محمد إسماعيل
جاء استهداف مطار السليمانية في كردستان العراق أثناء تواجد الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، ليؤكد مرحلة جديدة في تكريس تركيا لمخططاتها المتكررة في اغتيالات تطال بعض القيادات الكردية، وسط تساؤلات كثيرة حول الرسائل التي أرادتها “أنقرة” من هذا الهجوم وأسبابه، وردود الفعل الأمريكية المتوقعة.
وقد كان قائد قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا “قسد” في طريقه لمغادرة السليمانية بعد المشاركة في اجتماعات حول مكافحة الإرهاب، بحضور مسؤولين أمريكيين ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، وكذلك بمشاركة قوات مكافحة الإرهاب في السليمانية، فيما جرى الاستهداف بطائرة تركية مسيرة.
الاعتداء التركي يأتي في ظل معاناة “داعش” في شمال وشرق سوريا
في هذا السياق، يقول صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD: “ان الاعتداء الأخير لتركيا على مطار السليمانية لم يكن استهدافاً فقط لمظلوم عبدي بمفرده، بل كان معه ضباط أمريكيين ضمن تحالف الحرب ضد داعش وكذلك بعض من قوات مكافحة الإرهاب التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني أي قوات جنوب كردستان”.
وأضاف، في تصريحات خاصة لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “وبالتالي القوات الثلاثة التي تحارب تنظيم داعش الإرهابي كانت هدفاً في الهجوم الأخير الذي قامت به تركيا في مطار السليمانية، ونحن نعرف منذ البداية أنه كلما كان تنظيم داعش يتلقى الضربات في روج آفا من قبل قوات سوريا الديمقراطية ويعاني، فإن الأتراك يبكون وتسيل دموعهم لأنهم هم من خلقوا داعش ولا يريدون انتهاء التنظيم، ولذلك كان الاستهداف للقوات الفاعلة في مواجهة تنظيم داعش سواء في سوريا أو العراق”.
الاعتداء التركي تم بموافقة روسية إيرانية
وأعرب السيد صالح مسلم عن اعتقاده بأن هذه الضربة ليست بعيدة عن موافقة إيران وروسيا، لأن، وفقاً له، فمن مقررات أستانة تقويض الوجود الأمريكي في المنطقة أو التحالف الدولي لمحاربة داعش، وإزالة قوات سوريا الديمقراطية.
وأكد الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD أنه “لو لم تكن هناك موافقة روسية وإيرانية، لما استطاعت أنقرة أن تتحرك بهذه الجرأة وتستهدف مطاراً مدنياً”، مشيرا كذلك إلى أن “الانتخابات تدفع النظام التركي لمثل هذه الأعمال، بهدف كسب بعض الأصوات لصالح رجب طيب أردوغان”.
ليست المرة الأولى التي تسعى تركيا لقتل مظلوم عبدي
وكان مظلوم عبدي صرح لصحيفة “أل – مونيتور”، المهتمة بشؤون الشرق الأوسط، بأن الهجوم وقع بالقرب من قافلة كانت تقله هو ومعه إلهام أحمد الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية أحد الأقطاب السياسية للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا .
وأشار “عبدي” إلى أن “هذه ليست المرة الأولى التي تحاول تركيا فيها قتله، حيث سبق واستهدفت اجتماعا لقوات مكافحة الإرهاب التابعة لقوات سوريا الديمقراطية في الحسكة في نوفمبر الماضي”، وقال كذلك إن : “تركيا تريد من تلك العمليات التخطيط لزعزعة استقرار المنطقة والتعدي على الأمن وخلق حالة من الفوضى بشكل دائم”.
ويرى “عبدي” أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “يتعمد ذلك من أجل انتزاع النصر من خلال تعبئة قاعدته القومية في الفترة التي تسبق الانتخابات الفاصلة المقرر إجراؤها في 14 مايو المقبل”.
