مع اقتراب موعد الانتخابات التركية المقررة في الرابع عشر من أيار/ مايو القادم، يخوض المرشحون الأربعة سباقاً محموماً لكسب أكبر عدد ممكن من الأصوات، وسط تأكيدات أكثر استطلاعات الرأي ارتفاع حظوظ مرشح المعارضة أو ما يعرف بتحالف “طاولة الستة” ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيلتشدار أوغلو، أمام الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وزعيم حزب “البلد” محرم إنجه ومرشح تحالف “أتا” سنان أوغان.
ووسط الحديث عن أن قطاعات داخل تحالف المعارضة أو ما يعرف بـ “طاولة الستة”، تدعم ترشح إما رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش أو رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو للانتخابات الرئاسية، أعلن الأخيران دعمهما لرئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيلتشدار أوغلو خلال الانتخابات القادمة، وكتب إمام أوغلو على تويتر: “أنا بجانب رئيسنا تحت كل الظروف” في حين كتب يافاش: “أنا بجانبك في كل وقت من أجل غد عادل ومستقبل هادئ”، وذلك رداً على دعوة وجهها كيلتشدار أوغلو لإعلان الدعم من جانب من يدعمه للترشح للرئاسة.
من جانبه، قال القيادي بحزب الشعوب الديمقراطي المعارض الذي يعد ثاني أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان، ونائب الحزب عن ولاية شرناق، رداً على دعوة كيلتشدار أوغلو: “نحن معك من أجل العدل، في وقت أعلنت رئيسة حزب “الجيد” ميرال أكشنار، خلال مؤتمر لحزبها دعمها لأوغلو، قائلةً: “إنها لا يمكن أن تنسى فضله على حزبها في بدايته، عندما سمح بانتقال خمسة عشر نائباً من حزبه إليه، وسط ظروف ضاغطة كان يمكن أن تعرقل خوضه انتخابات عام ألفين وثمانية عشر، الأمر الذي اعتبر دحضاً لمزاعم حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية، عن أن أكشنار تدعم ترشح رئيس بلدية أنقرة للانتخابات الرئاسية، كما شكل خسارة أردوغان لورقة حاول اللعب عليها قبيل الانتخابات وهي الخلافات داخل تحالف المعارضة.
استطلاعات الرأي تظهر تقدم كيلتشدار أوغلو على أردوغان
وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة “جيزيجي” وشمل شريحة واسعة من الأتراك من مختلف الفئات العمرية، استمرار تقدم كمال كيلتشدار أوغلو على الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، موضحاً أن نسبة تأييد مرشح المعارضة بلغت 53،4 بالمئة من المشاركين بالاستطلاع، في حين بلغت نسبة تأييد أردوغان 43،2 في المئة، كما خلص استطلاع ثان أعلن عنه مركز “تقرير تركيا”، إلى أن عدد الناخبين المترددين آخذ في الانخفاض وأن هناك زيادة في نسبة تأييد مرشح المعارضة، مرجحاً أن ذهاب بعض الأصوات للمرشح محرم إنجه سيكون سبباً في التوجه لجولة إعادة.
وفي هذا السياق، يقول الخبير في الشأن التركي الدكتور بشير عبدالفتاح: “إنه إذا أخذ في الاعتبار الكتلة التصويتية للكرد والتي تقدر بأكثر من 6 ملايين صوت، فإنها ستلعب دوراً فارقاً في الانتخابات المقبلة مع إعلان حزب الشعوب الديمقراطي أنه لن يدفع بمرشح للرئاسة، وبالتالي ستذهب الكتلة التصويتية الكردية في غالبيتها لمرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، وهناك يمكن القول أنه على صعيد الانتخابات البرلمانية سيحرم ذلك حزب العدالة والتنمية من الحصول على الأغلبية التي تتيح له تشكيل حكومة بشكل منفرد، وبالتالي يدخل في معضلة البحث عن ائتلافات لتشكيل الحكومة.
