وسط توترات متصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران بعد فشل المحادثات الرامية لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام ألفين وخمسة عشر، والتقارير عن تخصيب طهران لليورانيوم بدرجات قريبة جداً من اللازمة لصنع قنبلة نووية، شهدت محافظة دير الزور شرقي سوريا استهدافات وقصف متبادل بين الجانبين على مدى الأيام الماضية، في تطور لافت ينذر ربما بمواجهات أعنف مستقبلاً.
القيادة المركزية الأمريكية، أكدت تعرض قاعدة للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في حقل “كونيكو” للغاز بريف دير الزور شرقي سويا، لهجوم بطائرة مسيرة الأسبوع الماضي، وقالت في بيان، إن الهجوم “غير فعال” ولم يسفر عن أي خسائر بشرية أو أضرار مادية، وذلك بعد أن أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بتعرض الحقل لهجوم بطائرة مسيرة يعتقد أنها إيرانية.
وأعقب الهجوم استنفار كبير للفصائل التابعة لإيران بالمنطقة، بحسب المرصد السوري، الذي قال إن تلك الفصائل أخلت مواقعها في منصة الإشارة بـ”عين علي” في منطقة الميادين شرقي دير الزور، وأغلقتِ الطريق المؤدّي إلى قاعدة “سليماني”، كما جلبت تعزيزات عسكرية ونفذت عمليات إعادة تموضع تحسباً لاستهدافها من قبل التحالف الدولي.
يأتي ذلك، بعد أيام على شن قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، غارات جوية على مواقع للفصائل التابعة لإيران في حيي العمال وهرابش بمدينة دير الزور شرقي سوريا، أسفرت عن مقتل نحو عشرين شخصاً بينهم عناصر من هذه الفصائل وقوات حكومة دمشق، رداً على ما قالت إنه هجوم بطائرة مسيرة نفذته الفصائل على قواعد لها في المنطقة أسفر عن مقتل متعاقد أمريكي وإصابة خمسة آخرين، قبل أن تنفذ هذه الفصائل هجوماً بثلاثة صواريخ على قاعدتين للتحالف الدولي في حقلي العمر وكونيكو، إضافةً إلى قاعة اجتماعات لقواته بريف دير الزور الشرقي، انطلاقاً من قواعدها في مدينة الميادين، ما تسبب بأضرار مادية دون ورود معلومات عن خسائر بشرية.
استعداد أمريكي للتحرك “بقوة” لحماية الجنود في سوريا
الرئيس الأمريكي جو بايدن، قال في رسالة موجهة للكونغرس تتضمن توضيحاً بشأن التطورات شرق سوريا، إن الغارات الجوية استهدفت منشآت يستخدمها الحرس الثوري الإيراني كمراكز للقيادة وتخزين الأسلحة والذخائر، وأن القوات الأمريكية حرصت خلال تنفيذ الهجمات على عدم وقوع إصابات بين المدنيين، مؤكداً في الوقت نفسه أنها جاءت رداً على هجمات الفصائل الإيرانية على قواعد التحالف الدولي في سوريا، والتهديدات بشن هجمات جديدة في المستقبل، ومن أجل تعزيز الأمن القومي الأمريكي والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة، مشيراً إلى استعداد الأخيرة للتحرك “بقوة” لحماية الأمريكيين في أي مكان بالعالم، على حد تعبيره، في حين قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي في مقابلة مع قناة “سي بي إس” الأمريكية، إنه لا يستبعد اتخاذ إجراءات رد إضافية ضد الفصائل الإيرانية في سوريا، مؤكداً أن بلاده لا تعتزم تقليص وجودها العسكري على الأراضي السورية.
بدورها، قالت قوات سوريا الديمقراطية في بيان، إن قاعدة مشتركة لقواتها وقوّات التحالف الدولي لمحاربة داعش تعرضت لهجوم بالطيران المسير، ما أدى لفقدان متعاقد مع الجيش الأمريكي لحياته وإصابة خمسة جنود بجروح، كما تعرضت بلدة ذيبان بريف دير الزور لقصف بعشرة قذائف صاروخية مصدرها مناطق خاضعة لقوّات حكومة دمشق بالضفة الغربية لنهر الفرات، حيث أصابت بعضها منزل مدني ما أدى لإصابة امرأة وابنتها بجروح، معربة عن إدانتها للهجوم، ومؤكدةً مواصلتها “الكفاح المشترك” مع التحالف الدولي حتى القضاء على خلايا تنظيم داعش بالمنطقة.
من جانبها، حذرت إيران الولايات المتحدة مما وصفته “رداً حاسماً” في حال استهداف قواعد لها تم إنشاؤها في سوريا، وقال المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كيوان خسروي، إن أي مسوغ لاستهداف القواعد التي أنشأت في سوريا بناءً على طلب الحكومة السورية من أجل “التصدي للإرهاب” سيقابل برد حاسم، نافياً تورط إيران بالهجوم على قواعد أمريكية شرقي سوريا.