توجه تركي لتنفيذ اغتيالات بحق قيادات كردية
بدوره، يقول الدكتور بشير عبد الفتاح الخبير في الشأن التركي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية : “إن تركيا مهتمة باستهداف مظلوم عبدي بالأساس، لأنه قائد قوات سوريا الديمقراطية، وهي القوات التي تشترك فيها كل المكونات السورية والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني وتراها تهديدا لأمنها، ورغم العلاقات بين قوات ٌقسد والولايات المتحدة، إلا أن هذا لم يمنع الأتراك من وضع عبدي على لوائح الاستهداف”.
وأضاف “عبد الفتاح” أن “ما منع تركيا من استهداف مظلوم عبدي خلال الهجوم الأخير هو وجود قوات أمريكية على مقربة منه، وتركيا في الوقت ذاته لا تريد الاصطدام بالولايات المتحدة”، مشيراً إلى أنه “بعد هذا الهجوم أصبح تنفيذ تركيا اغتيالات ضد قيادات كردية أمراً واقعيا، إذا شعرت أن الفرصة مواتية وأن تكلفة العملية مجدية”.
دعوات داخل الولايات المتحدة لمعاقبة تركيا
ورغم عدم صدور بيان رسمي من قبل الجانب الأمريكي بشأن الاعتداء، الذي لاقى إدانات خصوصاً من الجانب العراقي الذي دعا “أنقرة” للاعتذار، إلا أنه بحسب وسائل إعلام أمريكية، فإن مسؤول في البنتاجون الأمريكي لوح بإمكانية فرض عقوبات على تركيا بعد الواقعة، خصوصاً وأن المعلومات تشير إلى أن النظام التركي كان على علم بوجود قوات أمريكية في مكان الاستهداف.
وأكدت مصادر أمريكية، لصحيفة “أل مونيتور”، أن الأمر لن يمر مرور الكرام، وأن الكونجرس سيضغط على الرئيس الأمريكي جو بايدن من أجل أن يكون هناك تحرك ضد تركيا، حيث تتصاعد الانتقادات الأمريكية تجاه النظام التركي بسبب تصرفاته تجاه قوة حليفة لـ “واشنطن”، وأيضا العلاقات الحميمة للنظام مع روسيا الغريم التقليدي للولايات المتحدة.
استعراض قوة من النظام التركي قبيل الانتخابات
ويرى الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية أن الهجوم التركي لا يجب أن يفصل عن سياقه الزمني، والسياق الزمني هنا هو الانتخابات التركية، فالهجوم ضد الكرد سواء داخل الجنوب الكردي أو في سوريا أو العراق، بمثابة نوع من استعراض القوة ضد المكون الكردي.
وأضاف “إسماعيل”، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن “الأمر كأن النظام التركي يريد أن يقول إنه نظام قوي، وأنه يمكنه قمع المعارضة بما في ذلك الكرد داخل وخارج البلاد”، إلا أن “إسماعيل” يرى في الوقت ذاته أن هذه التصرفات لن تفيد النظام التركي ولن يكون لها تأثيرا على التصويت في الانتخابات.
ويبرر الباحث السياسي عدم تأثرها على قرارات التصويت الداخلية قائلاً: ” إن الناخبين في الوقت الحالي حددوا مواقفهم، ومن سينتخب أردوغان سينتخبه ومن سيعطي صوته للمعارضة سيعطي وأن الأمر مرتبط بأسباب عدة خصوصاً الوضع الاقتصادي الداخلي، ومهما مارس الرئيس التركي من قمع وإثبات أنه صاحب اليد الطولى في تركيا خصوصاً ضد الكرد.
وفي البداية نفت قوات سوريا الديمقراطية وجود مظلوم عبدي في السليمانية وقالت إنها أخبار كاذبة، إلا أن المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية فرهاد شامي عاد لاحقاً وقال إن النفي كان غرضه ضمان العودة الآمنة للسيد مظلوم عبدي إلى شمال سوريا، وكان تعمد تقييد نشر المعلومات بشأن الهجوم جزء من الاستجابة الأمنية الطارئة فيما يتعلق بسلامة القيادات الكردية.
رسالة من تركيا للاتحاد الوطني الكردستاني
وتقوم تركيا على مدار الفترة الماضية بالتصعيد ضد الاتحاد الوطني الكردستاني في العراق، رفضاً من قبلها لعلاقة الاتحاد بقوات سوريا الديمقراطية، ولهذا ذهبت تحليلات إلى أن تركيا لم تكن تريد قتل مظلوم عبدي، بل أرادت توجيه رسالة للاتحاد وتحذير له من التعاون مع قوات “قسد”.