الدكتور عبد الفتاح، أضاف: “أنه بالنسبة لانتخابات الرئاسة، فإنه يمكن أن يدفع تحالف المعارضة واتجاه كتلة التصويت الكردي له لحرمان أردوغان من تحقيق الفوز بالانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، وعلى الأقل ستدفع به إلى جولة ثانية، وفي قناعاتي فإن أردوغان سيحسمها بالإعادة، وهذا ليس لقوة الرئيس التركي بقدر ما هو مرتبط بضعف المعارضة وعدم تقديمها بدائل واقعية”.
في غضون ذلك، أعلنت أحزاب “الشعوب الديمقراطي والعمال التركي والعمل والحرية الاجتماعية والحركة العمالية” عن تأسيس تحالف ثالث لخوض الانتخابات البرلمانية هو تحالف “العمل والحرية”، قائلة: “إن هدفه هو وقف الدمار الذي أحدثه “تحالف الشعب” ممثلاً بحزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، وإنهاء نظام حكم الفرد الواحد عبر العودة للنظام البرلماني بدلاً من الرئاسي وتحسين ظروف العمل والمعيشة للشعب، وضمان التغيير على أساس الحقوق والحريات الديمقراطية، على أن يدخل حزب الشعوب الديمقراطي ضمن قائمة حزب اليسار الأخضر الذي تم تأسيسه مؤخراً والذي يتوقع أن يكون بيضة القبان في الانتخابات على غرار حزب الشعوب في انتخابات ألفين وخمسة عشر وألفين وثمانية عشر، وبذلك يكون تحالف “الحرية والعمل” هو أكبر تحالف سياسي يخوض السباق الانتخابي.
وتعهد حزب اليسار الأخضر في بيانه الانتخابي بإنهاء العمليات العسكرية التركية في سوريا والعراق، والإفراج المشروط عن قائد حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، وإنهاء ممارسة إغلاق الأحزاب السياسية، وإلغاء العتبة الانتخابية التي تترك بعض الأحزاب خارج البرلمان، وإلغاء المراسيم الرئاسية التي صدرت على خلفية محاولة الانقلاب المزعوم في تموز ألفين وستة عشر.
حزب اليسار الأخضر سيكون بيضة القبان بالانتخابات القادمة
من جانبه وفي تصريحات لتارجيت، قال مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل، إن جميع استطلاعات الرأي التي تجريها شركات يمكن الوثوق فيها، تقول إن فرص فوز مرشح “طاولة الستة” كمال كيلتشدار أوغلو، بالانتخابات القادمة أكبر بكثير من فرص رئيس النظام الحالي رجب طيب أردوغان، مشيراً إلى أن امتناع حزب الشعوب الديمقراطي عن تقديم مرشح للرئاسة، وخاصة بعد الزيارة التي قام بها كمال كيلتشدار أوغلو لمقر الحزب وحديثه عن أن “عنوان حل القضية الكردية هو البرلمان التركي” وما تردد عما تم الاتفاق عليه بعيداً عن الإعلام، كل ذلك يوضح أن حزب الشعوب ومن بعده حزب اليسار الأخضر، سيدعمان كيلتشدار أوغلو في الانتخابات، إلا إذا “حصل تطور دراماتيكي وانقلب على وعوده وهذا أقرب للمستحيل”، لأن بحسب التوقعات سيكون حزب اليسار الأخضر بيضة القبان، وحتى في الصحافة العالمية بات يطلق عليه وعلى حزب الشعوب سابقاً اسم “صناع الملوك”، والحزبان يدركان تماماً مع من يتحالفان.
