ومن الصعب أن تُساعد الحكومة السورية في وضعها الحالي”.
كما يعتقد عليكا “أنه رغم التطبيع العربي نوعاً ما في إطار التعافي المُبكر بعد الزلزال، فإنها لا تنعكس على هذا الاقتصاد المُدمر، لأن مسألة التعافي المُبكر بحاجة شهرياً إلى مليار دولار، ليحافظ الناس على مستوى معيشتهم الحالي”، مُختتماً بالتذكير بأن “الدول الغربية بقيادة أمريكا، تضغط على الدول العربية وتركيا، من أجل عدم التطبيع مع النظام، في ظل غياب الحل السياسي، حسب قرار جنيف 2254، وبالتالي فإن مسألة إعادة الإعمار تبقى مُعلقة، وبحاجة إلى مئات المليارات من الدولارات، التي لن تستطيع هذه الدول تمويلها، وبدون الدول الغربية، من الصعب أن تتم عملية إعادة الإعمار وإعادة عجلة الإنتاج للدوران”.
وعليه، يبدو أن حظوظ السلطة الحاكمة لا تزال قلقة وغير متوازنة، رغم المساعي الإقليمية لإعادة تعويمها، وهو ما يُبقي باب الاحتمالات مفتوحاً على خيارات غير محسوبة، بالذات أن خطوات تطبيع سابقة بين دمشق والأردن، وكذلك الإمارات، لم تجلب للداخل السوري أي فائدة تُذكر، وواصلت الليرة السورية رِحْلَة سُقوطِهَا اَلحُر، دون أن يُعيق هرولتها للأسفل، أي مُصالحة أو دعم مالي خليجي.