وكانت تركيا فرضت مؤخراً حظراً على رحلات مطار السليمانية يستمر 3 أشهر، بحجة اختراق المطار من قبل حزب العمال الكردستاني، منتقدة كذلك علاقات الاتحاد الوطني الكردستاني مع قوات سوريا الديمقراطية، ثم صرح إبراهيم قالين المتحدث باسم الرئاسة التركية بأن بلاده لن تغض الطرف عن هذا الأمر.
وردا على تلك المزاعم، يقول محمود خوشناو القيادي بالاتحاد الوطني الكردستاني في العراق، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الاتحاد الوطني لديه علاقات مع وحدة مكافحة الإرهاب في قوات سوريا الديمقراطية برعاية التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
وأضاف أن كل ما نريده هو مكافحة الإرهاب، وليس لدينا أي أجندة تشكل مساساً بالأمن القومي التركي، بل كذلك نريد أن يكون لنا تعاون مع تركيا ولكن في الإطار الشرعي والدستوري.
عبدي كان في السليمانية بطلب من التحالف الدولي
هذا ونشر الموقع الرسمي للاتحاد الوطني الكردستاني PUK MEDIA اليوم أن هناك تقريران عراقيان معدان، وتحقيق لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، حول الهجوم ومحاولة الاغتيال، على مطار السليمانية الدولي، حيث يكشف عضو في لجنة مجلس النواب العراقي للتحقيق حول الهجوم، أن “التقارير توضح الرؤية أكثر للحكومة الاتحادية لاتخاذ قرار حاسم حول الهجوم”، مؤكدا أن “مجيء مظلوم عبدي كان في إطار مهمة للتحالف الدولي ضد داعش، لذا فالولايات المتحدة كانت على علم به كما تم إخطار تركيا بالموضوع”.
وقال هريم كمال آغا رئيس كتلة الاتحاد الوطني الكوردستاني، والذي كان عضواً في لجنة الأمن والدفاع النيابية، التي تفقدت موقع الهجوم في مطار السليمانية، خلال تصريح خاص للموقع الرسمي للاتحاد الوطني الكوردستاني: “ان الاجتماعات التي يعقدها مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في العراق ليست شيئاً جديداً لان العراق ايضا عضو في التحالف الدولي ضد داعش”.
وتابع هريم كمال آغا: “ان القائد مظلوم عبدي كان في السليمانية بطلب قوات التحالف التي أعلمت تركيا بذلك الاجتماع الذي يتم دائماً وبشكل دوري بين قوات سوريا الديمقراطية وأعضاء التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي”، مضيفا: “ان هذه الاجتماعات هي على المستويات الداخلية والخارجية، لذا فوجود مظلوم عبدي في السليمانية جاء للاجتماع مع التحالف الدولي، وتعزيز التنسيق المشترك وستستمر لحين القضاء على داعش بشكل كامل”.
وأوضح: ان هذه الاجتماعات ليست سرية بل هي علنية وتهدف الى جمع المعلومات الاستخباراتية وتعزيز التنسيق المشرتك للقضاء على داعش بشكل نهائي.
العراق كان على علم بمجيء مظلوم عبدي
من جانبه، قال النائب عن كتلة الاتحاد الوطني الكوردستاني كريم شكر خلال تصريح خاص لـ PUKMEDIA: ان ما تقوله بعض الأطراف حول عدم علمها بوجود اجتماع التحالف الدولي في السليمانية غير صحيح”.
وأضاف: “ان سلطة الطيران المدني العراقية تسيطر على مطار السليمانية وأي طائرة تهبط أو تقلع من المطار تتسلم سلطة الطيران كامل المعلومات عنها”. وتابع: “ان سلطة الطيران المدني العراقية كانت على علم مسبق بوجود اجتماع التحالف الدولي في مدينة السليمانية والاطراف المشاركة فيه ولم يكن الاجتماع بشكل سري كما تزعم بعض الجهات”.