أردوغان يخشى من الكتلة البرلمانية لحزب الشعوب الديمقراطي
بدوره، قال الخبير في الشأن التركي كرم سعيد في تصريحات لتارجيت، “إن الانتخابات تأتي وسط تصاعد حدة التوتر بين السلطة وحزب الشعوب الديمقراطي ثالث أكثر الأحزاب تمثيلاً بالبرلمان، حيث يتعرض الحزب لتحديات شديدة، خاصة بعد قرار المحكمة الدستورية في 5 يناير 2023 بحرمانه من المخصصات المالية التي تدفعها الدولة للأحزاب، فقد كان من المقرر أن يحصل على نحو 28.7 مليون دولار كمساعدة عامة، فضلاً عن مطالبة المدعي العام من المحكمة الدستورية التركية حظر الحزب في ظل تهم له بدعم “الإرهاب”، ومن قبل ذلك قضت محكمة تركية في العام 2017، على زعيم الحزب صلاح الدين ديمرتاش بالسجن لأربع سنوات. وفي ظل المخاوف من الكتلة التصويتية الكردية التي تقف خلف الحزب، فإن حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان يخشى أن تتسبب تلك الكتلة في حرمانه من الأغلبية البرلمانية، ومن ثم تثار المخاوف بشأن الاتجاه نحو إغلاقه، ويأتي دخول الحزب بقوائم حزب اليسار الأخضر، كنوع من التحوط لأي إجراء يمكن أن يتخذ ضده خلال الفترة التي تسبق الانتخابات، كما أنه يمنح الكتلة اليسارية فرص تمثيل أكبر بالبرلمان المقبل.
وبحسب سعيد، “فإن هناك فرص محتملة لصعود حضور ومقاعد حزب الشعوب الديمقراطي بالبرلمان المقبل، وفي حال نجح في حصد عدد من المقاعد، فأنه سيدفع مع باقي قوى المعارضة باتجاه العودة للنظام البرلماني، لكن على صعيد الرئاسة فالأرجح فوز أردوغان من الجولة الثانية وليس حسمها من الجولة الأولى”.
ومع بدء العد العكسي للانتخابات، تكثف السلطات التركية من جهودها الرامية لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي وحظر نشاط المئات من قياداته وأعضائه، حيث استمعت المحكمة الدستورية العليا في تركيا الأسبوع الماضي، إلى المرافعة الشفهية لحزب الشعوب في الدعوى المقامة ضده، على أن تعد تقريرها لاحقاً قبل أن تجتمع لإصدار قرار بشأن حظر الحزب أو استمراره مع حرمانه من الدعم المالي، حيث كانت المحكمة قد رفضت في كانون الثاني/ يناير الماضي طلب الحزب تأجيل الدعوى إلى ما بعد الانتخابات، قبل أن تلغي الشهر الماضي قراراً سابقاً لها بالتجميد المؤقت لحسابات الحزب البنكية.
مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل، أوضح “أنه يبدو أن الحكومة التركية ستقدم على حظر حزب الشعوب الديمقراطي، لذلك كان هناك خطوة استباقية من الكرد والديمقراطيين في تركيا، بإنشاء حزب اليسار الأخضر، معتبراً أنه في حال الإقدام على خطوة إغلاق الحزب، فإن ذلك سيضيف صفحة سوداء أخرى في سجل حكومة أردوغان حيث لا عدالة ولا تنمية”، لكن رغم ذلك سيكون للقرار تأثير أكبر من خلال ردة فعل إيجابية للحاضنة الاجتماعية لحزب الشعوب، سواءً من الشعب الكردي أو الحلفاء وكل الديمقراطيين الأتراك، الذين يدركون أن الحزب هو الكتلة الأكثر صلابةً وتماسكاً والأكثر قدرة على تحريك الواقع وتقديم مشروع للخروج من المأزق الذي تعانيه تركيا منذ ما يقارب القرن”.
يشار، إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي، وهو ثالث أكبر الأحزاب في البرلمان التركي بعد حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشعب الجمهوري المعارض، يحظى بكتلة تصويتية تصل إلى نحو 13 في المائة من أصوات الناخبين، ولا سيما بالمناطق الكردية في شرق وجنوب شرقي البلاد، كما كان أنه استطاع ترجيح كفة مرشح حزب الشعب الجمهوري لانتخابات بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو على حساب مرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدرم عام ألفين وتسعة عشر.