التصعيد الأمريكي رد على الاتفاق السعودي الإيراني
الباحث السياسي والمعارض السوري المستقل عصام زيتون، قال في حديث لمنصة تارجيت، إن التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران ليس بجديد، حيث سبق أن حدثت اعتداءات صاروخية وبطائرات مسيرة على قواعد أمريكية في العراق وحتى على السفارة الأمريكية ببغداد ولم يلق ذلك أي رد أمريكي جاد وحقيقي، كما أن الرئيس الأمريكي جو بايدن كان قد أعلن مؤخراً أن بلاده لا تسعى إلى مواجهة عسكرية شاملة مع إيران وكأنه كان يعطي الضوء الأخضر للأخيرة لفعل كل ما تريده من خلق للقلاقل وتثبيت للمكتسبات وزيادة نفوذها، إلا أن الهجمات الأخيرة في سوريا، جاءت بمثابة إظهار من الجانب الأمريكي للمنطقة والعالم أنه ما زال موجوداً ويمتلك نفوذاً وتأثيراً، بعد مشروع الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية الذي كان مفاجئاً وصادماً للعالم وخاصةً الولايات المتحدة، التي تعتبر أنه تم تجاوزها في ملف ضخم جداً كهذا، بين “قطبين من أقطاب المعركة الرئيسية في الشرق الأوسط”.
زيتون، أضاف أنه من المتوقع أن يحدث تصعيد أكبر من جانب الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة عبر تحريك مثل هذه الملفات، لأن مشروع الاتفاق السعودي الإيراني كان صادماً جداً معنوياً واستراتيجياً ومادياً بالنسبة للجانب الأمريكي، مشيراً إلى أنه من الممكن أن تكون هناك ارتدادات أخرى للاتفاق، حيث أنه أحد هذه الارتدادات هو عزل الجانب التركي حالياً عن “محور الشر” الذي يضم روسيا وإيران الذي لم يجد أمامه خيار سوى الانضمام إليه، والذي يجري تفكيكه حالياً عبر أخذ إيران بعيداً وانشغال الجانب الروسي بالحرب الأوكرانية.
والهجمات الأخيرة، تأتي ضمن سلسلة استهدافات مستمرة بين الجانبين منذ تدخل التحالف الدولي للمساندة في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، حيث يقول مسؤولون أمريكيون إن الفصائل التابعة لإيران، نفذت منذ عام ألفين وواحد وعشرين ثمانية وسبعين هجوماً على قواعد للتحالف في سوريا، تنوعت بين الطائرات المسيرة والقصف الصاروخي وقذائف الهاون، ما يسفر غالباً عن أضرار مادية.
امتعاض حلفاء واشنطن من سياساتها تجاه طهران
وبحسب الباحث السياسي والمعارض السوري المستقل عصام زيتون، فإن السياسات والحروب الأمريكية في السرق الأوسط التي صبت في مصلحة إيران خلال السنوات الماضية، إلى جانب أنه يتم التعامل أمريكيا مع إيران على طاولة المفاوضات النووية كـ”الطفل المدلل”، سببت امتعاضا لدى حلفاء أمريكا التقليديين في الشرق الأوسط وعلى رأسهم السعودية وإسرائيل، لذلك حدثت بعض الاتفاقات بالمنطقة، معتبراً أن الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الملف الإيراني تختلف جذرياً عن الاستراتيجية الإسرائيلية، لاسيما خلال حكم الإدارات الديمقراطية في أمريكا.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ينتشر شرقي سوريا وتحديداً في المنطقة الممتدة بين مدينة دير الزور والبوكمال بريفها الشرقي على الحدود العراقية مروراً بمدينة الميادين التي توصف بأنها “عاصمة الفصائل التابعة لإيران”، أكثر من خمسة عشر ألف عنصر من هذه الفصائل من جنسيات عراقية وأفغانية وباكستانية، حيث تعتبر هذه المنطقة الحدودية طريقاً لهذه الفصائل وجماعة حزب الله اللبناني، لنقل الأسلحة والعناصر من إيران والعراق إلى سوريا ولبنان، عبر معابر غير شرعية تم استحداثها بعد التدخل الإيراني في سوريا، ودائماً ما تتعرض هذه المنطقة لغارات جوية تقول تقارير إعلامية، إن قوات التحالف الدولي وإسرائيل هي من تقف وراءها.
وتسلط الهجمات الأخيرة، الضوء على كيفية تحول الأرض السورية إلى ساحة للصراعات وتصفية الحسابات بين الدول، تحولت معها مواقع ومنشآت سورية تتخذها هذه الدول والفصائل المحلية التابعة لها وعلى رأسها إيران وفصائلها، إلى بنك أهداف كبير للقصف والغارات، ما يعمق من حالة الدمار الكبير الذي تشهده البلاد خاصةً في النية التحتية والمرافق الأساسية، ويزيد من تعقيد الأزمة السورية، التي أصبح من المؤكد أن حلها لا يكون إلا بحوار سوري سوري بعيداً عن الأجندات الخارجية.